#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– من بين أعمال الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي “القليلة” التي تعجز أمامها تماما انتقادات الخصوم، “النهر الصناعي العظيم”، ولذلك هو أفضل مرآة تعكس صورته بعد رحيله واختفاء نظامه.
وصف القذافي “النهر الصناعي العظيم” بأنه “الأعجوبة الثامنة” في العالم، ويوصف هذا المشروع بالفعل بأنه أكبر مشروع هندسي من نوعه، وهو عبارة عن شبكة ضخمة تحت الأرض من الأنابيب التي تنقل من أعماق الصحراء 6.5 مليون متر مكعب من مياه الشرب يوميا إلى المناطق السكنية وخاصة المدن على طول الساحل الليبي.
وفيما يصر خصوم القذافي وكارهوه على أن محصلة فترة حكمه كلها التي استمرت 42 عاما تعادل الصفر، يرى أنصاره في المقابل تاريخه بأكمله صفحات ناصعة متوالية، إلا أن “النهر الصناعي العظيم” يبقى النقطة الوسيطة “الوضاءة” بين هذين الموقفين المتطرفين لأسباب عديدة أهمها أن البلاد تشرب وتغتسل بمياهه .
وحين يتعطل كما حدث حين تعرض لعمليات تخريب بعد غيابه وانهيار نظامه، تتوقف الحياة أو على الأقل تصبح مزعجة بشكل لا يطاق!
القذافي تميز بطريقة تفكير غير تقليدية، وبجرأة تصل إلى حد التهور في القول والعمل بما في ذلك في مواجهة دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ناهيك عن النظام “الجماهيري” و”الثورة المستمرة” و”اللجان الثورية” والخطب الحماسية اللاهبة والقتال في أوغندا وفي تشاد ومساندة حرمات التحرر، و”أعداء الإمبريالية” في جميع انحاء العالم، كل ذلك دفع أكثر خصومه كرها له إلى توجيه النقد حتى للنهر الصناعي بما في ذلك التقليل من أهمية دوره باعتباره صاحب القرار في تنفيذه بالقول إن محزونات المياه الضخمة اكتشفت في عام 1953، وأن فكرة بناء منظومة ري في المنطقة ظهرت في ستينيات القرن الماضي!
هكذا حاول البعض حرمان القذافي حتى من “النهر الصناعي” وخاصة بعد أن سقطت أغلب الانتقادات الأخرى التي شككت في جدواه وفي استدامته وما شابه.
بالمقابل، منحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” في عام 1999 النهر الصناعي جائزة المياه التي تمنح عادة لأهم الإنجازات البحثية عن استخدام المياه في المناطق القاحلة.
علاوة على ذلك، اعترف كتاب غينيس للأرقام القياسية بـ”النهر الصناعي العظيم” في عام 2008، باعتباره أكبر مشروع ري في العالم.
أصر القذافي على مشروع النهر وانصب كامل اهتمامه به منذ مطلع الثمانينيات، وبدأت لاحقا مياه 4 أحواض جوفية عملاقة كانت اكتشفت في عام 1960 في صحراء ليبيا الكبرى، تنساب في منظومة من أنابيب يبلغ قطر الواحدة 4 أمتار فيما بلغ عددها 530 ألف أنبوب، في “نهر صناعي” يبلغ طوله حوالي 4 آلاف كيلو متر مدعوم بمنظومات ضخ، أوصلت مياهه إلى منازل العاصمة طرابلس في عام 1996!
ثلاثة مراحل لنهر القذافي الصناعي اكتملت قبل 2011، العام الذي سقط فيه نظام القذافي، فيما كان من المقرر أن يتم بناء مرحلتين أخريين على مدى عشرين عاما.
القذافي كان يحلم بأن تمتد أنابيب النهر الصناعي إلى مصر وأن تصل السودان وأن تمتد أبعد إلى بحيرة تشاد مكونة “نهرا صناعيا عملاقا”، يمكن من خلاله إقامة “ثورة خضراء” تحيل الصحراء الكبرى إلى “جنة”!
القذافي وصفه أنصاره بأنه مهندس النهر الصناعي العظيم، وهو بدوره استعمل هذا الإنجاز حتى ضد خصمته “الإمبريالية الأمريكية”، إذ حذر مواطنيه في مناسبة من أن تهديد الولايات المتحدة سيتضاعف بعد إنجاز “النهر الصناعي العظيم”، كما رأى في مناسبة أخرى أن منظومة مياه النهر الصناعي ستكون “أخطر رد فعل على أمريكا”، وهكذا لم تخف حتى المياه القادمة من جوف الصحراء ملامح القذافي المنفعلة وهو يتحدث عن “الميريكان” كما كان يحلو له تسميتهم.