التماسك في لحظات المواجهة .. هكذا نحن ..!! بقلم : صالح عوض ” الكاتب والإعلامي والخبير الاستراتيجي ” بروكسل

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– من مع ترمب ومن مع بايدن ..؟
– مهزلة يساق إليها وعي البعض !!
– تتولد الأسئلة في أتون التقلبات الدولية ، والفوضى التي تلاحق النظريات وفلسفات الحكم، بكشف زيفها وبطلان أساسها، وانهيار هيبة الديمقراطية الأمريكية ، وبروز العنف والإرهاب المجتمعي سلوكا مرافقا للهيمنة الداخلية، والعنف والإرهاب المنظم في السياسة الخارجية .
– في هذه المرحلة تتلاحق الأسئلة :
– ما هو موقفنا ..؟
– أين نحن مما يجري في العالم ..؟
– بل نواجه سؤالاً أكثر إحراجاً : من نحن ..؟
– وهذا هو السؤال الأكثر إلحاحا في طرحه علينا منذ سقوط عالميتنا الحضارية الأولى وتزداد حدته كلما فرضت علينا مواجهة عنيفة .
– من نحن ..؟
– وهنا تتبعثر الإجابات وتنحو اتجاهات عدة مستخدمة أدوات تزيد الفوضى اتساعا وتجد البعض منا يلجأون إلى عباءات الآخرين يتدثرون بها مستبدلين استعمارا بآخر وعدوّا بآخر وهزيمة بأخرى.
– أدوات الهجوم :
– أخطر محاولة ركز عليها الخصوم في مواجهتنا تكمن في إخراجنا من سياق تفاعلات تراكيبنا الثقافية الاجتماعية الاقتصادية الخاصة، وما تفرزه من مشاعر وتفكير وخطاب، الى الدوران خلف تطوراته الاجتماعية والاقتصادية وتنقلاته السياسية بحيث أصبح هو المركز الكوني وتتشكل مشاعرنا وثقافتنا ووعينا في هذه العملية تبعا لتحرك خطواته واتجاهها.
– إن هذا يعني من البداية أننا فقدنا أن نكون نحن بما لل”نحن” من خصوصيات واشتراطات وأهداف وتحديات داخلية وخارجية.. فلقد كان الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة مادة تثقيف لدى كثيرين من أجيالنا السابقة.. ولم نكن ندرك ان الإمعان في تلك الحرب ومحاورها يعني بوضوح أننا من يقدم ثمن الصراع الذي ينتهي لصالح قوة غاشمة سنكون أول من تفتك به بعد أن أسدينا إليها عملا مناصراً كبيراً .
– لقد كان انقسامنا غير مفهوم على المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي ، وهذا الانقسام زحف ليصل الى واقع الأحزاب والحركات السياسية جميعاً.
– واعتمد الخصوم على مبدأ الصدمة بالموقف والعمل الفائق على حد التوقع ليتم شل قدرتنا على التفكير بكيفية المواجهة وفي هذا كان لابد من انتهاج أسلوب الحرب الخاطفة الصاعقة بكثافة نيران وجملة قرارات ومواقف وفتح جبهات عديدة وكل ذلك لنقلنا الى الإحساس بعدم جدوى المواجهة.
– واعتمد الخصم على مبدأ كي الوعي وكي الفعل وهنا تتم المعالجة على صعيدين: صعيد ما تمتلك القوى المحلية من أدوات وإمكانات .. وعلى صعيد الوعي بالحسابات.. فهو يتجه بدءاً بتدمير الوسائل بسرعة وعنف ويوقع خسائر فادحة في جبهة القوى المحلية ومن ثم يفحص ردود الفعل حتى يقضي على احتمالها ومن بعد يأتي إلى العقل فيضع في داخله من خلال وسائل عديدة ان أي فعل سيرتد فعلا مضادا أعنف وأكثر بطشا.
وفي محاولة خبيثة أصر المستعمرون على سحبنا من إهتمامنا الخاص والإيحاء لقوانا السياسية أن مصيرنا في بلداننا مرتبط بنتائج الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يجري في بلدانهم .. و لعل مثال التفاعل مع الانتخابات الأمريكية ونتائجها يظهر مدى الوهن في منظوماتنا السياسية والثقافية.
– فبالترغيب والترهيب والتضليل حرموا نخبنا عن التفكير المستقل لصالح امتنا بعيداً عن التبعية والخوف ومن هنا أصبحت وسائل إعلامنا وسياستنا في جهوزية تامة للتماهي مع رغبات المستعمرين، وتعلق حلول أزماتنا وقضايانا على تبدل الأوضاع في بلد المستعمر وهكذا يصبح السراب هو واقع حالنا.
– الأمة الحاضرة :
– وهل لنا وجود ..؟
– للإجابة على هذين السؤالين يعني ضرورة أن نلجأ إلى اليقين وليس إلى التضليل والتشكيك .
 – فنحن أمة بكتلة ضخمة بين الأمم يزيد عدد أشخاصها عن سدس سكان الكرة الأرضية تقع في الوسط الجغرافي بين الأمم وهي مهد الرسالات والأنبياء عليهم السلام وكان لها أن أقامت حضارة عالمية استمرت قرون واتسعت رقعتها بحيث لم يبلغ اتساعها وعمرها أي حضارة بشرية أخرى فضلاً عما تميزت به في عالم القيم والمفاهيم .. وقدمت للبشرية علوماً نافعة وأسساً للنهضة وطرائق عديدة لحياة إنسانية بعيداً عن التوحش.
– وهنا نقترب من الإجابة على سؤال :
– وهل لهذه الأمة وجود ..؟
– هنا تعددت الإجابات وقد ذهب مفكرون كثيرون من النابهين في الأمة إلى وضع تصورات وتسميات للأمة أمعنت في الابتعاد عن مواجهة الآخر منصبة على بلورة مفاهيم ذاتية وواقع ذاتي وكأننا نبدأ من الصفر هكذا كانت الإجابة منقسمة على محورين الأول يتنكر لتاريخنا وحضارتنا ويذهب بعيداً في التحلل من إرثنا وتراثنا وقيمنا اعتقداً منه أن إتباع سبيل اللائكية الغربية ومعاداة الدين كما حصل في فرنسا وأوروبا سبيل النهضة .
– أما المحور الآخر : فهو ذلك الذي يعتز بتاريخ أمته وقيمها وله انتقادات علمية لمفاصل تاريخية إلا أنه يرى أن هذه الأمة في عداد الغياب وليس لها وجود الآن لافتقادها صفات الطليعة الأولى وصدر الإسلام كما جاء في أطروحة المفكر الكبير سيد قطب والمفكر الكبير مالك بن نبي في ضرورة ميلاد الطليعة المؤمنة أو في ضرورة ميلاد المجتمع وقوة دفع الروح لإيجاد أمة غابت عن الشهود منذ قرون!! وذلك بصيغة مدققة محددة بدين يصنع لبنته الأساسية وشبكة علاقاته الاجتماعية بناء على قيمه.
– لا يمكن إغفال أهمية هذه الرؤية الحضارية لدى رجلين كبيرين عملاقين في الفكر والنظر والانتباه الحضاري في مرحلة معينة للتصدي لعمليات التزييف والتشكيك في الفكرة بالنظر لواقع المسلمين، فذهبا لتجلية الأمر بأن الهزائم القائمة ما كانت لتكون لو كانت هناك أمة بقيمها وبمولدها الحضاري الخاص، ولقد تمتع الرجلان بوعي متميز بالرسالة ومقاصدها وبخبرة جدل مع الأفكار المضادة وتأملاً حضارة الغرب عن قرب ا وقد انحازا تماما الى النموذج الحضاري الخاص، ولكننا هنا بعد عشرات السنين من طرحهما الملهم والجذاب في حينه نجد أنفسنا نراوح في مكانناً تخلفاً وغياباً وبحسب تعريفهما .
– وهذا يمنحنا فرصة السؤال من جديد :
– هل هناك وجود للأمة ؟
– قبل الولوج في الإجابة لابد من التنويه بأن تلك الدعوة لميلاد مجتمع أو بناء طليعة مؤمنة بالمواصفات التي تم تفصيلها، عملية صحيحة وضرورية ويجب أن يكون العمل لانجازها مستمرا ومتواصلاً لتجديد المجتمع وتجديد روحه وفعالية القيم فيه .. ولكن أن يكون التعامل معها بمعزل عن حركية المجتمع والأمة ومعاركهما المستمرة التي لا تتوقف في انتظار تشكلها كان بمثابة خلل منهجي موجع .. فلقد أصيبت الفكرة المطروحة بتجريد قاتل عندما فقدت الحس بتفاعل مع جغرافيا وواقع وتاريخ المرحلة .
– إنها فكرة رائعة وحقيقية ولكنها سلفية بالمطلق لأنها قراءة لواقع سابق بمعطيات مختلفة وفي بيئة مختلفة قبل أن تتكون أمة تدين كلها بالولاء للإسلام وأصبح الدين برموزه القرآن ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم والمقدسات عنوانا سياسيا وحضاريا لها .. وحتى عندما نتأملها في صدر الإسلام نجدها فكرة مثالية جدا لا يكاد يفهمها ويلتزم بها إلا القلة من أبناء المجتمع الإسلامي الذي ضم إليه المنافقين والمؤلفة قلوبهم واليهود والنصارى فلقد كان المهم هو وجود قيادة وبرنامج .
وأما الناس فسيظل معظمهم دون وعي بغايات الرسالة و أهداف المسيرة الإسلامية .. وهذه دعوة لمراجعة البرامج المطروحة التي تعاملت مع واقع أمتنا، خلال العقود السابقة.. فبدل أن نتناقش خارج الدائرة الواحدة علينا الإدراك بأن نقاش كل تجاربنا يجب أن يكون في الدائرة الواحدة لاسيما البرامج التي لا تتنكر علنا للإسلام وشعائره.
– ومن هنا نقفز من وهدة التيه في الكلمات والمصطلحات الى واقع أن الأمة موجودة بكل عناصرها وهي تتحرك بحيوية وفاعلية وقد كانت جاهزة كلما استفز وجدانها مستعمر أو تحد خطير ولعل نهوضها العاطفي الكبير عندما قامت جهات استعمارية بالإساءة لرمز من رموز هويته الحضارية ممثلا في شخص الرسول محمد صلى الله لعيه وآله وسلم يعبر عن حضور الوجدان الحضاري الذي لم يغب عن تفاعل الأمة مع فلسطين والقدس والعراق وكل مواطن المواجهة ضد المستعمرين ولنا في مثال الجزائر وثورتها الدرس البليغ .
– إن أمتنا مجهزة بكل ما يؤهلها للنهوض بدورها، فهي لازالت على عهد ضميرها وانتمائها ومقدسها ويمكن لأي مشروع حقيقي أن يتفاعل مع مكنونها فيحركها لفعل المعجزات، وهنا يصبح الحديث ليس عن ضرورة “تشكيل الطليعة” ولا عن لحظة “ميلاد مجتمع” إنما عن برامج تعيد للأمة عزتها وكرامتها في الوحدة والنهضة والتعليم والاقتصاد والبحث العلمي والتكنولوجي وفي هذا الدرب تتشكل الطلائع ورواد المجتمع وتتميز فعاليات الأشخاص ويسقط الضعاف ويصعد الأبطال.
– نحن أمة حضارية على مدار قرون من الزمن وصنعنا عالمية حضارية كانت مرجعا لكل الساعين للتطور والتحليل دون التوقف أمام هذه المعضلات والقضايا الصوفية والسلفية.. وهذا لا ينفي ان يكون هناك أشخاص في الأمة يدعون دوما للتمسك بالقيم والترفع الروحي والزهد والمثل العليا بل إن هذا ضروري ومهم لأنه سيضمن سلامة المسيرة .. لكن لا أن يكون بديلاً عن حركية الأمة أو أن يكون شرطا لوجود الأمة.
– لا ميوعة ولا تيبس :
– من هنا فإننا كما نرفض التيبس على فكرة موقوفة بمعطيات ما، وفي مرحلة حضارية ما ، وندعو لفتح الأعين على واقع جديد بمعطيات جديدة، فإن رفضناً لانقطاع مسيرة أمتنا عن سياقها التاريخي يأتي بالحزم نفسه .. ولقد عانت نخبنا وشبيبتنا جراء هذين النهجين في التفكير وأصبحت حركة التفكير في مجتمعاتنا تدور في متاهة بعيدا عن الانطلاق الحضاري بعد أن أعلنت تلك المناهج بدءا أنها إزاء تكوين امة جديدة.
– تكامل زهدنا في الأمة وموقفنا السلبي منها والتحلل منها مع قوة العدو الغاشمة ومحاولاته الدءوبة لتكسير إرادتنا وتبديد جهودنا فكان الفشل تلو الفشل ولم تتولد طليعة ولم يولد مجتمع ولم تنهض الأمة ولم تتحدث وتتعصرن.
– ولقد كان لهذا الانفصال بين النخبة الفكرية والثقافية والسياسية عن المجتمع والأمة، آثارا رهيبة تجلت في الضنك والضيق والعجز والإحباط الذي يعبر عن غياب التواصل بين نخبنا والأمة.
– إن أمتنا أثبتت في معركة التحرير الوطني الجزائري وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وبمقاومة الشعب العراقي أنه لا ينقصها شيء لكي تنطلق وتجترح المعجزات فلقد كانت التضحية بأجلى معانيها حاضرة كما لو كنا في حضرة النبي صلى الله عليه واله وسلم وفي حضرة صحابته الكرام .. فبم نميز على صعيد الثبات على الموقف بين الخباب بن الأرث وزيد وبلال، و العربي التبسي وبن مهيدي وزبانة، والمجاهدين الأبطال الذين واجهوا الموت باسمين في فلسطين والعراق .. لقد تجلت روعة العقيدة في مواجهاتنا باستبسال نادر حاضرا، كما هو سابق الأمة.
– أمة للانتصار :
– في كل مرة تم استدعاء الامة ظهرت عن عميق إيمانها واعتزازها بهويتها وأزاحت من أمامها كل الحدود المفتعلة من عرقيات منتنة و طائفيات شيطانية ووطنيات شيفونية و تدفقت فيها معاني الروح الصافية، ولاتزال امتنا تكتنز معيار الجمال والحق كما جاء به الوحي الأمين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فهي لا تستقبح تضحية وكرامة وبذلا وهمة وكرما ولا تستحين النذالة والخيانة والفساد والحرام والذلة ، ولا تقبل أي إهانة توجه لأي من رموزها .. وهذه من تقوى القلوب.
– امتنا وجدت للانتصار والسلام والخير والرحمة ولكنها لا يمكن أن تؤدي رسالتها المناطة بها الا بالقوة وأساس القوة التوحد والتكامل وأي سعي في غير هذا السبيل سيكون مضيعة جديدة للوقت والجهد والإمكانات .
– وستظل حقيقة أن الأمة جاهزة تنتظر من يتقدم بمشروع حقيقي لتوحيدها وتوجيهها نحو مكامن عزتها والله غالب على أمره.