لقاء المآذن والأجراس .. والحضارات والرسائل الربانية .. بقلم : الدكتورة إيناس عبد الهادي الربيعي

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

– لقاء الحضارات معاني ودلالات حملتها الزيارة البابوية للمرجعية الرشيدة ممثلةً بالمرجع الاعلى السيد السيستاني نقطة تحول في تاريخ العراق رمزية اللقاء أكدت رسالة الاديان بلقاء رمزين يحملان مشروع تحرير المجتمع والانسان يعبر لقائهما عن اطروحتين دينيتين تتقلد رسالة السلام والاخلاق كقيمة عليا ترتقي بالإنسان والمجتمع  على اختلاف الانتماء الديني لكلا الطرفين برسالة واضحة الدلالة بان الرموز الدينية تتحمل مواجهة العنف والتطرف برسالة سلام تمثلها الاديان بعد ان بات الارهاب يحمل الدين كعنوان للتطرف والعنف والقتل والتهجير ، لذا لم يكن من سبيل المصادفة تلاقي الافكار والطروحات بين الرمزين وتعالي الدعوات بما يؤمن به رمزي الاديان بخطاب يعبر عن حقوق الشعوب في حياة حرة وكريمة بتشخيص دقيق لمعاناة استمرت لعقود لتكون اصدق تعبير عن قدرة الاديان على الحوار وخدمة الانسانية جمعاء لعبور التحديات التي تواجهها الانسانية .

لتكون الانسانية والدين حاضرتان في جميع تفاصيل حياتنا فلا ينفصل المفهومان عن بعضهما فلا الانسانية بكل ما تحمله من صفات كمعيار تقيمي لصلاح الانسان او فساده لا تتقاطع مع الشرائع السماوية اذ تكون الاديان معززة وداعمة للمفهوم الانساني والذي يمثل كيان متكامل للوجود الانساني الذي يفرض احترام الاخر بكل ما يحمله من افكار ومعتقدات واديان بالنظر للجوانب التي تربط احدهم بالأخر لننتقل الى حالة السلام الداخلي بحالة من الحب والاحترام للجميع دون قيد او شرط بالوقوف امام كل من يعادي القيم الانسانية .

وفي مقاربة لموضوع الاختلاف الطبيعي بين البشر وبنظرة تقييمية لمسيرة الاديان عبر التاريخ ومبعث الرسالات نجد انها تتجلى نظرتها الى المخاطب وهو الانسان كقيمة اسمى ليظهر خط الرسالات السماوية على انه خط الانسانية السائر على نحو تحقيق اهدافها ورسالاتها  وقد تجلى ذلك بقوله تعالى : ( اني جاعل في الارض خليفة) وهو دليل على درجة الكرامة الانسانية التي يتمتع بها الانسان في النصوص القرآنية لقوله تعالى : ( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم) كأمر متفق عليه بين الاديان والرسالات ليكون الانسان بذلك كرامة كيانية لا يجوز التفريط بها وفق التصورات الايمانية فلأنسان محور ومركز الكون وبهذا على الانسان ان يكيف وجوده مع تلك الكرامات الالهية بعبادة شاكرة على تلك النعم الالهية مع ارتباطها بحرية القول والفكر والعمل وتحمل مسؤولية هذه الافعال طالما وهب الله له عقلا وحدد له الضوابط والقيم وترك له مساحة الاختيار بحرية مطلقة فيما يرى الانسان ويعتقد وفيما يأخذ ويدع لتكون الحرية في حياته عقيدة وايمان وتصميم وعمل وقد افردت النصوص الدينية مساحة واسعة للحديث عن ذلك ففي القران الكريم قوله تعالى : ( انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا) وقوله تعالى: ( قل ان ضللت فإنما اضل على نفسي وان اهتديت فبما يوحي الي ربي امه سميع قريب) وقوله تعالى : ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) بدلالات واضحة على حرية الاختيار في الايمان والكفر وكذلك الحال في الديانة المسيحية فروحية النص الانجيلي تعطي الانسان الحرية الكاملة بالاضطلاع بمسؤولية حياته كاملة بالدعوة للاقتداء بالسيد المسيح(عليه السلام) كقدوة في الاختيار الحر.

ومع الدعوة في كلا الديانتين الى المساواة التامة بين البشر فالجميع متساوون في الخلق والكرامة ذاتها الا ان التمييز بين المؤمن وغير المؤمن لقوله تعالى : ( يا ايها الناس انا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) لتكون تلك الآيات دلائل وبراهين على ان الاديان رسالات متتالية تكمل احدها الاخرى بما يهدف لسمو الانسان في خلافته للأرض وتأكيد ذلك في العهد الجديد بالوصايا العشر التي القاها السيد المسيح والتي اكد فيها انه لم يأت لنقض الشريعة بل ليكملها .

ومما تقدم يكننا القول ان رجاءات الانسان من الدين تختلف باختلاف البيئة الثقافية والانسانية والاجتماعية التي يتواجد فيها لكن بغض النظر عن تلك الاختلافات هنالك قواسم مشتركة في رحاب نفس الانسان المؤمن سواء كان مسلما او مسيحيا فالإنسان بما يحيا به من مشاعر وهواجس يشكل جملة من القيم المبنية على الدين او من الدين بغض النظر عن التزامه باي منها فالأصل في الدين جذب مصادر الخلاف نحو مدار الائتلاف مع الاعتراف بأحقية وجود الاختلاف بين البشر لذا فهو يسعى لضبط هذا الاختلاف من خلال تحديد اطره وربطه بوحدة الانتماء الى المصدر وهو الله جل وعلا .

فكون الاختلاف في الامور الدنيوية امر طبيعي والصراع في المجتمع الانساني امر تم ضبطه بالقانون الوضعي الذي وجد وشرع لهذه الغاية لتكون الشرائع السماوية هي الاساس في تلك القوانين سواء في ضبط صراع الانسان مع نفسه او مع الجماعة التي ينتمي اليها ، لذا فالجميع مدعوون لوقفة تاريخية في مواجهة الانغلاق على الذات او انتهاج النهج التكفيري للأخر فلا يمكن الخلط بين المتحول والثابت والعابر والدائم لان ادراك القيم الدينية الضاربة في قرارة الذات الانسانية والمتماسة مع الوجدان الانساني في جوهره ووجوده الانساني وخلقه كصفات منحها الله اياه امر يدفع للتركيز على معايير الحق والعدل والتسامح بما يمثل اسس المنظومة القيمية الراسخة في الذات الانسانية والعمل على تفعيلها في ملاقاة الاخر في المسير نحو السلام لأنه قبل كل شيء ثقافة وخيار وارادة وعمل وممارسة .

وهو ما نجده قد تمثل في لقاء زعيمي العالم الاسلامي الشيعي ممثلا بسماحة السيد آية الله علي السيستاني (دام ظله) والمسيحي البابا (فرنسيس) والذي اطلق عليه تسمية (لقاء القمة ) بلقاء تأريخي الاول على الاطلاق بين بابا الكنيسة الكاثوليكية والمرجعية العظمى للشيعة في النجف الاشرف والذي كان محوره التحديات الكبيرة التي تواجهها الانسانية في هذا العصر ودور الايمان بالله ورسالاته والالتزام بالقيم الاخلاقية السامية في التغلب على تلك التحديات ، ليكون اللقاء بين الرمزين الدينيين فرصة للبابا ليشكر اية الله السيد علي السيستاني (دام ظله) حول مواقفه الرافضة للعنف وما تخلله من صعوبات خلال السنوات الماضية دفاعا عن الضعفاء والمستضعفين، ليكون ذلك اللقاء تعزيزا لأسس متينة للعلاقات الانسانية لتكون اللغة واحدة في مفرداتها العقل والحكمة واللاعنف.

بلقاء امتد لنحو  خمسين دقيقة ظهر في ختامه الرمزان متشابكي الايدي في مصافحة طويلة ليصرح الحبر الاعظم في مؤتمر صحفي على متن الطائرة التي اعادته الى روما بعد زيارته التأريخية بان اللقاء الذي جمعه مع آية الله على السيستاني (أراح نفسه) واصفا سماحته ( الرجل المتواضع والحكيم) ، وقد اشار سماحته في بيان لمكتبه بعد لقاء بابا الفاتيكان الى الدور الذي يجب ان تقوم به الزعامات الدينية والروحية للحد من المآسي وحث الاطراف المعنية ولا سيما القوى العظمى على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب مع لتاكيد على اهمية تضافر الجهود لتثبيت قيم التألف والتعايش السلمي والتضامن الانساني في كل المجتمعات مبنيا على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين اتباع مختلف الاديان والاتجاهات الفكرية ، بخطاب ليس بالجديد على سماحته بالتأكيد مجددا على الاهتمام بان يعيش المواطنون المسحين كسائر العراقيين في امن وسلام مع التمتع بكامل حقوقهم الدستورية لتكون نظرة المرجعية بهذا الصدد تنطلق من رؤيا ذات مدى بعيد يغلب عليها الصالح الوطني ابتدأ دون التمييز بين افراد المجتمع لتكون صمام الامان في كل وقت وحين كما عهدناها .