#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– يدور نقاش في كل عام عن جواز مبدأ الإحتفال بالمولد النبوي الشريف من أساسه، حيث يرى البعض أن الأمر بدعة، ولذلك يقوم اتباع الفكرة هذه بالنهي عن إحياء الذكرى وأحياناً مجابهة من لا يوافقون فكرهم، والقسم الأكبر من المسلمين يرون جواز الإحتفال بالذكرى لأن في الأمر ابتهاج وإظهار سرور وشكر لله سبحانه الذي أنعم على الإنسانية بهذا المولود المبارك الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وهداهم من الجاهلية إلى الصراط المستقيم، وهؤلاء المسلمين يبذلون الجهد والمال في أكثر الأقطار من أجل إحياء هذه المناسبة بأفضل صورة،، ويكتب الأدباء أبدع الكلمات، وينظم الشعراء أجمل القصائد، في بيان منزلة خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد الصادق الأمين صلى الله عليه وآله .
– ثم يأتي الكلام بعد ذلك عن تاريخ الولادة الميمونة هذه، فالبعض من المسلمين يرى يوم الـ ١٢ من شهر ربيع الأول هو يوم المولد والبعض يرى ذلك في يوم ١٧ من الشهر نفسه، لكن ليست العبرة في هذا التاريخ أو ذلك، لأن المطلوب هو التذكير بالنعمة الإلهية بأن خلق هذا الإنسان الذي كان نوراً يسبح الله سبحانه ويقدسه منذ أن خلق الله العرش وقبل خلق الملائكة والسماوات والأرض، ثم وضعه الله في صلب آدم أبي البشر حين خلقه، وانتقل من الأصلاب والأرحام المطهرة نسلاً بعد نسل حتى كان موعد تحقق منّة الله سبحانه على العالمين في مرحلة ختم النبوة وعصر غلق باب الرسالة فكان مجيئه إلى الدنيا في أشرف مكان ومن الصلب الطاهر لعبد الله بن عبد المطلب والرحم المطهر للسيدة آمنة بنت وهب، ثم ” قرن الله به منذ أن كان فطيماً أفضل ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم،ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره “، وكانت تربيته في كنف جده عبد المطلب ومن بعده عمه أبي طالب حتى كان عند أهل مكة كلهم هو الصادق الذي يذعن الجميع بحقانية كلامه والأمين الذي تودع عنده الأمانات بلا خوف من التلف والضياع.
– بقي محمد صلى الله عليه وآله مفخرة أهل مكة كلهم طوال أربعين عاماً إلى أن كلفه الله سبحانه بالقيام بواجب الهداية وأرسله لمنع الإنسان من الركوع أمام حجارة وخشب نحتهما الإنسان بيده ليتخذهما بعد ذلك إلهاً يعبدهما ويلوذ بهما طالباً قضاء حوائجه؛ وهنا كان الصدام بين الموروث المتخلف الذي استبدل قطعاً من حجارة أو خشب أو طين برب العالمين وخالق الكون كله وبين من يريد أن يكون الإنسان أقرب الخلق إلى بارئه وأن يعود كما كان منذ أن سجد الملائكة كلهم لأبيه آدم عليه السلام وعلمه الله الأسماء كلها ما عجز أفضل الملائكة عن دركها، وأن يكون بالفعل ذلك المخلوق الذي قال الله مفتخراً: { ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) والذي تباهى أمام الملائكة بما صنعه بيده ونفخ فيه من روحه بقوله: ( تبارك الله أحسن الخالقين } .
– ومنذ اللحظة الأولى من إظهار الدعوة المحمدية التوحيدية كانت الحرب الشعواء من طرف عشاق الأصنام والمتشبثين بأعراف الجاهلية والمستفيدين من الجهل السائد في عامة المواطنين ما يجعلهم سيّقة للمستثمرين والمستغلين؛ فقيل عنه مرة أنه كذاب، ومرة أخرى اتُّهم بالجنون، وتارة قالوا عنه أنه ساحر، لكنهم في وقت آخر قالوا أنه مسحور، وفي نهاية الأمر عملوا على ” الدقّ ” على الوتر القومي فقالوا: ( إنما يعلمه بشر ) لا ينتمي إلى العربية وأن القرآن الذي يتلوه محمد العربي على مسامعهم هو من إملاء سلمان الفا رسي، فكان الجواب: ( لسان الذي يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين ) ، وذلك لعل استغلال التعصب القومي هذا يمنع من الإقتناع بالفكر الإنساني والإيمان بالعقيدة الربانية.
– وكان القرار بعد فشل كل الدعايات والإشاعات أن يهاجَم محمد صلى عليه وآله في ظلمة الليل ويقتل غيلة بمشاركة رجال من مختلف القبائل كي يعجز بنو هاشم من المطالبة بالثأز لدمه ومن ثم الرضا بالمال بدلاً عن الرسول فتكون العقبة قد زالت والدعوة إلى التوحيد قد ماتت وعبادة الأصنام قد صمدت ومصالح قوى الإستثمار والإستغلال قد ضُمنت.
– لكن الله قد كان لهم بالمرصاد حيث أمر رسوله بالهجرة إلى ” يثرب ” وأوحى إلى أهلها أن يناصروا النبي ومن سبقوه ومن يلحقوه فكانت الهجرة هي اللبنة الأولى في بناء الدولة الإسلامية القائمة على الإستناد إلى وحي السماء ثم الإصغاء والإعتماد على مشورة عامة المسلمين والعمل على نشر العدل بين الناس والحث على مكارم الأخلاق في صفوف الأمة، أما المشركون فإتهم لم يَدَعوا الرسول صلى الله عليه وآله وشأنه، بل دبروا له المكائد لاغتياله بالقتل والسم مرات وأرسلوا إليه جحافل الجنود ليقاتلوه ثم يهزموا المسيرة الإلهية، لكن قلة عدد المسلمين جبره الله بالملاّئكة المردفين ودبّ الرعب في نفوس المشركين فكان النصر للرسول ومن معه والهزيمة النكراء لأعدائهم من المشركين والكفار.
– إن المعركة رغم انتصار المسلمين لم تتوقف منذ أكثر من ١٤ قرناً، والصراع بين الحق والباطل مستمر حتى يومنا هذا، والمكائد ضد المسيرة التوحيدية تتغير أشكالها مع الهدف الثابت لقوى الإستثمار والإستحمار والإستعباد، والمحاولات تتوالى دون توقف لحرف المسلمين عن عقيدتهم كما أخبرنا الله سبحانه بذلك بقوله: ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا )، والدعوى الخادعة هي الإنصهار في مسيرة الضالين والتوحد مع المستغلين كما وصف الله تعالى: { ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } .
– إن مواصلة إحياء ذكرى ولادة الرسول الأكرم محمد صلى عليه وآله في كل عام كما إحياء غيره من الشعائر الإسلامية تجعل الأمة متصلة بصاحب الحدث سواء بالأفراح أو بالأحزان، وتفسح المجال في كل مناسبة أن تسلط الأضواء على مناقب وخصائص صاحب الذكرى، حيث في ذكرى مولد رسول الرحمة صلى الله عليه وآله مثلاً يعرف المسلمون جيلاً بعد جيل فضائل خير الخلق وأشرف البرية ومحاسن أخلاقه، ويتجلى في أذهانهم كل سنة مرة على الأقل صورة الرجل الذي كان طبيباً دوّاراً بطبّه على المرضى، ومحرراً للعبيد الأسارى المصفّدين، وهادياً حريصاً على هداية الضالين، ومعلماً يريد إزاحة ظلمة الجهل وإنارة القلوب دون أن يسأل أجراً إلاّ من رب العالمين، والذي تحمل في سبيل ذلك أشد أنواع الأذى وأصعب صنوف الإهانات سواء من الأقربين أو الأبعدين ، لكنه لم يأبه بكل ذلك مستمراً في مسيرته ومثابراً على نهجه ومداوماً على هداية الضالين إلى الصراط المستقيم ومبلّغاً رسالة ربه كما يجب ومؤدياً الوديعة لعترته حتى مضى إلى ربه ليسكن أعلى عليين ويبلغ المقام المحمود عند الله ويجزيه على ما بذل من جهد وما صبر على الأذى الشفاعة في يوم الدين ويوم { تذهل كل مُرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } صدق الله العلي العظيم.
– السيد صادق الموسوي