الإمام الشيرازي .. مسيرة حافلة بالعطاء والتقدم .. بقلم : باسم حسين الزيدي ” باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث “

#وكالة إيران اليوم الإخبارية

 

 

– في كل عام يتجدد اللقاء بالمرجع الراحل الإمام المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي ، في ذكرى رحيله ، الامام الذي ملك القلوب وأثر في النفوس وساهم في كل أبواب البر والخير، العالم الجليل الذي لم يبخل على الإنسانية في عطاؤه الفكري ومنهجه الإصلاحي حتى تحولت أفكاره وسيرة حياته الى مدرسة قائمة بذاتها علمت الإنسانية واجيالها المتعاقبة معنى التسامح والعطاء والسلام واللاعنف والإصلاح والعلم.

ما يميز الامام الشيرازي هو التوسع في طرق جميع الأبواب العلمية والإنسانية والثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها، فلم يكن بمعزل عن هموم الناس واحتياجاتهم اليومية، بل كان جزءً منهم ومن همومهم ومعاناتهم، لذا كان كل ما يصدر منه يقع في القلب والفكر، لهذا تفاعلت معه طبقات ومجتمعات كثيرة في العراق، حيث موطنه ومسقط رأسه، وفي دول الخليج وآسيا واوربا وافريقيا، وقد مثل صوتهم الناطق بالحق امام استبداد السلطات الحاكمة والأفكار المنحرفة وانعدام العدالة الاجتماعية والعنف غير المبرر والاستغلال والتهميش.

بالتأكيد لا يمكن ان تحصي هذه السطور المعدودة ما قام به الامام الشيرازي خلال مسيرته الحافلة بالعطاء منذ نعومة اظفاره حتى اواخر أيام عمره الشريف، لكن يمكن على سبيل المثال لا الحصر ان ندرج بعض أبرز المحطات التي أسس لها خلال حياته وما زالت قائمة بعطائها:

اولاً : المؤسسات: اهتم الامام الشيرازي بإنشاء المؤسسات ذات الطابع الإنساني (الخيري) والديني (العلمي) والثقافي والاجتماعي والشبابي وغيرها من اجل تنظيم حياه الانسان وتعزيز الاواصر الاجتماعية وتعزيز ثقافة الفرد : “فأسس عشرات المساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات ودور النشر وصناديق الإقراض الخيري والمستوصفات، كما وقد أسس وكلاؤه ومقلدوه وأنصاره، بتشويقه وتخطيطه ورعايته، كثيراً من المشاريع الإسلامية والإنسانية في كثير من بقاع العالم كان منها مصر والسودان وإنكلترا وكندا وأمريكا والهند والباكستان وأستراليا ودول الخليج وإيران والعراق وغيرها، وقد أولى الإمام الشيرازي الراحل الحوزات العلمية اهتماماً بالغا، فأسس المدارس الدينية في إيران والعراق والكويت وسورية وغيرها، كما ساهم في بناء وتجديد عشرات المدارس الدينية، ودعم مختلف الحوزات العلمية”.

ثانيا : النظرية والتأليف والدرس: كان الامام الشيرازي لا ينقطع عن الكتابة، وقد ترك تركه ضخمه زادت عن (1500) كتاب تنوعت في مختلف العلوم (الدين، الفقه، السياسية، الجغرافية، التاريخ، الاجتماع، الاقتصاد، القران الكريم، اللغة العربية، الثقافة…الخ).

كما فند الامام الشيرازي بعض النظريات التي روج لها الغرب والحكومات المستبدة واظهر بطلان الكثير منها، في مقابل تأسيسه للكثير من النظريات العلمية في مختلف المجالات (الديني، اللاعنف، الثقافة، السياسة).

كما ” تخرجت على يديه أجيال متعاقبة من العلماء والفضلاء والزهاد والكتاب والخطباء وغيرهم، وتتلمذ على يديه طوال أكثر من نصف قرن الآلاف من الطلاب والفضلاء والعلماء والمجتهدين في الحوزات العلمية خاصة في حوزة كربلاء المقدسة وقم، وقد تخرج من مدرسته المئات من الكتاب والمؤلفين”.

ثالثاً : الفكر الحيوي: “تميز الإمام الشيرازي بفكره المعطاء، الغني، المختمر بالتجارب، والمفعم بالنضج والنظرة الواقعية إلى الأمور، والأصيل المستلهم من الكتاب الكريم والسنة المطهرة والذي يعالج شتى القضايا الحيوية ومشاكل العصر، فإنه يؤمن:

1. بضرورة تحكيم الأخوة الإسلامية.

2. إعادة الأمة الإسلامية الواحدة.

3. توفير الحريات الإسلامية.

4. يدعو إلى الحوار الحر والمؤتمرات والتعددية السياسية، وشورى المراجع واللاعنف.

وقد أسهب في الحديث عن هذه الأفكار بشتى أبعادها وحدودها والسبل التي تكفل تحققها في العديد من مؤلفاته، لذلك تميزت كتاباته بأنها تخاطب شتى مستويات المجتمع، فهناك الكتب المعدة خصيصاً للعلماء والمجتهدين، وهنالك الكتب الموجهة للشباب الجامعي، وهنالك ما كتب للجيل الناشئ”.

رابعاً : جهاده ونشاطه: تعرض الامام الشيرازي بفعل نشاطه وحيويته ومتابعته لكل صغيره وكبيرة من هموم ومعاناته الامة الإسلامية فضلاً عن المجتمع الإنساني بصورته الاوسع، الى العديد من المضايقات والمطاردة ومحاولات الاغتيال على يد الحكام المستبدين الذين حاولوا اسكات هذا الصوت الهادر بشتى الوسائل والطرق.

وقد تنقل السيد الشيرازي في سبيل الاستمرار بنشاطه وقول كلمة الحق بين العديد من الدول التي ترك فيها اثار واضحة دلت على بصمته العلمية والإنسانية والأخلاقية لمن تواصل معه او من تأثر بأفكاره وسيرته من بعده.

كما كان الشيرازي (رحمه الله) يحمل هموم الجميع بلا فرق، (اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)، ويشخص الأخطاء والايجابيات ويذكرها من خلال كتبه وخطبه ومحاضراته ولقاءاته، بل ويطرح الحلول اللازمة لأغلب المعضلات التي واجهت الامة الإسلامية والمجتمعات الإنسانية، وهي ما زالت موجودة بين طيات كتبه ومؤلفاته.

خامسا : التجديد والإصلاح: في مقال كتبه الشيخ عبد الله احمد اليوسف، قال فيه: “يعتبر الإمام الشيرازي واحداً من أبرز دعاة الإصلاح والتجديد في القرن العشرين، فقد كان مجدداً في الفقه، ومجدداً في الفكر والثقافة، ومجدداً في الحوزات العلمية، ومجدداً في المرجعية الدينية، وقد امتلك الإمام الشيرازي عقلية مبدعة ومبتكرة مكنته من الإبداع والتجديد والتطوير في مختلف حقول المعارف الدينية، وقد قام الإمام الشيرازي بالفعل بتأليف الكثير من الكتب التي تتناول القضايا المعاصرة، والمسائل المستجدة، كما أجاب في العديد من كتبه عن الكثير من الإشكاليات المطروحة عن الإسلام، وتمكن من عرض مبادئ الإسلام وقيمه ومثله للأجيال المعاصرة”.

واضاف : “في كل عصر يبرز من الفقهاء من يتميز بالنبوغ والعبقرية والذكاء الخارق مما يؤهلهم للتجديد في الفقه وأصوله، ومعالجة قضايا العصر بأسلوب استدلالي معمّق، وهذا ما يعطي للفقهاء القدرة على مواكبة قضايا العصر، واستحداث أبواب جديدة في الفقه للإجابة على تساؤلات العصر وإشكالياته، وقد كان الإمام الشيرازي من أبرز من لمع في هذا المجال في العقود الأخيرة من القرن العشرين، حيث تعتبر موسوعته الفقهية سيدة الموسوعات على الإطلاق، إذ لا توجد موسوعة فقهية، لحد الآن قد وصلت من حيث الحجم أو من حيث البحوث الجديدة أو التفريعات الكثيرة كما هو عليه الحال في موسوعة الإمام الشيرازي الفقهية”.