#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية_ ميشيل كلاغاصي
بعد أن سطر الشعب السوري ملاحم الإنتصار العسكري إلى جانب الجيش العربي السوري والقوى الرديفة , وكما سطر ملاحم التحدي والصمود في وجه الحصار والعقوبات الإقتصادية , ها هو اليوم يسطر ثالث ملاحمه وإنتصاره السياسي , ويخرج بالملايين ليقول كلمته ويؤكد وحدته ولحمته الوطنية , وتمسكه بدولته وسيادتها على كامل أراضيها وبقرارها السياسي الحر المستقل , وبنظامه السياسي المركزي , وبثوابته الوطنية والقومية , عبر تجديد بيعة وإنتخاب الرئيس بشار الأسد , وبذلك يعبّد الشعب السوري طريق الإنتصار السياسي , ويطلقها رسالةً وطلقة في وجه الأعداء والمتربصين.
يومٌ مجيد , ومشهدٌ استثنائي رهيب , عرسٌ انتخابي وطني بإمتياز, حشودٌ لا تنتهي , صور الرئيس بشار الأسد , العلم الوطني , الفرح , الأهازيج , الهتافات , وملايين السوريين يتهافتون إلى مراكز الإقتراع لممارسة حقهم وواجبهم , لكن الأهم هم يعبرون عن إنتصارهم وإعتزازهم بهويتهم وكرامتهم , وتأييدهم ووفائهم ومحبتهم لمن لم يتخل عنهم , ومن تقدمهم وقادهم بإقتدار في معركة الدفاع عن الدولة السورية في الحرب الكونية التي حاولت النيل منهم وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم , وكرامتهم وسيادتهم وحريتهم ومصيرهم , ولتأكيد حقيقة إنتصار ثالوثهم الوطني المقدس “القائد , الجيش , الشعب”.
أمام هذا المشهد غير المسبوق في سوريا والعالم برمته , تحرك العالم وإعلامه وإعلامييه , ساسته وبرلمانييه , شخصياته ومثقفيه ومؤرخيه , ليرصدوا بأم أعينهم وينقلوا الحقيقة إلى شعوب العالم , التي تعامى الكثيرون عن رؤيتها , وسقطوا في فخ الأضاليل والأكاذيب التي ساقتها الغرف السوداء المظلمة حول العالم , لتشويه الصورة السورية البهية , التي تؤكد أن سوريا حق وإنتصارها حق.
إنتصار سوريا التاريخي دفع بعض الغرب وجلُّ العرب , لنسج مواقف جديدة من الدولة السورية وقيادتها , على الرغم من العناوين الكاذبة والمزيفة التي أطلقوها لأكثر من عشر سنوات كـ “الحرب الأهلية في سوريا” , “الأزمة السورية” …إلخ , وساروا ورائها ملثمين متخفين , هرباً وتهرباً من حقيقة تاّمرهم ومن جريمة شن أفظع أشكال الحروب عليها , تلك الحرب التي لم تعرف البشرية مثيلها من قساوتها وفظاعتها وسفكها للدماء وبالتخريب والتدمير الشامل ولكل ما يعنيه مفهوم “الدولة” السورية من بشر وحجر وإنسان وهوية وتاريخ وحاضر ومستقبل.
ومع الإنتصار السوري وإسقاط وهزيمة المشروع الصهيو – أمريكي وأذنابه وأدواته , بات التراجعٍ الدولي والإقليمي والعربي عن مطلب تنحي الرئيس بشار الأسد , وتغيير النهج والنظام السياسي وعقيدة الجيش العربي السوري , مساراً ومسلكاً إجبارياً , ودفع البعض لإظهار إهتمامه المفاجئ بحل الأزمة وبالرغبة الخادعة للحفاظ على وحدة واستقلال أراضيها وحياة ومستقبل شعبها , وللدفع بطلائعهم لإيصال غزلهم وودهم.
إن متابعة ومراقبة مواقفهم التي لم تلحظ إعتذاراً أو إعترافاً صريحاً بنهاية مشاريعهم ووقف حربهم ضد الدولة والشعب والأرض السورية , فطاعتهم وإلتزامهم بخدمة مشاريع الأمريكان لم ولن تتزحزح , وعلاقتهم بالكيان الغاصب تحولت من السرّ إلى العلن , ولازال نصفهم يدعم ويسلح ويمول بعض الفصائل الإرهابية في إدلب , ويدعم قادة الإنفصاليين ومن لا يزال يصطف إلى جانبهم , أما نصفهم الاّخر فلا زال يبايع “السلطان” أردوغان كخليفة عثماني , ولا زالوا يتطلعون إلى مشاريع تقسيم سوريا وضم الشمال السوري إلى حدود السلطنة.
لا زال الوقت مبكراً للحكم على الوجه الجديد – القديم للعرب , وإحداثيات تمركز كلٍ منهم في خارطة مشاريع صفقة القرن والتطبيع مع العدو الإسرائيلي , والقدس والقضية الفلسطينية والمقاومة بشكل عام , و”الناتو” العربي , والعداء لإيران , وبعض العداء المغلف بالجفاء تجاه موسكو.
ولا زال من المبكر الحديث عن الجامعة العربية وعن دورها السيئ وتخطيها أو قفزها عن ميثاقها وموافقتها على تجميد عضوية سوريا, وتأمين الغطاء السياسي لتدمير ليبيا والعراق وسوريا … ولا زال الوقت مبكراً لإستعادة الهوية العربية في وقتٍ لا يزال فيه بعض القادة العرب يقبعون في حجور تحالفاتهم الأمريكية الإسرائيلية و التركية …إلخ , على حساب الهوية العربية والإنتماء للأمة والأرض.
إن مشهد المصافحات والزيارات الشكلية , ومشاهد إعادة فتح السفارات , وهبوط طائرات الرؤساء العرب في مطار دمشق – على أهميتها – , لن تكون هدفا ًسوريا ًبحد ذاته , فسوريا تبحث عن عالمٍ عربي جديد يعترف بالهوية العربية ولا يتخلى عن بوصلته مع أول عاصفة , وتبحث عن عالمٍ عربي تحترمه دول العالم ولا تعتبره مجرد أدوات شرٍ وإرهاب وتخلفٍ وجهل ونفط وأموال مكدسة , عالم تحترمه شعوبه قبل شعوب العالم …
وهذا يعيدنا بالضرورة إلى ما رفضه العرب يوما ً, ولم يعرفوا أن ثمن الإستسلام أكبر من ثمن المقاومة , نعم سنعود إلى عالمٍ عربي يقوده الرئيس بشار الأسد , ولا تقوده عواصف الحزم على اليمن ولا من يتهاوشون على الطريدة في سوريا والعراق وليبيا , فقد رأت الشعوب العربية ماذا حصل عندما خاض المتخاذلون مشاريع ومعارك الغير , وجربوا حروب أوهامهم , وهُزموا على أبواب دمشق , وبات عليهم أن يشكروها لتمسكها بالهوية العربية وإنقاذها لما تبقى من سمعة العرب أجمعين.
إن المتغيرات الجديدة تفرض على سوريا مواجهاتٍ جديدة وبأساليب جديدة , فالحرب لم تنه بعد , وبات على الكثير من دول العالم والمنطقة والعربية خصوصاً, أن تختار استرتيجيتها الجديدة بما يتوائم مع المرحلة الجديدة للصراع … فإن صدقوا في تصريحاتهم وفي رسائلهم المباشرة وغير المباشرة نحو دمشق , فلا بد من ربط الأقوال بالأفعال , وإثبات حسن النوايا , وأقله وقف الهجوم على سوريا واعترافهم بنصرها , والبدء الفوري بكل ما من شأنه دعم الدولة والقيادة والحكومة والشعب السوري بتحرير ما تبقى من أراضيها تحت نير الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي والتركي , وهذا يتطلب بالتأكيد مصالحةً عربية شاملة , كي ينسجم العرب مع أنفسهم أولاً, ووضع الحد لكافة الخلافات العربية – العربية…
لا تبدو مهمة القادة الغربيين والعرب سهلةً , خصوصاً لمن يتطلعون إلى إعادة فتح سفاراتهم , واستعادة علاقاتهم الدبلوماسية والطبيعية مع سوريا والشعب السوري , ولا بد لهم من بذل الجهود المضاعفة , وإجراء مراجعاتٍ شاملة لسياستهم تجاه سوريا … فلا بأس أن يتغير من ضلوا الطريق وأن يعودوا إلى رشدهم , فأن تصل متأخراً خير من ألا تصل , وتبقى العودة إلى سوريا تستحق العناء وتمنح الواصلين كل الفخر والإعتزاز.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
26 / 5 / 2021