#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية_رئيس قسم الدراسات_نبيل فوزات نوفل
– يبدو أنّ الدولة العميقة في الولايات المتحدة تعتمد نظرية كيسنجر في إدارة الأزمات والتي جوهرها ، بأن أزمات معقدة قد تنشأ في بعض الدول فتتطوّر، وتتطاول، ولا تبدو قابلة للحل .. مثل هذه الأزمات يجب، في نظره، عدم الاهتمام بحلّها بل يجب تركها والاكتفاء تالياً بإدارتها لمصلحة الدولة التي تحتاج الى مواردها ، وأسواقها ، أو لموقعها الاستراتيجي.
– وهذا ما طبقته في بلدان غرب آسيا التي تعاني أزمات عميقة ومتطاولة كلبنان وسورية والعراق، وقبلها جميعاً فلسطين المحتلة.
– أليس واضحاً للمراقب المتابع أن أميركا تقوم منذ ثلاثة عقود على الأقلّ بإدارة الأزمات المعقدة والمتطاولة التي تعانيها هذه البلدان ولا تقوم بأعمال جدّية لحلها أو تسويتها ..؟
– إنّ إدارة الأزمة تتيح لأميركا هامشاً واسعاً من حرية العمل والمناورة من حيث توفيرها فرصاً لتلعب وتتلاعب بالأطراف المحليين الواحد ضدّ الآخر أو ضدهم جميعاً ما يمنحها القدرة على تحقيق أغراضها ، وإدارة ” بايدن ” لا تختلف عن غيرها من الإدارات الأمريكية السابقة فهي تمارس سياسة البلطجة ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – قصف تجمعاتٍ لفصائل من «الحشد الشعبي» العراقي تعتبرها حليفةً لمحور المقاومة وذلك في مواقع لها على الجانب السوري من الحدود مع العراق، كما أن إدارة بايدن لم تكتفِ بما فعلته بالمقاومة العراقيّة في شرق سورية.
2 – تغاضي الإدارة الأمريكية عن تهديد بنيامين نتنياهو ووزير حربه بني غانتس للبنان، بأنّ «إسرائيل» لن تتوانى عن تدمير ما تملكه المقاومة من صواريخ دقيقة قام حزب الله بتخزينها ــ حسب زعمها ــ بين منازل المدنيين في مختلف أنحاء البلاد.
3 – عرقلة أي حل في سورية ، ودعمها القوى الانفصالية والإرهابيين، واتهام سورية باتهامات باطلة ، مثل استعمالها السلاح الكيماوي، وخرقها حقوق الإنسان ، واستمرار هذه بتطبيق الحرب الاقتصادية الإرهابية على سورية تحت شعار قانون قيصر وطبعاً يتوازى هذا النشاط السياسي بنشاط إعلامي وفيسبوكي يقوم به مرتزقتها ممن يطلق عليهم أسماء مختلفة وكلهم خونة ومرتزقة ، بعضهم عن جهل والآخر عن سابق إصرار مقابل ثمن مدفوع وذلك لنشر اليأس والتشاؤم بين السوريين وبث الإشاعات حول ضعف الدولة، وقرب انهيارها ،وأن لا أمل والأيام القادمة هي الأسوأ ، وإن الخلاص بالتطبيع مع العدو الصهيوني والخروج من محور المقاومة ، وغير ذلك .
4 – محاولة شق قوى المقاومة في العراق ، من خلال خطة رسمها كيسنجر لإقناع بعض المرجعيات بأن الجهاد ضد داعش انتهى، وبالتالي لا حاجة للمقاومة، وعليهم النأي بالنفس ، وإعادة العلاقات مع أمريكا والابتعاد عن إيران ،الأمريكيون لاشك يدركون أن معركتهم في العراق وسورية ستخسر ولا يمكن أن يكسبوها بعد أن دحرت داعش .. وإذا أرادوا أن يبقوا فعليهم أن يشقوا هذه المرة قوى المقاومة في العراق ، وهي مناورة تقوم مقام ما يسمى الربيع العربي وداعش .. وقسد ،لأن الغاية من داعش أو قسد هو قطع التواصل بين العراق وسورية إلى ايران .. وسيوفر الأمريكيون عليهم معركة قاتلة في الصحراء مع مشروع مقاوم يقترب وهذا يضعف إيران وموقفها التفاوضي في الملف النووي .
5 – تحريك الأوليغاشيا الروسية في موسكو ضد الرئيس بوتين عبر قضية سخيفة هي قضية ، /افالني/ ثم تحريك محيط روسيا الراكد في أرمينيا وأوكرانيا .. وهي دعوة ” لبوتين ” لالتزام الحذر في أي تحرك في سورية لتغيير المعادلات الحالية ؟؟ وإلا فإن الاشتباك بين أميركا وبوتين لن يكون في سوريةن بل سيكون في شوارع موسكو وعلى تخومها .. يريد ” بايدن ” اشغال الأضلاع فيما هو يكرس التقسيم في العراق وسورية والمعادلات الأمريكية.
– إن إدارة ” بايدن ” تهدف من كل ذلك الضغط على إيران وقوى المقاومة ، واسترضاء كلب حراستها في فلسطين، وتنبيه مرتزقتها بعدم التقارب مع إيران ومحور المقاومة وصولاً لتحييد روسيا وإيران عن دعمها لدول المنطقة الرافضة الوقوع في السحر الأمريكي ، وإضعاف روسيا وإظهارها بمظهر العاجز وغير القادر على حماية أصدقائها.
6 – استمرار عداء إدارة ” بايدن ” للصين ، فهي تتبع نفس السياسة من حيث العمل على شيطنة القيادة الصينية،وخداع الشعب الأمريكي وهذا ما كشفت عنه وثيقة الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأميركي ، عن الملامح العامة لتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة، والتي حظيت الصين على نصيب الأسد فيها ، لجهة ما تشكله من تهديد استراتيجي واسع للولايات المتحدة ، أبرزته الوثيقة بشكل مفصل ، ذلك بخلاف التهديدات العالمية مثل جائحة كورونا وقضية التغير المناخي .
– وجاء التركيز على بكين لافتاً ضمن الاستراتيحية ، وبشكل لا يقبل الشك ، ذلك أن كثيراً من فقراتها تضمنت ذكر الصين (الخصم الرئيسي المحتمل).
– ورغم كل المحاولات التي بذلها الغرب الاستعماري لإضعاف محور المقاومة ، والتدمير والتجويع والحصار، فإن محور المقاومة إزداد قوة ، وحلفاءه في روسيا والصين بما يملكونه من حكمة وبصيرة وصبر استراتيجي قد أوقعوا الشيطان الأمريكي في شر أعماله، فبات يعيش كوابيس أفعاله ، ونتيجة القوة الكبيرة لهذا الحلف الاستراتيجي ، وقد بدأت الكوابيس تطير النوم من عيون إدارة بايدن وكيانه الإرهابي في فلسطين ، ومن هذه الكوابيس :
1 – الرد الصاعق على لسان قائد المقاومة السيد حسن نصرالله بأنّ المقاومة ستردّ على قصف أيّ موقع مدني لبناني بقصف منشآت عسكرية «إسرائيلية» قائمة بين أحياء ومواقع مدنيّة داخل فلسطين المحتلة. إنذاره جرى تعزيزه ببثّ صورٍ لهذه القواعد والمنشآت في مختلف قنوات التلفزيون .. والصواريخ اليمنية التي هزت مملكة العدوان السعودي وأدخلت السعودية ومن بعدها أمريكا في مآزق خطير ، ما جعلها تغازل المقاومة اليمنية برفعها عن قائمة الإرهاب.لكن المقاومة تزداد وتقوى حتى يوقف العدوان وعدم التدخل في الشأن اليمني.
2 – الموقف الصريح والواضح لإيران ، تجاه القضايا المطروحة فالإيرانيون يعلمون أن ” بايدن ” يشتري الوقت، وهو يريد منهم ملف الصواريخ ، وليس الملف النووي .. والايرانيون لن يسلموا قذيفة واحدة ولا صاروخاً .. وقد قالها صراحة جواد ظريف في تصريح جريء اذ قال : لاتفكروا في طرح موضوع الصواريخ على الاطلاق، ولذلك فإن ايران وشعبها يستحيل أن يفاوضوا أو يجلسوا إلى أي محادثات يتم الإشارة فيها للصواريخ الباليستية .
– كما أن الانتخابات الإيرانية المقبلة ستأتي برئيس من المتشددين خاصة بعد استشهاد قاسم سليماني الذي عزز قناعة الإيرانيين إن القيادات المتشددة هي من يردع الأمريكيين والأمريكيون يخشون ذلك .. ويتذكرون صورة نجاتي الأسد نصر الله فيطير النوم من عيونهم .
– فالقوى الغربية الاستكبارية وفي مقدمتها الكيان الصهيوني تعلم وتدرك أن الحرب النووية ممنوعة ومستحيلة في المنطقة، ولكنها لا تقدر أن تمنع حرب الصواريخ التي ليست في صالحها حتماً .. ويحاول ” بايدن ” أن يرغم إيران على القبول بالتعديلات على الاتفاق النووي ليشمل الصواريخ عبر تهديدها عسكرياً واستعراض عضلاته في القصف على الحشد الشعبي والفصائل التي تساندها إيران – تعلم الروس الدرس أن خسارة الجمهوريات أو البلدان الحليفة لا تعوض أبداً .
3 – ولذلك فان تفريط روسيا بسورية هو السقوط الثاني والنهائي للاتحاد السوفييتي .. وسيدفع الضغط المتزايد على بوتين الروس إلى دفع الضغط على روسيا بالضغط على أمريكا في” الشرق الأوسط” وخاصة في سورية .. وهل هناك منطقة لروسيا لمحاسبة أمريكا افضل من سورية والعراق ؟؟كما أن الروس يعلمون أن قاعدتهم في حميميم في سورية ستكون شبه محاصرة إذا بقيت تركيا في إدلب وبقي الأمريكيون في الشرق السوري، وهم ينشرون القواعد الجوية بين الجزيرة السورية وقبرص .
– وهذا يعني أن قاعدة حميميم صارت بلا قيمة ، وهذا بالضبط إلغاء لأهميتها التي ستكون محاصرة من ثلاث جهات .. ولذلك فإن ” بايدن ” يدرك أن تأمين روسيا لقاعدة حميميم يعني أن توسع طوق الأمان حولها إلى حد كبير .. بإبعاد الأمريكيين إلى داخل العراق ، ودفع الجيب التركي نحو الداخل التركي .. وإلا لا معنى لقاعدة محاصرة ومطوقة.
– ومن هنا بدأت روسيا تعزيز مشاوراتها وتواصلها مع القوى المعادية لأمريكا ذات الفاعلية ومنها حزب الله فالقراءة الروسية للوضع الدولي بعد وصول إدارة الرئيس ” جو بايدن ” الى البيت الأبيض ، تقوم على قاعدة عنوانها “الحرب الباردة عادت بقوة، وفرص التفاهمات الأميركية الروسية تتراجع، وقد تكون العلاقات بين موسكو وواشنطن تتجه لتسجل أسوأ مراحلها مع الرئيس” بايدن ” ولذلك فإن موسكو تتشاور مع الحلفاء الذين تثق بالمنهجية الأخلاقيّة لنظرتهم نحو السياسات الأميركية ، وفي مقدّمة هؤلاء ما اكتشفته موسكو لدى حزب الله من بُعد نظر وموضوعيّة وواقعيّة في قراءة الواقع الدولي .
– وهذا يستدعي من موسكو وفقاً لخبرائها الدبلوماسيين المخضرمين، أن ترسم خططاً لتحصين الساحات التي تتشارك العمل فيها مع حلفائها، وأن تتداول معهم في خطط التحصين التي تترجم بعض عناوين الحلول، ويضعون العلاقة مع حزب الله في موقع متقدّم لصياغة هذه التصورات.
4 – السياسة الحكيمة الهادئة للقيادة الصينية التي قوامها الدبلوماسية ، التي تدعو للحوار، واحترام متبادل للتاريخ ، واستشراف للمستقبل ، حيث الصينيّون يعملون بصَمتٍ مَدعومٍ بثقةٍ عاليةٍ بالنّفس ، وتُؤكّد مُعظم التّقديرات الغربيّة أنّهم سيُصبِحون القوّة الاقتصاديّة الأعظم في العالم في غُضون خمس إلى عشر سنوات ، وسيُصبِح ” اليوان الذّهبي” الصّيني العُملة الرئيسيّة الأولى في العالم ، وبِما يُطيح بهيمنة الدّولار، والنّظام المالي الغربي الذي حكَم العالم واقتِصاده مُنذ الحرب العالميّة الثّانية.
– إنها رسائل الحكمة الصينية التي تحث صانعي القرار في الولايات المتحدة على احترام الحقائق التاريخية، وإدراك متغيرات العالم والإنصات للأصوات العاقلة داخل أميركا وأخذها على محمل الجد ، وكذلك الإصغاء إلى دعوات دول العالم لتحقيق الأمن والسلم الدوليين وإدارة الخلافات والسيطرة عليها على أساس مبدأ الاحترام المتبادل،ونحن نرى أن الحكمة الصينية ستهزم الغطرسة الأمريكية،وستكون الصين في مقدمة دول العالم ،وهذا سيكون في مصلحة البشرية كلها.
5 – الانتخابات الرئاسية السورية ، وهذا بحد ذاته يعني أن من سيدفع ثمن الاستحقاق هو المشروع الأمريكي .. أي أن القيادة السورية وحلفاءها مطالبون أمام الشعب السوري بتحرير المزيد من الأراضي السورية .. والسوريون والغرب والعالم كله واثق بفوز الرئيس المقاوم بشار الأسد ، العدو الأول لأمريكان والمؤتمن على كرامة وحقوق السوريين.
– وسورية ما زالت صامدة ، ومتمسكة بنهجها المقاوم ، ولن تستطيع قوة ثنيها عن ذلك رغم كل أنواع الحروب التي شنت عليها. أمام هذا الواقع يمكننا القول : على شعوب العالم عامة وشعبنا العربي خاصة أن لا يعيش الأوهام، فأمريكا لا تعمل إلا وفق مصالحها ، ولا ترغب بأي حل إلا الذي يخدم الكيان الصهيوني ويضع شعوب المنطقة تحت سنابك خيل الغزاة ، لأن من يسكن البيت الأبيض لا يملكون إلا عقولاً سوداء ، تنفث السموم القاتلة ،التي تنشر الفوضى والإرهاب وتجويع الشعوب وانتشار الأوبئة .. وأن إدارة ” بايدن ” في موقع لا تحسد عليه ، في سورية .
– كيف ستبعد روسيا ..؟
– وكيف ستبعد شبح نجاد الثاني ..؟
– بل كيف ستتعامل مع نسخة أخرى لأحمدي نجاد يتحالف مع الأسد، وكيف ستحاصر قاعدة حميميم ..؟
– وكيف لا تدفع السوريين إلى معاقبتها في الجزيرة قبل الاستحقاق الرئاسي القادم قريباً ..؟
– وهل من قوة تمنع فوز الرئيس الأسد الذي قد يلاقيه زمن نجاد الثاني ..؟
– وكل هذه الكوابيس تقترب بسرعة والنافذة الزمنية الباقية لاتخاذ قرار هي أسابيع قليلة فقط .