#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– الإمارات و المغرب يُفَعِّلان بإعلان ” مراكش ” ..” وثيقة المدينة ” في زمن النبوة بابا الفاتيكان : ” المواطنة والتعايش الديني قيمة مركزية لعالمنا ” ..
ظل التسامح في العقود الأخيرة مفهومًا حالمًا وجميلًا يتم استدعاؤه كل مرة حدّ الابتذال متى أُصيبت المجتمعات الإسلامية والغربية بأزمات حادة داخلية؛ خصوصًا مع صعود موجات الإرهاب والعنف المسلح والتمييز الديني، واستهداف الأقليات الدينية والعرقية على وجه الخصوص.
فرق كبير بين الأمنيات العريضة وتحويلها إلى مبادرات راشدة، وأهداف تجد طريقها رغم الصعوبات إلى أرض الواقع؛ وهو ما اقترحته دولة التسامح الإمارات، وعاصمة التعايش أبوظبي، بالتعاون مع المغرب؛ ممثلًا في توجه جلالة الملك محمد السادس الذي دشَّن “إعلان مراكش” المدينة العالمية التي تعكس أبهى صور التعددية والتنوع؛ حيث اجتمع أكثر من 250 من الفاعلين البارزين في الحقل الإسلامي من العلماء، يتقدمهم الشيخ عبد الله بن بية، رئيس منتدى تعزيز السلم ومفتي الإمارات؛ لمناقشة ملف الأقليات الدينية، وضرورة صياغة عقد اجتماعي جديد يقوم على المواطنة، والالتزام بحمايتهم في الدول ذات الأغلبية المسلمة.
“إعلان مراكش العالمي” لم يأتِ جزافًا؛ بل تم التأسيس له في المؤتمر الذي ضم أطيافًا من قادة الرأي والفكر وعلماء الشريعة عبر إحياء جذوره التاريخية الضاربة بوتدها إلى صدر الإسلام، زمن النبوة، وتحديدًا ميثاق المدينة، في وقت بلغ فيه التجاذب والعداء حدًّا استحال إلى تهديد وجودي لأمن العالم، واتخذ صورًا قاتمة شملت استهداف المعابد والمساجد والأقليات، وصعود اليمين المتطرف، وتغوُّل الإرهاب المسلح الذي عكس صورًا سلبية لسماحة الإسلام.
مبادرة أبوظبي المشتركة بين منتدى تعزيز السلم ووزارة الشؤون الإسلامية المغربية، لم تكن مجرد دعوة سياسية أو فعالية دبلوماسية رسمية، وإنما أريد لها أن تشرع أبوابًا للحوار الصادق وورش عمل لأهم القيادات الدينية الإسلامية ضمن كيان وليد يرأسه الشيخ عبد الله بن بية (رابطة الأديان من أجل السلام RTP)، ويشارك فيه العلماء كفاعلين في صياغة جديدة لميثاق المدينة بروح عصرية تسمي الأشياء بمسمياتها؛ ومن ذلك الانحراف الكبير الذي طرأ على صور الإسلام المختطفة من جماعات التكفير والعنف المسلح والتنظيمات الإرهابية التي انسلَّت من عباءة خطاب الإسلام السياسي المأزوم الذي مثلته أسوأ تمثيل جماعة الإخوان.
– إعلان مراكش العالمي وضع أُطرًا فكرية تُلائم الدساتير الوطنية، وتُعلي من مفهوم المواطنة والمواطن بغض النظر عن انتمائه الديني، وتتلاءم دون عراقيل متوهمة مع ميثاق المؤسسات الدولية؛ كالأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي قفزة كبيرة في طريق التسامح والتعايش ضمن إطار قانوني تحميه الدولة الحديثة.
– الميثاق العالمي الذي انطلق من مراكش أكد عدم شرعية استخدام الدين للانتقام من المواطنة الكاملة للأقليات الدينية في البلدان الإسلامية، وهو ما يعني قطع الطريق على التصنيف الحربي للعالم كدار حرب وإسلام، والذي كرَّس لأبشع أشكال التعصُّب الديني، وأسهم في تغذية موجات التمييز اليمينية وخطاب الكراهية الذي أصاب المجتمعات الإسلامية والغربية، على حد سواء، بتصدعات كبيرة وجروح غائرة.
وجنبًا إلى جنب، استقطب إعلان مراكش أهم الفاعلين من الأديان الكبرى، وممثلين للأقليات التي تعيش في العديد من البلدان الإسلامية، والذين أعربوا بدورهم عن امتنانهم للعلماء من المسلمين على هذه الخطوة الشجاعة في فتح النقاش، وكما هي الحال مع مبادرة دولة الإمارات في عام التسامح الذي أعلنت عنه كهويَّة حضارية لها.
– الفاعلون من كل اتجاه وتيار طالبوا بطيِّ صفحة الماضي، وضرورة تجاوز كل ما سبَّبه العنف المنظم تحت شعارات دينية، والبدء في تحويل كل بواعث القلق والخوف من النزعات الدينية المتطرفة ورهاب الإسلام إلى كلمة سواء مفتاحها “وطن يسع الجميع”، ومواطنة متساوية الحقوق والواجبات تسعى إلى بناء مجتمعات السلم والأمان والرفاه.
إعلان مراكش ترافق مع الزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا فرنسيس إلى المملكة المغربية، والذي اقتنص الفرصة بدوره ليؤكد من الساحة المهيبة لمسجد محمد الخامس، وأمام جلالة الملك محمد السادس، أهمية هذا الميثاق وأن ما رآه شكَّل بداية للأمل في وقف خطابات الكراهية والتمييز الديني، وأنها فرصة كبيرة عملية لتجاوز مفهوم الأقليات الدينية واستبداله بتأكيد المواطنة والاعتراف الكامل بقيمة النفس البشرية كمحدد أساسي ومركزي يجب أن يتأسس بدعائم القانون وسلطة الدولة.
جدير بالذكر أن منتدى السلم الذي أطلقته الإمارات من أبوظبي كان حجر الأساس للفكرة الطموحة منذ عام ٢٠١٦، إلى أن جاء “ميثاق مراكش” الذي سعى إلى بلورة تلك المبادرة إلى صيغة تعاقدية للانتماء الديني وعلاقته بالدولة الوطنية.
من الخليج إلى المحيط هذه المرة يأتي إعلان مراكش المبني على وثيقة المدينة النبوية في صدر الإسلام، بعد أن كانت المسافة تلك من المحيط إلى الخليج مسافة متوهمة للشعارات القومية والتجارب الحزبية والنماذج الثورية التي لم تزد المجتمعات الإسلامية إلا رهقًا.