#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– عندما يتداخل تراب الوطن مع ألوان الرسم، تخرج لوحات الفنان أدهم اسماعيل لتحاور عيون المارة وتنثر صور الناس البسطاء، فهم البلد وأهل البلد.
– بدأت حياة إسماعيل في لواء اسكندرون عام 1923، وهناك تعلم الفنان حب الطبيعة وعرف معنى صعوبة الانسلاخ عن تراب الوطن, حيث تبعية العرب للحكومة التركية في اللواء… درس مرحلته الابتدائية في مدرسة /أنموذج العفان/ وهي المدرسة العربية الوحيدة في اللواء وقد بناها المواطنون بأموالهم الخاصة، وفيها نال إسماعيل أول معارفه وظهر نبوغه وحسه الفني مع الوطني .
– انتسب في سن مبكرة إلى عصبة العمل القومي في اللواء ، كما كان عضواً في فرقة الكشافة التي أُنيطت بها مهمة الحفاظ على اللغة العربية. لكنه وبسبب الظروف الصعبة اضطر للهجرة طلبا لإكمال العلم فغادر اللواء مع خمسين طالباً متجهين إلى حلب ومنها إلى حماه التي غادرها في عمر السادسة عشرة متجهاً إلى العاصمة دمشق التي بقي فيها إلى وفاته عام1963.
– في هذه المرحلة تعرف أدهم إلى الشاعر سليمان العيسى ليصبحا صديقين في النضال من خلال الرسم والشعر والأدب، وخلال فترة قصيرة بدأ أدهم يفرض نفسه في الوسط الفني والثقافي، وشارك في أول معرض مشترك مع الجمعية العربية للفنون في معهد الحرية في دمشق عام /1942/ وكان المعرض يضم أعمال الفنانين المعاصرين له ومنهم: سعيد تحسين، محمود جلال، نصير شورى، محمود حماد وألفرد بخاش وكان أسلوبه في الرسم يميل نحو الرمزية والحداثة في ذلك الوقت، بعدها انتقل إلى حلب حيث عين مدرساً في ثانوية سيف الدولة وفي حلب اجتمع بالمفكر العربي السوري زكي الأرسوزي وتتلمذ على يديه، وتعرف فيها إلى الفنانين فاتح المدرس وغالب سالم وجمعتهم صداقة فنية وفكرية ونضالية عربية الهوية.
– دخل معترك العمل السياسي الذي غلب على حبه للفن في بادئ الأمر لذا قرر إسماعيل أن يدرس الحقوق، والتحق بكلية الحقوق سنة 1945 لكنه أدرك عدم صواب هذا الرأي، فتوقف عن الدراسة بعد عامين من التحاقه وقرر الاهتمام فقط بالرسم. ليذهب إلى كلية الفنون الجميلة في روما عام 1952 بعد تلقيه منحة من الحكومة الإيطالية لدراسة الفنون و الزخرفة وتخرج في الأكاديمية عام 1956 متخصصا في فن الميدالية والفريسك في معاهد إيطالية خاصة .
– بعد إنهاء دراسته عاد إلى سورية ومارس تدريس مادة الفنون في محافظة درعا، وعاش فيها مع الناس البسطاء كواحد منهم ورسم آلامهم وآمالهم ، لتخرج منهم أهم اعماله كلوحة عمال الحفر والعامل ونساء من حوران التي نال عليها جائزة امتياز .. في فترة الوحدة بين سورية ومصر عين مستشاراً فنياً في وزارة الثقافة المركزية في القاهرة وبقي فيها حتى تاريخ الانفصال الذي صدمه بعدما عاش هاجس الوحدة والتحرر, بدءا من سلخ لواء اسكندرون إلى نكبة فلسطين إلى العدوان الثلاثي على مصر والثورة الجزائرية، فاتجهت مسيرته الفنية بعدها إلى مرحلة جديدة من حياته تناول فيها الموضوعات الذاتية والفلسفية .
– ومن يقرأ تسلسل تاريخ لوحاته وعناوينها يدرك هذا, فقد صور نكبة فلسطين وعرضها عام 1950 بعنوان أسرة مشردة في الشارع ، ثم رسم لوحته الشهيرة الفارس العربي عام 1953، وفي مرحلته الأخيرة بدأ ينتهج اللوحة التراثية التي تستمد عناصرها من جمالية الحرف العربي والكتابة العربية ليكتشف الأرابيسك من جديد وليفسح المجال لاستخدامه بشكل جديد ضمن تجربة نراها محوراً رئيساً لأعماله الفنية بأجمعها .
– فقد استطاع أدهم إسماعيل تحقيق نقله فنية جديدة تميزت بالربط ما بين حركة الخط وحركة الزخارف وحركة الأشياء والمعنى التعبيري للون ضمن اللوحة الواحدة… ومن أهم روائعه كما يرى النقاد لوحة «الفارس العربي» التي عرضت أول مرة عام 1957 «معرض الجمعية السورية للفنون في دمشق» والتي قيل فيها: إن لوحة الفارس العربي لأدهم إسماعيل الرائد الأول للمدرسة القومية العربية في فننا الحديث، تشكل مثالاً كاملاً لهذه المدرسة، فالأبعاد فيها تجتمع كلها في بعد واحد أقرب إلى السطح وهو تقليد قديم من التراث العربي الإسلامي، وأخذت الألوان شخصيتها المعبرة المشعة بفكرتها كل على حدة وتحولت إلى «أرابيسك» يعبر عن طيف واعٍ آخر.