الفردوس المفقود والعقد المفروط مابين الرجل والمرأة .. بقلم : لؤي طه

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– أغلب الرجال على هذا الكوكب المفطور على التناقضات، ما يزالون في مرحلة الحبو والمشي المتعثر نحو عتبة السخاء العاطفي وفهم العاطفة؛ بينما أغلب نساء الأرض يملكنه بالفطرة؛ لكن ولكي تكون العبارة منصفة ومنطقية وعلمية فمن الضروري أن نشرح المعنى العميق والمبهم لتلك العبارة:

نعم، قد لا يملك الرجل السخاء العاطفي أو العاطفة الذكية والتي من شأنها أن تنقذه من المواقف الحرجة لتخفف الألم النفسي وتطبطب على وجع امرأة تئن بصمت ولا تقوى على البوح بأنينها؛ لكنه قد جُبل على الشح العاطفي ويشعر أنه من المعيب أن يكون الرجل عاطفياً.

نعم، المرأة تملك السخاء العاطفي بالفطرة لكنها قد لا تدرك ولا تعي قيمة ما تملكه؛ وعدم إدراكها ووعيها بهذه الملكة الفطرية قد لا يمكنها من استعمالها كما يجب وقد يصل بها الأمر إلى سوء استعمال السخاء العاطفي بشكل سلبي أو استعماله إلى حد الإفراط والتفريط؛ حينها تحوله إلى نقمة عليها بدلاً من أن يكون نعمة لها.

وما بين الجفاف والبخل العاطفي المزمن من قِبل الرجل وبين السخاء العاطفي الفطري من قِبل المرأة، ثمة فردوس مفقود ما بينهما؛ فلا هو قد عرف علته العاطفية وعالجها ولا هي قد أدركت طبيعة الاختلاف الخلقي والفسيولوجي ما بينهما وتفهمت بأن الاختلاف ما بينهما هو خلقي خارج عن إرادته، ومن ثم احتوته دون أن تحوله إلى حلبة خلاف ونزاع أزلي أو إلى نقاط ضعف قد استغلها المجتمع الذكوري ضدها؛ بينما أن الحقيقة التي لم تلمسها المرأة بأن أوجه الاختلاف ما هي إلا نقاط قوة لم تستثمرها لصالحها ودفعت بنفسها نحو هاوية الشعور بالنقص؛ فمنذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا برغم ما وصلت إليه المرأة من علم ومكانة ما تزال في موقف الدفاع الضعيف عن ذاتها حيث انفقت وقتها الطويل وأهلكت خلايا عقلها واجهضت جنين عاطفتها وهي تبحث عن المساواة ما بين الأنقاض

وتناقضات العشيرة وحطام المجتمع الذكوري القائم على السلطة الذكورية وسيادة الرجل، دون أن تعلم بأنها بهذه المساواة هي تسقط تظلم على نفسها وتقصي جمال ما تملكه من فوارق كثيرة والأجدر لها عدم المساواة لأن الاختلافات التي ما بينهما لا تقبل التساوي ما عدا الحقوق الإنسانية بشكلها المطلق.

على الجنسين أن يفهما بأنه لا يوجد فرق ما بين المرأة والرجل فكلاهما مخلوق مكتمل النصاب بالخلق والتكوين لكن هناك اختلاف، والاختلاف يعد امراً طبيعياً ليس ما بين الرجل والمرأة وحسب بل في أشياء أخرى؛ كالأديان والمذاهب والدول والعادات والتقاليد والميول والأذواق والطقوس. وبما أن البشرية منذ القدم لم تستطع التمييز ما بين الاختلاف على أنه حالة صحية وما بين الخلاف على أنه حالة مرضية، طغت النزاعات الفكرية والجدل العقيم إلى أن ضاع المعنى الجمالي لمفهوم الاختلاف.

إن الاختلاف الحسّي والعقلي والعاطفي ما بين الرجل والمرأة يكمن في أبسط وأصغر التفاصيل والتي قد لا يُلقي لها بالاً كلا الطرفين فعلى سبيل الذكر:

بمقدور المرأة أن تفكر بعشرة أشياء بآن واحد، وكذلك هي تقدر على إنجاز أكثر من مهمة في الوقت نفسه؛ فهي تقدر أن تنظف وتتحدث بالهاتف وكذلك تبحث عن أوراق ضرورية وتربط شعر ابنتها وترتب أغطية السرير دون أن تحد أو تعيق أياً من تلك الأعمال نشاطها وحركتها؛ بينما الرجل لا يملك القدرة على انجاز أكثر من مهمة واحدة لأنه يستخدم جانباً من دماغه؛ بينما المرأة تستخدم كلا الجانبين من دماغها.

قد لا تدرك المرأة بأن الرجل حين يستمع إلى خطابها هو يصغي من الخطاب إلى الجانب الذي يتلاءم معه ويتقبله من أفكار؛ بيد أنه قد لا يركز على بقية النقاط في خطابها ويتعامل مع الخطاب بشكل عقلاني لا عاطفي ومن طبع الرجل أنه يميل إلى الاختصار والاختزال، ولا يميل إلى الاسهاب في

الغوص في أدق التفاصيل؛ بينما المرأة حين تستمع إلى خطاب الرجل فهي تجند جيوش حواسها المليار للاصغاء وتركز على أدق التفاصيل والمفردات وتفتح أبواب وشبابيك الذاكرة لتربط ما بين الكلمات وتعطي لكل كلمة يقولها لون وعطر ومعنى.

وهذا كله قد لا يعرف الرجل عنه أي شيء وعادة تصاب المرأة بحالة حزن شديدة وخيبة احساس عندما لا تلقى أي تفاعل واحساس منه بما تقول.

الرجل في الحالة الجنسية يتحرك من خلال غرائزه وانطباعات مسبقة هو من يحدد شكلها وملامحها لاستثارة أطراف غرائزه وإعطاء شهوته الإيعاز بالتقدم نحو الجسد الماثل أمام عيون رغبته؛ فهو مثل شاحنة تحمل الرمل أو الصخر عليه أن يفرغها في وقت محدد ومن ثم يستريح يدخن سيجارة الانتهاء أو أن يقوم إلى أقرب طاولة يلتهم ما يعيد له السعرات الحرارية التي أنفقها في الوقت القصير في عملية التفريغ هذا هو طبعه وعلى هذا جبلت غرائزه فأغلب الرجال قد لا يتنبهون إلى عمق وحقيقة احتياجات المرأة أو قد لا يعيرون هذا الأمر أهمية واهتمام.

المرأة تتحرك نحو الجنس من خلال عواطفها وجميع مشاعرها فهي تبحث في الجنس عن حالة حب تترجم من خلالها ما تعجز عنه بالكلمات؛ المرأة لا يعنيها من الجنس اشباع رغبتها بقدر ما يعنيها الدفء العاطفي لتشعر بالاحتواء والامتلاء وتشعر بأن هذا الصدر الذي تضع عليه رأسها وتنثر حوله عناقيد شعرها هو ملاذها ووطنها وجنتها وفردوسها الذي تحلم في ألا يكون الفردوس المفقود.

كذلك فأن المراة والرجل كل واحد منهما يختلف عن الآخر بالاهتمامات؛ فهي تهتم بالورد والرسائل الورقية التي يتركها لها في إحدى زوايا البيت فهي مجبولة منذ الطفولة على الاهتمام وعشق التفاصيل الصغيرة وكذلك الاحتفاظ بكل الذكريات وتجفيف أوراق الورد لتدسها ما بين صفحات كتاب أو علبة هدايا مزركشة باللون الوردي لتعود إليها ما بين الحنين والحنين تشم فيها عطر الذكريات وتتلمس

فيها مسام الأيام التي عاشتها مع تلك الأشياء؛ بينما الرجل لا يهتم لو فقد خزائنه كلها ولا تعنيه تلك التفاصيل والتواريخ والأحداث.

الرجل تفتر مشاعر الحب لديه ويقل منسوب حماسه للشقاوة والمغامرة مع تقادم العشرة وكثرة الفواتير وكثرة الالتزامات فهو سريع الاستسلام للتفكير والانهماك في إيجاد الحلول لمتطلبات الحياة فهو يعتبر نفسه المسؤول الأول والأخير عن تلك الالتزامات وهو من عليه حلها وتغطية كل التكاليف لأنه قد ورث من العشيرة والمجتمع الذكوري الإحساس بالمسؤولية وبأنه رب الدار وهو المسؤول عنه؛ لذلك هو ينشغل عن الحب وطيشه وجنونه الأول بالتفكير العقلاني؛ بينما المرأة يظل الحب هاجسها الأول والأخير وتظل مشاعرها مشتعلة لا تفتر رغم هجمات الزمن وتكالب الظروف عليها فهي لا تستسلم ولا تتنازل عن عرش العاطفة كما يفعل الرجل فهو يستسلم في النزال الأول.

إن عدم فهم المرأة لاختلاف طبيعة الرجل وطريقة تفكيره وتعاطيه مع الأمور العاطفية، وكذلك عدم فهم الرجل لمتطلبات واحتياجات المرأة هو من وسّع الهوة وخلق الخلافات الكبيرة ما بين الأزواج؛ فالمرأة تلقي بالملامة على الرجل بأنه بخيل في عاطفته واحتواؤه واهتمامه بها وكذلك الرجل يلقي باللوم على المرأة بأنها كثيرة المطالبة وعاشقة للعتاب والنكد وهذا كله يعود لجهل كل واحد منهما بطبيعة الآخر الخلقية والفسيولوجية وعدم تفعيل مهارات الفهم والذكاء العاطفي الذي يمكن كل منهما على إدارك الاختلاف وتقبله بوعي شديد وفتح الحوارات الشفافة ما بينهما دون انفعالات ونوبات غضب وعصبية، ودون اللوذ إلى الصمت والاستسلام ومحاكمة الأمور من وجهة نظر فردية وطرف وحيد واحساس كل واحد منهما بأنه ضحية فالرجل يشعر أنه ضحية النكد والعتاب المستمر ويفضل الهروب إلى عالم آخر أو امرأة أخرى لعله يجد لديها ما يفتقده في زوجته لكنه بعد مرور الأيام تصبح المرأة الثانية مطالبة ومعاتبة كما كانت تفعل زوجته وهكذا يظل هارباُ من امرأة إلى أخرى ليعيش في نفس المأساة التي هرب منها أصلاً.

وكذلك المرأة لو فكرت بنفس الطريقة فهي بدل من أن تخفف من وجع عاطفتها تزج بنفسها في متاهات عاطفية معقدة أكثر حين تكرر مأساتها من جديد ولكن بنكهة مختلفة وما تجده من جمال في البداية المتكررة يتحول إلى خيبة في النهاية المتكررة؛ فالرجال يتشابهون في الغرائز والطباع، والنساء كذلك متشابهات في الاحتياجات والرغبات والعواطف.

إن الهروب من مواجهة الاختلافات الفسيولوجية ما بين الرجل والمرأة ليس حلاً، وعدم تقبل الاختلاف الطبيعي من الطرفين لن يحل المشكلة.

بدل من أن يهرب الرجل إلى امرأة أخرى عليه أن يتفهم طبيعة المرأة التي تعيش في كنفه وعليه أن يدرك بأن أي امرأة سوف يلوذ إليها سوف تطالبه بما كانت تطالب به زوجته؛ فالأوْلى له أن لا يفرط عقد الحب العتيق ويعيد نظمه بأسلوب عاطفي ذكي مبهر وأن يجعل من هذا الاختلاف مشهدا غرامياً متعدد الألوان.

وبدل من أن تعتكف المرأة في محراب أوجاعها تبكي مع نفسها على نفسها تقيم العزاء في بيت قلبها على فاجعة عاطفتها المهملة؛ فالأفضل لها أن تتعمق بتلك الاختلافات الطبيعية والحتمية وتتقبلها بوعي أكبر وعاطفة أوسع وتحتوي ما تقدر على احتواءه لتبقي بيتها الداخلي في آمان وسلام وألا تتركه عرضة للصوص القلوب العابرة؛ وألا تفرّط ولا تفرط عقد الغرام الجميل ولا تقطع خيط العشرة فلعل الجمال كله يكون بهذا الاختلاف.

فلو تأملت المرأة بجمال الاختلافات الفطرية والفسيولوجية ما بينها وما بين الرجل وتعمقت بما تملكه من فروقات عاطفية وعقلية ومقدرات حسّية تفوق مقدرات الرجل؛ ما فكرت للحظة بالمساواة معه وما حولت الاختلافات ما بينهما لخلافات فأولى بها أن تشعر بالاكتمال بدلاً من شعورها بالنقصان.