دلالات ” طوفان الأقصى ” بقلم : السيد صادق الموسوي

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– انشغل العالم كله هذه الأيام بالزلزال الكبير الذي أوجدته المقاومة الفلطسينية طوال الأيام الماضية والذي أحرج قبل العدو الصهيوني الأنظمة المطبّعة فعلاً وتلك السائرة على طريق التطبيع، وأربك المنظّرين لعملية التطبيع من أبواق وأشخاص والذين كانوا يتسابقون في الترويج لفوائد العلاقات الحسنة مع الكيان الغاصب وفتح أبواب البلاد أمام الصهاينة، حتى وصل البعض إلى إضافة اللغة العبرية إلى العربية والإنجليزية في إشارات المرور ولافتات الشوارع لديهم، بل ذهب بعضهم إلى حد إعطاء الجنسية للصهاينة والسماح لهم بالتملك في البلاد العربية، بل عملت بعض الدول على ازالة كل ما يزعج الصهاينة من مناهجها التعليمية وحتى التعمية على بعض الآيات القرآنية وتغيير أسماء السور المتعارف عليها في كتاب الله كي ” لا ينزعج خاطر ” الصهاينة ” الأعزاء “؛ كل هؤلاء ” تخربطت ” حساباتهم ولا يعرفون كيف يتعاملون مع الواقع الجديد، حيث كانت التبريرات من جانبهم قبل الآن أن الصهاينة لا يمكن طردهم لأن وراءهم القوى العظمى وقد جربنا سنين من المواجهة وفشلنا، إذن لا خيار أمامنا إلاّ التعامل مع هذا الكيان الغاصب وقبول الواقع، ومن خلال هذا التبرير كان الإنبطاح العربي والتسابق في التطبيع مع الصهاينة المجرمين، والسكوت على عمليات القتل والجرائم الوحشية اليومية التي يزتكبها جنود الكيان والمستوطنون بحق الفلسطينيين، لكن العملية الجهادية ” طوفان الأقصى ” جعل الكيان نفسه في أضعف موقف، وأجبر كل قادته على الهروب إلى الملاجئ الحصينة والمستوطنين إلى الهجرة المعاكسة والإقتصاد الصهيوني إلى الإنهيار تقريباً، ولم يبق أمامهم إلاّ التلطي وراء الأسطول الأمريكي ومحاولة ترميم الإنهيار النفسي لدى الصهاينة بالإستناد إلى حاملة الطائرات الأمريكية ومواقف الزعماء الأمريكيين الداعمة للكيان، لكن لا بد من التذكير بأن حضور الأسطول الأمريكي والفرنسي والبريطاني والإيطالي وباقي الدول المساندة للصهاينة أمام الساحل اللبناني عام ١٩٨٢ لم ينفع بآي شي ولم يؤثر في حركة المقاومة ضد الغزاة الصهاينة بأي حال، وذلك برغم مشاركة الطائرات الحربية في عمليات القصف ومدفعية ” نيوجرسي ” وغيرها في ضرب مواقع المقاومبن الذين كانوا يومذاك في بداية التأسيس، ولم يؤير أبداً التواطؤ العربي مع المحتلين والتضامن مع قوى الإستكبار في تطور حركة ” المقاومة الإسلامية ” في لبنان، بل جعل التكاتف الداخلي الرسمي اللبناني والتواطؤ العربي والتحالف الغربي الشباب الغيارى ينتقلون إلى مرحلة ” الثورة الإسلامية ” في لبنان، وعلى هذا الأساس نشأ حزب الله ونمى وتوسع حتى استطاع المجاهدون من طرد الأمريكيين والفرنسيين والصهاينة من خلال العمليات الإستشهادية والمواجهات البطولية وإسقاط إتفاق١٧ أيار المذلّ والمشؤوم ومعه النظام اللبناني المتواطئ وتم القضاء على الذين وصلوا إلى السلطة بمساندة الدبابات الصهيونية، وكانت النتيجة على عكس ما توقعه الغرب والعرب واللبنانيون المتعاملون مع الصهاينة المجرمين، حتى أصبح لبنان اليوم ساحة المواجهة المظفرة والتي استطاع المجاهدون فيها على رغم كافة المؤامرات من دحر الصهاينة وبذلّ أمام أعين العالمين وتحرير الجنوب من دنس الغاصبين وفرض قواعد للصراع لم يتخيلها قادة الكيان في يوم من الأيام، حيث كانت ” إسرائيل ” دوماً هي التي تفرض الشروط على الدول فيما هي أصبحت اليوم ترضخ للشروط التي تضعها المقاومة الإسلامية في لبنان.

– لقد عملت الدول الغربية وأعوانها وأبواقها ومرتزقتها طوال عقود من أجل ” شيطنة ” المقاومة الإسلامية في لبنان لدى الرأي العام العالمي والعربي، وقد نجحت الخطة في مرحلة من المراحل حيث انساق بعض أطياف المقاومة الفلسطينية أيضاً مع السياسات الغربية والعربية الرسمية وارتمى في احضان المتواطئين مع الكيان الغاصب، لكن سرعان ما أدرك المخلصون خبث المؤامرة وعادوا إلى الصراط المستقيم والتحالف مع إخوانهم في محور المقاومة وهذا ما ” خربط ” مجدداً الحسابات الغربية والعربية، وأدرك الفلسطينيون كلهم وحتى الذين كانوا في الماضي يباهون بعدائهم لإبران أن السند الحقيقي والحليف الصادق لفلسطين هو الجمهورية الإسلامية في إيران فقط لا غير.

– إن الفلسطيني الذي كان من قبل لا يملك غير الحجارة أصبح اليوم يملك الصواريخ المتطورة، والفلسطيني الذي كان يُمنع من رفع العلم الفلسطيني على باب منزله أصبح اليوم يرفع العلم الفلسطيني فوق أسطح المستوطنات وعلى سواري القواعد العسكرية الصهيونية وعلى أبراج الميركافا المدمرة بمن فيها من الجنود والضباط، كل ذلك على مرأى ومشهد من العالمين، والفلسطيني الذي كان يقبع في سجون الإحتلال حتى يدركه الموت ومن دون أي آمل بالحرية أصبح اليوم يتوقع كل يوم الخروج إلى الحرية رافعاً رأسه نتيجة عمليات التبادل مع الاسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية، والفلسطيني الذي كانت تقصفه الطائرات الصهيونية بذريعة وغير ذريعة أصبح اليوم يقصف كل مستوطنات الصهاينة ويطال بصواريخه حتى معاقل قادة الكيان ويُجبرهم على الهروب اإلى الملاجئ المحصنة، والفلسطيني الذي كان حتى الأمس القريب تهدده المسيرات الصهيونية بالقصف في كل شارع وزقاق في مختلف مناطق قطاع غزة وكامل الضفة الغربية أصبح اليوم هو أيضاً صاحب مسيّرات استطلاعية تقوم بتصوير المواقع الصهيونية الحساسة وإعطاء إحداثيات لغرفة عمليات المقاومة وأخرى انتحارية تقوم بمهاجمة القواعد العسكرية من دون أن تتمكن كل دفاعات الكيان المتطورة من اكتشافها والتصدي لها، وأيضا أصبح الطرف الفلسطيني قادراً على إصدار تهديد بفرض التهجير على المستوطنين من بيوتهم مقابل التهديد بتهجير المواطنين الفلسطينيين من منازلهم، وأخيراً الفلسطيني الذي كان الصهيوني يسرح ويمرح في مدنه وقراه حين يشاء بدورياته أصبح اليوم هو يجول بكل ثقة في المستوطنات ويسرح ويمرح في المدن الفلسطينة من دون أن يواجهه الجنود والمستوطنون الذي أصبحوا إما قتلى برصاص المجاهدين أو أسرى لدى المقاومين.

– إن هذا الواقع الجديد جعل الصهاينة الذين كانوا يعربدون ويفاخرون من قبل في حالة من الإنكماش الشديد اليوم، وقادة الصهاينة أصبحوا اليوم مطأطئي الرأس أمام المطبّعين، ولا يملكون قدرة على تبرير ما أصابهم من الوهن بل الإنهيار بعدما رأى العالم مشاهد للعسكريين والجنود والمستوطنين وهم تائهون في صحراء النقب ومستسلمون في القواعد العسكرية والمستوطنات والجثث بالمئات ملقاة في كل مكان وأعداد الأسرى بالمئات وهم يُنقلون إلى داخل القطاع بالشاحنات، وأعداد الدبابات المدمرة بمن فيها، والمساحة الكبيرة من الأرض التي استطاع المجاهدون التوغل فيها والتي تمثل ضعف مساحة القطاع، وقبل ذلك كانت هزيمة الجيش الصهيوني في مدينة جنين في الضفة الغربية رغم أنها محاطة من قبل الصهاينة من كل الجهات وذلك باعتراف وسائل الإعلام الصهيونية وأيضاً القادة العسكريين والأمنيين للكيان.

– إن تمادي الصهاينة في هتك حرمة المسجد الأقصى حتى صار الأمر بصورة يومية وصمت الدول العربية الكامل أمام الجرائم الوحشية بل وتقديم التهاني لقادة الكيان بمناسبة ” يوم الإستقلال ” والإحتفال معهم والرقص على أنغام الأناشيد الصهيونية جعل جميع الفلسطينيين أمام الأمر الوحيد وهو التكاتف والوحدة والإنتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم والعمل بتوصية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ” أغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غُزي قوم في عقر دارهم إلاّ ذُلّوا “، وها نحن نرى كيف كانت نتيجة ” أغزوهم ” الباهرة، وكيف سقط حتى اليوم أكثر من ١٢٠٠ قتيل و حوالي ٥٠٠٠ جريح مئات المفقودين إضافة إلى أكثر من ١٠٠ أسير من الصهاينة، كل ذلك رغم القصف الوحشي من قبل الطائرات الحربية على المناطق الآهلة واستعمال القنابل الفوسفورية والمحرمة دولياً ما أدى إلى آلاف الشهداء الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء.

– إن أهمية عملية ” طوفان الأقصى لا تكمن في قدرتها على الإمساك بالأرض التي تقدم فيها المجاهدون بل في إثبات القدرة على إلغاء دور كافة وسائل الرقابة والإستشعار والإنذار المبكر والأقمار الصناعية، وكذلك تجاوز كل أجهزة الدفاع المتطورة من القبة الحديدية وبطاريات ” الباتريوت ” والأسلاك الشائكة والإلكترونية وشبكة العملاء في الداخل الفلسطيني، حيث تفاجأ الجميع بقدرة التحرك الفائقة للمقاومين وسرعة الإنتقال إلى داخل مناطق سيطرة الكيان بل والتوغل إلى داخل المستوطنات من دون أدني مقاومة، وهذا ما دفع بالسلطة الفلسطينية التي تلتزم على الدوام بالتعاون الأمني والمخابراتي مع الكيان الغاصب إلى الإنضمام إلى صفوف المدافعين عن عملية المقاومة هذه والذين أصدروا بيانات التنديد بممارسات الكيان بحق الفلسطينيين الآبرياء، بل وأعلنوا التبرع بمساعدات مالية وعينية للفلسطينيين.

– إننا نشدّ على أيدي المجاهدين الأبطال ونسأل الله سبحانه لهم النصر ونؤكد على وجوب الوحدة بين فصائل المقاومة والحذر من مكائد الأعداء والإنتباه لمحاولات زرع الفتنة بين أطراف محور المقاومة وبثّ إشاعات التفرقة الطائفية، ونقول لهم: { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } وقولوا : { حسبنا الله ونعم الوكيل } صدق الله العلي العظيم.

– السيد صادق الموسوي