” العملاء يتفاخرون و الشرفاء يتقوقعون ” بقلم : السيد صادق الموسوي

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

 

– المذبحة التي وقعت في منطقتي الطيونه وعين الرمانة يوم الخميس الماضي أظهرت أموراً كثيرة يجب التنبيه إليها وكشف مخاطرها إن لم تتظافر الجهود لمواجهتها ولم يتكاتف المخلصون في لبنان للوقوف صفاً واحداً ضدها .

– أولاً : إن سرعة تحرك العناصر النخبة المنتمية إلى ” القوات اللبنانية ” وانتشارها في المنطقة واعتلائها أسطح المباني فيها حاملين البنادق الحديثة المجهزة بالنواظير المتطورة ومبادرتها إلى التصويب المباشر على رؤوس وصدور المتظاهرين العزّل إنما يدل على أن ” القوات اللبنانية “ لا تزال تملك مجموعات مسلحة مدرّبة تدريبات خاصة وهي جاهزة للتحرك بسرعة والدخول إلى ساحة المواجهة، وهذا يكذّب ادعاءات قيادتها بأنها تخلت بالكامل عن الخيار العسكري الميليشياوي الذي مارسته طوال سنوات الحرب الأهلية.

– ثم إن الإدعاء الكاذب الذي يوزع على  الإعلام بأن مطلقي النار هم أهالي المنطقة وقاموا بما قاموا دفاعاً عن النفس؛ فالسؤال هو من أين للأهالي المدنيين تلك الأسلحة الحديثة والنواظير المتطورة، أليس هذا الإدعاء هو دليل على تجهيز المناصرين المتواجدين في المنطقة أو المستجلبين من المناطق المدربين على التقنيص بالأسلحة الحديثة والتصويب الدقيق بالنواظير المتطورة ..؟

– ثم إن منطقة الطيونة وعين الرمانة وعموم المناطق اللبنانية اليوم لم تعد حكراً على سكان من طائفة واحدة ومن توجه سياسي واحد، بل إن الشيعي سكن عين الرمانة والماروني سكن في الشياح والغبيره والطيونه وتداخل الجميع متناسين منطق الحرب المجنونة ومنتهجين الوئام والمحبة ، وإن محاولة إعادة تصنيف المناطق وفرز السكان وإعطاء كل منطقة لوناً طائفياً وحزبياً أمر خطير يجب الوقوف في وجهه قبل أن تنتقل المواقف الكلامية إلى خطوات عملية، وكلنا نتذكر كيف تحول في فترة ما قبل نشوب الحرب الأهلية عام ١٩٧٥ الخلاف السياسي إلى نعرات مذهبية وطائفية ، فأدّت النعرات فيما بعد إلى احتقانات متبادلة ، ثم وقوع صدامات وحروب، ثم إلى مذابح وتهجير، واليوم أيضاً نشاهد بدايات المؤامرة نفسها من قادة الحرب أنفسهم، حيث بدؤا الحديث عن ” الدفاع عن عين الرمانة ” والتصدي لـ ” محاولة احتلال المنطقة المسيحية “ و ” ميني ٧ أيار المسيحي “ ؛ وعليه فلا بد من التحرك سريعاً لمواجهة أصحاب المنطق التقسيمي الخبيث والذين أطلّوا برؤوسهم مؤخراً ، حيث سمعنا تحرك ” حراس الأرز “ بعد غياب إسم هذه العصابة العنصرية منذ توقف الحرب اللبنانية ، إذ عقدت قياداتها عدة لقاءات علنية هنا وهناك ؛ وإذا تلكّأ الحريصون على السلم الأهلي في مجابهة هذه العصابات المجرمة فإنها ستوسع نشاطها وتبثّ سمومها في أوساط الشباب مدعومة من الكيان الصهيوني وحلفائه الجدد في المنطقة العربية ومن ورائهم الولايات المتحدة الأمريكية.

– ثانياً : إن إقدام أحد عناصر الجيش اللبناني بإطلاق النار على المتظاهرين وقتله له دلالة خطيرة جداً، وهي أن المؤسسة العسكرية التي من المفترض أن تكون خالية من الفكر الطائفي، وأن يكون عناصرها خاضعين لأوامر القيادة، والتي تعمل وفقاً للمصلحة الوطنية بعيداً عن العقلية الطائفية والحزبية، لكن هذا التصرف الأرعن وقتل متظاهر بدم بارد يدل على أن المؤسسة العسكرية بدورها قد تمُ اختراقها من العصابات المجرمة، وأن إعادة التأهيل لم تؤثر فيها، بل إن تلك العناصر تنتمي في الحقيقة إلى العصابات التي تشربت أفكارها العنصرية لكنها تلبس البدلة العسكرية في ظاهر الأمر، وإن وجود هذه العناصر داخل مؤسسة الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام ودوائر المخابرات يشكل خطراً كبيراً على سمعة المؤسسات وعلى السلم الأهلي، لأنها تأتمر بأوامر قيادات العصابات بدل القيادات العسكرية .

– هذا إن لم تكن بعض تلك القيادات بدورها تحمل بين جنباتها الأفكار العنصرية ، وإنها تبقى مرهونة لزعماء الطوائف والأحزاب والنافذين الذين بواسطتهم دخلوا في السلك العسكري، فهي تتلقى التعليمات والإرشادات من أولئك الزعماء والنافذين فيكون ” دود الخلّ منه وفيه ” ؛ وهذه الإزدواجية في الولاء لدى أصحاب القرار تشكل خطراً كبيراً على السيادة الوطنية.

– ثم إن وسائل الإعلام التابعة للعصابات العميلة ومن يدور في فلكها تعمل ليل نهار من أجل قلب الحقائق وضخّ الاكاذيب، وجعل القاتل ضحية، وتبرير الإجرام بحق المتظاهرين السلميين العزّل، بل وتحميلهم مسؤولية ما أصابهم، فيما يتصرف الأطراف التي دعت إلى التظاهرة بأسلوب ضعيف تحت عنوان ” الحرص على السلم الأهلي “ .

– لكن هذه المواقف المتراخية هي التي تجعل الأطراف العميلة للصهاينة وحلفائهم العرب يتحركون بحرية، ويُظهرون أحقادهم الدفينة بصورة علنية، ويتباهون بانضوائهم في المحور الصهيوني ـ الأمريكي، فيما يصبّون جام غضبهم على كل من يمتّ إلى محور مقاومة الإحتلال الصهيوني والإستكبار الأمريكي.

– إن اللغة التي يستعملها بعض القيادات في حزب الله تبدو في الظاهر نارية تتضمن التهديد والوعيد لكن مؤدياتها في نهاية الأمر تدلّ على الضعف والتراجع، حتى أننا نشعر بأنهم ضعفاء ومتوقعين أمام الهجمات الإعلامية للعصابات العميلة في وقت يجب أن يكون التصرف هو إفهام الأطراف المعادية بأن حائط ” الشرفاء “ ليس واطياً، وأن دماء خيرة الشباب المؤمنين ليست رخيصة، وأن هذه الدماء لا تباع بثمن كما حصل في مرات سابقة حيث طويت ملفات لضحايا أبرياء سقطوا برصاص الغدر والحقد في مقابل حفنة من المال دُفعت لأهاليهم مع ” لوح تقدير “ لتضحياتهم.

– إنني لا أريد فتح الجروح وكشف الحقائق لكني خائف من أن ملف الأبرياء الذين سقطوا في الطيونة وعين الرمانة برصاص الحقد يوم الخميس الماضي سيلحق ملفات عشرات آخرين سبقوهم ، إذ يتم وصف الضحايا بعبارات جميلة وكلمات جذابة أعطيت لمن قُتلوا من قبل ، وكثيرون يبتهجون بتلك الأوصاف ويرضى الأهالي بكلمات ” التقدير “ ويقنعون بما يُقدم إليهم من دراهم معدودة ؛ فيما التراخي والتقوقع يزيدان الجرأة في العصابات الإجرامية ، ووقاحة أزلام السفارة الأمريكية، ومرتزقة الأنظمة المطبّعة مع الكيان الصهيوني، وسنرى عن قريب ، وبسبب التقوقع في المواقع والضعف في المواقف جرائم أخرى يرتكبها عملاء آخرون بذرائع أخرى ، وشباب مؤمنون آخرون سيسقطون بنيران مرتزقة آخرون في منطقة أخرى من دون أن يحاف القتلة المجرمون ومن وراءهم من دفع الثمن حقيقة وليس الإكتفاء بالخطابات الرنانة.

– ثالثاً : إن الموقف المتأرجح والخجول للتيار العوني من المذبحة يدل على حقيقة الأزمة الداخلية التي يعيشها، حيث القاعدة الشعبية مشحونة بالفكر العنصري الذي غرسه ميشال عون في النفوس في بدايات حركته، وهو استطاع جمع الحشود حوله من خلال تلك الشعارات العنصرية المتطرفة طوال عشرات السنين، وهو إن أظهر بعض التقارب والتفاهم مع الطرف الإسلامي فإنه يقول لمحازبيه في الإجتماعات الخاصة بأن ذلك كلام فارغ نخدع به المسلمين والشيعة على وجه الخصوص ، وأن استراتيجيتنا هي استعادة الموقع الأول للطائفة المارونية وذلك من خلال اتخاذ سياسة ” فرّق تَسُد “ فيكون التقارب مع الشيعة اليوم لأجل قصّ أجنحة رئيس مجلس الوزراء الشريك لرئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية ، وهو قد حقق جزءاً كبيراً منه في الآونة الأخيرة إذ فرض رؤيته وأطاح بمن لا يرضاه وقبل بمن يخضع لرغباته ، وهو في نفس الوقت لا يخفي عداءه الشديد لرئيس مجلس النواب الذي هو مصدر الشرعية في النظام اللبناني .

– وهنا يجب التذكير بقول الله سبحانه في كتابه المجيد فاضحاً حقيقة المشاعر المكنونة : { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنما نحن مستهزئون } .

– صدق الله العلي العظيم :

– السيد صادق الموسوي :