لماذا نخاف من مواجهة الاستبداد ..؟ .. بقلم : باسم حسين الزيدي

#وكالة إيران اليوم الإخبارية

 

 

– الاستبداد من أسوأ الامراض الاجتماعية التي يمكن ان تواجهها في حياتك، فالمستبدون ليسوا ببعيدين عنك، انت، مديرك، الزوج، الزوجة، الأخ، القريب، الجار، الصديق…الخ، كلهم يمكن ان يبدعوا في دور المستبد وممارسة سلطته الغاشمة وليس (الحاكم/ الملك/ الرئيس) وحدة صاحب الامتياز المطلق في هذا اللقب.

بالعودة الى جذور الاستبداد اللغوية يعرف معجم لسان العرب “الاستبداد”: “استبد بفلان، أي انفرد به دون غيره”، اما المعجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة فيعرف كلمة “استبد”: “حكم بأمره، تصرف بصورة مطلقة، غير قابل الاعتراض”، كما يعرف نفس المعجم كلمة “استبداد”: “تعسف، تسلط، تحكم”، ويورد المعجم المعنى الثاني: “ظلم، فرض الإرادة من دون مبرر”.

وقد سحبت هذه المفردة الى عالم السياسية لاحقاً لتشير الى فرد او كيان واحد بسلطة مطلقة كما في التعريف الغربي لكلمة المستبد (despot) المشتقة من الكلمة اليونانية (ديسبوتيس) التي تعني رب الاسرة، او سيد المنزل، ثم خرجت من هذا النطاق الاسري الى عالم السياسية لكي تطلق على نمط من أنماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه مماثلة لسلطة الاب على أبنائه في الاسرة.

ان من أسوأ مخاوف الانسان هو المواجهة التي ستحصل، اليوم او في الغد القريب، بينه وبين المستبد، كما في العنوان، الذي بدوره ينسحب على أحد امرين:

1. اما المستبد الذي يفرض ظلمه وتسلطه عليك.

2. او المستبد الذي بين جنبيك ويمارس سلطته الغاشمة على الاخرين.

كلاهما مستبد، وكلاهما لا يمكن هزيمته بالخوف والتردد والبحث عن الاعذار او النفاق والتملق او الانسحاب والاعتزال، فالمهزومون من الداخل لا يصنعون المجد والتاريخ.

والاستبداد اشبه بما يكون كنوع من العقوبة اتجاه “الخاملين” في مواجهة سيل الاستبداد، كما يصفهم المفكر الإسلامي “عبد الرحمن الكواكبي” في كتابه المعروف (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) حتى يعودوا الى حقيقتهم الحرة وفطرتهم السليمة ويغيروا واقعهم (الداخلي او الخارجي): “الاستبداد اعظم بلاء يتعجل الله به الانتقام من عباده الخاملين ولا يرفعه عنهم حتى يتوبوا توبة الانفة، نعم، الاستبداد اعظم بلاء لأنه وباء دائم الفتن، وجدب مستمر بتعطيل الاعمال، وحريق متواصل بالسلب والغصب، وسيل جارف للعمران، وخوف يقطع القلوب، وظلام يعمي الابصار، وألم لا يفتر وصائل لا يرحم، وقصة سوء لا تنتهي”.

لقد جاءت جميع الأديان السماوية، وبالأخص الإسلام، لتعرف الانسان بقيمته وجوهره وحقيقة وجودة وما هي رسالته في هذه الدنيا، والاهم كيف يواجه الاستبداد ويتخلص منه، ولكي يصل الى هذه المعرفة في طريق التكامل الروحي والمادي، كان لا بد من تهيئة الانسان بالوعي وتربية الامة وتحصينها امام الاستبداد وممارسته، فهو المعرقل الأساس في وصول الفرد والأمة الى التكامل المنشود، ويشير المرجع الراحل الامام محمد الشيرازي الى هذا الامر بالقول: “من أهم طرق زوال المستبد، هو تربية الأمة وتوعيتها، ودعوتها إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحينها تصبح مرصاداً ترصد تحركات المستبد، بدل أن تكون مصفقه له”.

مواجهة الاستبداد من دون الخوف من عواقب هذه المواجهة الحتمية تحتاج، إضافة الى ما تقدم، عدد من الثوابت التي يجب ان يتحلى بها الفرد منها:

1. المبادئ التي يؤمن بها الانسان والثبات عليها مهما كانت هذه المواجهة صعبة وقاسية، فالإنسان رهين بما يؤمن خيراً كان او شر، وعواقب الأمور تعتمد على مبادئه.

2. الايمان بحريته وحرية الاخرين، وانه ليس عبداً لاستبداده او اتسلط الاخرين عليه، وان الله (عز وجل) خلق الانسان حراً في الفكر والعمل ولم يجعله اسيراً ومسيراً من قبل الاخرين.

3. معرفة ان (المسؤولية/ المسؤول) لا تعني بالمطلق التسلط والطغيان وظلم الاخرين، وممارسة السلطة الممنوحة له بطريقة تعسفية بهدف التحكم بالرعية، بل هي تكليف بخدمة عامة هدفها العمل على خدمة الاخرين وحفظ كرامتهم وبذل الجهد بإخلاص وتفان، وهذا يشمل كل أنواع المسؤولية من الاسرة وصولاً الى اعلى المسؤوليات.

4. عدم الخوف من المواجهة او التردد فيها، سواء اكانت المواجهة مع النفس او الاخرين، الفرق يبقى في أسلوب المواجهة الذي يختلف من شخص لأخر، لكن يبقى أسلوب اللاعنف هو الخيار الأفضل في مواجهة الاستبداد، وهو الأسلوب الذي اعتمده الأنبياء والمصلحين على مر التاريخ، أسلوب يدعوا الى خيار الحكمة والموعظة والدعوة للأخلاق والسلام ونبذ العنف.

5. المعرفة والتعلم لان الاستبداد يعتمد في قوته وسيطرته على سياسية التجهيل الممنهجة للفرد او المجتمع، وينحسر الاستبداد وسلطته على الاخرين مع وجود المعرفة والعلم.

الخلاصة ان الاستبداد يعني الفردية والانانية وتفضيل المصلحة الشخصية والتعامل مع الآخرين بروح الأنا، وهذا المنطق يؤدي الى عملية تدمير ذاتي لإنسانية الانسان، فضلاً عن تدمير القيم والأخلاق والاواصر داخل المجتمع، وبالتالي خلق مجتمع مشوه وإنسانية خالية من الروح وتحويل الفرد الى مجرد أداة بيد المستبد مسلوب الإرادة وخاضع لآلة الاستبداد يدور معها حيث دارت.

والاستبداد أمر مرفوض ولا يمكن القبول او السكوت عنه، مهما كان بسيطاً، فهو آفة يمكن ان تتضخم في نفس المستبد لتصل الى مديات خطيرة، كما انها لا تدمر صاحبها فحسب، بل ينتقل تأثيرها السلبي الى الاخرين، لذلك الخوف من المواجهة لن يحل المشكلة وانما سيعقدها وسيكون ثمن عدم المواجهة أكبر بكثير من ثمن التغلب على المخاوف والانتصار في المواجهة.

– باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث :