” الفرح القاسي ” بقلم : الدكتور خلف المفتاح – المدير العام لمؤسسة القدس الدولية (سورية)

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

 

– كيف للفرح أن يكون قاسياً؟ سؤال طرحته على نفسي وأنا أشارك فرحة عقد قران ابنتي على خطيبها؛ إذ لم أتمالك نفسي وعاطفتي وأنا أردد كلمات تتعلق بطقس الزواج من قبيل (زوجتك موكلتي) فلم تخرج الكلمات من لساني بل انعقد وضاق صدري ما جعل المأذون يطلب مني تردادها دون جدوى واكتفيت بالإماءة بالرأس بالموافقة مع إصرار المأذون على تلفظي بها لأسباب تتعلق بشروط الزواج في الإيجاب والقبول، ورغم كلّ ذلك لم أستطع حبس دموعي التي انهمرت لتأخذ مجراها على ما تركه الزمن من مسارات على خدود الوجه لتبرز ملامحها الخاصة وترسم معالمها كما تشاء ومع حالة الفرح والسعادة في هكذا مناسبة عائلية إلا أنه بالنسبة لي كان الفرح القاسي.

– أن تغادر الفتاة بيت أبيها وأسرتها مسألة في طبيعة الحياة وحقائقها ولكن لا يمكن للعاطفة إلا أن تعبر عن نفسها أياً كانت الأسباب والتبريرات فالعائلة التي كانت في يوم من الأيام الأب والأم والأبناء والبنات بكلّ ما يمثله ذلك من حميمية وتفاعل وحيوية وحضور ما تلبث أن تتقلص شيئاً فشيئاً لتعود الأسرة إلى نشأتها الأولى الأب والأم، فلا حيوية ولا صخب ولا صوت ولا سماع كلمات من قبيل بابا وماما وحماده ولوسي وأبي وعصفوري، إنه فراغ صعب وقاس وشعور بالوحدة لا يمكن أن تملؤه شاشات التلفاز أو جهاز “الأيباد” أو اتصالات الأصدقاء ووسائل الإعلام أو الغوص في عالم الكتابة فراغ روحي هائل لا يعرفه إلا من يعيشه.

– إن أجمل ما في الحياة تلك الأيام التي تعيشها الأسرة مجتمعة، ومن سوء حظ البشر أنهم يعيشون اللحظات الحلوة في حياتهم بمثابة صور تستعيدها الذاكرة بعد فوات الأوان، ولا يشعرون بقيمتها في حينها ولحظتها وهذه حقيقة قائمة ربما وافقني الكثيرون عليها؛ لأنهم عاشوها، وربما كان لضغط الحياة ويومياتها دور في عدم استثمار تلك اللحظات والاستمتاع بها، وهنا أتذكر قولاً سمعته أو قرأته مؤداه ربما كرهت يوماً فدخلت في غيره فبكيت عليه وهذا يعكس جانباً من هذه الأشياء ولمرات عديدة وعند التقاط بعض الصور العائلية كانت زوجتي تلح علي أن أبتسم أثناء الصورة، فأمتنع عن ذلك بالقول: “إنّني لا أريد اصطناع الضحكة” علماً أنني أعيش حالة من الفرح والسعادة بوجود العائلة واجتماعها في مناسبة معينة، الآن وبعد أن توزعت العائلة بحكم الزواج بتّ ألوم نفسي على عدم ابتسامتي في بعض تلك الصور وأتمنى لو تعود المناسبة لأرسم أوسع الابتسامات حينها فالصورة التي كانت مناسبة فرح في اجتماع العائلة أصبحت اليوم تثير شعوراً فيه حسرة ورغبة في أن تعود مرة أخرى وهذا لا شك أمر ممكن في ظل وجود شكل من أشكال العلاقات في مجتمعنا الأسري المتماسك والمترابط ولعل تفرق العائلة بحكم طبيعة الحياة وحقائقها لا يخفي حقيقة ما أنجزته التكنولوجيا الحديثة من وسائل اتصال وتواصل مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة حيث تتيح للإنسان يومياً الاتصال بعائلته وأفراد أسرته، حتى لو كانوا في بلدان وأماكن بعيدة فها هو كرم ووالدته والبرتقالة ووالدها يطلان صباح مساء على شاشة صغيرة تقرب المسافات وها هي العصفورة تغرد كلّ يوم فتملأ فضاء البيت حباً وفرحاً وأملاً بتجدد اللقاء.

– حمى الله الأسرة السورية وأسبغ عليها الفرح والسعادة والهناء وأعاد لسورية بهاءها وجمالها وسحرها واجتماعها في الأرض التي باركتها السماء.

 

– بقلم : الدكتور خلف المفتاح – المدير العام لمؤسسة القدس الدولية (سورية)