#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
-كتب الصحفي والكاتب الإيراني جلال خوش جهره*، مقالا مختصرا تناول فيه دلالات لقاء النجف التاريخي بين سماحة السيد السيستاني “دام ظله” وبين البابا فرنسيس، وما دفع الأخير إلى زيارة سماحة المرجع الأعلى في بيته المتواضع.
فيما يعاني الشرق الأوسط من نزاعات طائفية-عرقية ومن عدم استقرار مزمن، كان اللقاء الذي جمع بين البابا فرنسيس وبين آية الله العظمى السيستاني، حدثاً ميموناً يمكن أن يفتح، وإن كان ذلك بمقاييس رمزية، آفاقًا مبشرة لحل مشاكل المنطقة وأزمات المجتمع العراقي المكلوم، وكذلك لدفع عجلة الحوار بين الأديان.
ثمة كثيرون يعتقدون أن البابا فرنسيس وآية الله العظمى السيستاني قبل أن يكونا ناشطين سياسيين في العالم، فهما مرجعان دينيان يراعيان بشكل جيد، الحدود والمسافات الكائنة بين الدين والسياسة. لكن ومن وجهة نظر أخرى، يمكن اعتبار هذين المرجعين الدينيين، متدينين منخرطين في السياسة، حيث تمكنا ولا زال بإمكانهما، من خلال التعويل على “مرجعيتهما” و”شعبيتهما”، الاضطلاع بدور فاعل، في خضم هذا التوقيت الحساس، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من انعدام الاستقرار.
زار زعيم الكاثوليك في العالم الذي يبلغ عدد أتباعه أكثر من مليار شخص، ضارباً كل البروتوكولات الرسمية عرض الحائط، أحد كبار مراجع الشيعة، في أحد أحياء النجف الفقيرة. وأجرى مباحثات معه تناولت قضايا السلام والاعتدال وضرورة التعامل البناء بين الأديان، وتبنى الجانبان، رؤية مشتركة حيال إرساء السلام والصداقة.
أما رصيدهما فهي المرجعية والشعبية اللتين يتمتعا بهما، ليس فقط بين أتباعهم من الناحية الدينية، بل بين أعضاء المجتمعات السياسية والاجتماعية أيضاً.
البابا فرنسيس وآية الله العظمى السيستاني يضطلعان اليوم بدور عالمي مشترك لا يلازمهما في مرجعيتهما الدينية فحسب، بل في زخم شعبيتهما في حل المشكلات السياسية والاجتماعية أيضًا.
وتأسيسًا على ما سلف، يتعذر مقارنتهما ببعضهما، حيث تفصلهما مسافة طويلة للغاية عن السياسة. وفي الحقيقة هما يطرحان صورة خاصة حول تدخل الدين في السياسة على نحوٍ يضطلع فيه الدين بدوره الذي يحل المشكلات الناجمة عن التعاطي السياسي والاجتماعي والثقافي.
لدراسة وتحليل طريقة تفكير شخصيات مثل هاتين الشخصيتين والوقوف على تأثيرهما، يتعين أولًا، معرفة ماهية الأولويات التي ينتهجانها، بصفتهما مرجعيات دينية. وثانيًا معرفة مستوى استيعاب جمهورهم-مقلدين وغير مقلدين- وفهمهم لهذا المنهج والمقاربة. وثالثًا معرفة ما يستقطب عامة الناس من جوانب تفكيرهما، وإلى أي مدى بوسعه أن يبقى ذلك الجانب، عامل جذب وحسم ..؟
إن الفضل لما يحظى به آية الله العظمى السيستاني من احترام ومحبة لدى عامة أتباع المذاهب الإسلامية وعند الشعب العراقي وشيعة العالم، يعود إلى نجاحه في حفظ مكانته كناشط “منصف ومصلح”، مما جعله يحظى باحترام أهل السنة في العراق أيضًا. وبإلقاء نظرة على سجل هذا المرجع، وبناءً على التجربة، يمكن القول إن سماحته وعبر الحفاظ على نهجه المعتدل في المجتمع السياسي العراقي المضطرب، لم يبدي على الإطلاق، ميلًا إلى أي حزب أو تيار سياسي. كما لم يسلم مكانته ومصداقيته، إلى أي مجموعة أو جماعة أو فرقة، من أجل استغلالهما سياسيًا.
كان المجتمع العراقي في أعقاب سقوط نظام البعث مشحونًا بالانتقام. فالشيعة الذين عانوا طوال تاريخ العراق السياسي من الإقصاء والعنصرية المؤلمة، لم يلقوا أبدًا تحفيزًا من هذا المرجع الديني، لجهة الانتقام من المتسببين بذلك.
وظف آية الله العظمى، من خلال إدراك الظروف الزمانية والمكانية، مكانته الدينية، كإمكانية تتيح له لعب دور “الشريك المنصف” وفي الوقت ذاته “الشريك الحاسم”، وذلك لتخليص عامة العراقيين وليس الشيعة فحسب، من المشكلات ودائرة التهديدات الموجودة، ومنها داعش.
إن حقوق الشيعة، المدنية منها والمواطنة، وفقًا لرؤية سماحته، يجب أن تُصان وتُحترم بنفس المقدار الذي يتعين أن يتمتع به أهل السنة والأكراد وسائر أتباع المذاهب الأخرى في العراق من حقوق متكافئة.
الأهم من كل ما أنف، فإن ابتعاده عن قصر النظر وضيق الأفق السياسي في مواجهة مطالب التيارات المنافسة، لم يصب نهجه بالاضطراب. فقد آثَرَ المصالح الوطنية على المصالح الشخصية، واكتسب شرعية حاسمة في أوساط الشعب العراقي والشيعة من خلال انتهاج القوة الناعمة والالتزام بالقيم الدينية على نحوٍ اعتبر الآخرون ذلك الأمر شرعيًا أيضًا. جهد هذا المرجع الديني في المجتمع العراقي المصاب بالتنافسية والذي للأسف ليس “للثقة” فيه محل من الإعراب، أن يُرسخ لفكرة مفادها أن اللحمة الوطنية ستكون ضحية إذا كان تحقيق الانتصار على المنافسين الداخليين، وحده هدف الفرقاء السياسيين.
وما دفع البابا فرنسيس إلى لقاء أحد أكبر المرجعيات الشيعية في حي من أحياء النجف الأشرف، هي السمات التي تميز بها سماحة السيد السيستاني. فلقاء النجف حدث تاريخي في الظروف الراهنة، حيث يتعين فيها أن يعمل الدين والسياسة في خدمة إرساء السلام وتخليص شعوب الشرق الأوسط والعراق، من براثن الحرب والعداوة.
فلقاء النجف يصنف في سياق اضطلاع المراجع الدينية بدور يصب لصالح تلطيف السياسة.
– بقلم : جلال خوش جهره
– ترجمه من الفارسية : تمام أحمد ميهوب