#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– يعتبر الصراع العربي الصهيوني أحد المواضيع الهامة التي جرى فيها رواجاً كبيراً للمصطلحات في اللغة السياسية والإعلامية باعتبار أن المصطلح تكيف لموقف أو حالة, أو حدث, فيكفي المرء استخدام مصطلح “النكبة” على سبيل المثال ليخلق في ذهن المقابل تداعياً للأفكار والأخيلة والمشاعر والهواجس حول تهجير الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ووطنه, والمجازر التي ارتكبت بحقه, إضافة إلى سيل من المواضيع والصور التي تلقها عبر وسائل الإعلام, و وسائط الأفعلام المكتوبة أو المرئية, طبعاً هذا إذا كان المتحاوران ينتميان إلى ثقافة واحدة, أو هناك فهم مشترك لديهما حول ما يعنيه ذلك المصطلح .
– أما إذا كان المتحاوران ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين فإن جدلاً ربما يكون طويلاً سينشب بينهما, وربما دون أن يتوصلا إلى فائدة ترجى, ومن أجل تجنب هكذا جدل فإن الجهود تنصب على صنعِ المصطلحات السياسية وتسويقها, وجعلها مفردة واضحة تعكس رؤية ومواقف خاصة بمجرد تداولها .
– والهدف الحقيقي خلق تصنيع المصطلحات هو التأثير على الآخر وجعله يرى العالم بعيونك, وليس بعيونه, وهذا الأسلوب تتبعه وسائل الدعاية التي تستخدم شتى الأساليب للتاثير على المتلقي, لتشرع عملاً يقوم به طرف, وتنبذ ذات العمل عندما يقوم به طرف آخر, وفي هذا السياق يقول تشارلز يوست ممثل الولايات المتحدة الأسبق في الأمم المتحدة ” ماهو القصف الجوي؟… حينما قامِ النازيون بقصف وارسو, وروترداموكوفنتري أسميناه قصفاً إرهابياً, أما حينما نقوم بقصف شمالي فيتنام أو جنوبه فإننا نسميه رد فعل وقائياً, أو دفاعاً مشروعاً عن النفس, رغم أننا نقتل في قصفنا عدد أكبر من الناس” .
ويضيف يوست “أنه قدر كبير من النفاق بشأن موضوع الإرهاب فنحن “الأخبار” ندين الإرهاب حينما يقوم به الأشرار, أما حينما نقوم به نحن (الصالحون) ضد (الطالحين), أو عندما يقوم به أصدقاؤنا (الخيرون) عندئذ نسميه دفاعاً عن العالم الحر, أو شرفاً وطنياً, فالإرهاب هو ما يفعَله خصومنا” .
– والواضح من خلال متابعة السياسة الصهيونية أنها قد استثمرت المصطلح بشكل جيد في حربها الدعائية ضد العرب, فروجت لمصطلحات كثيرة منها: ” فلسطين أرض بلا شعب”, وفلسطين أرض الميعاد, ونحن اليهود شعب الله المختار, وقد كانت عمليات المقاومة والانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة التي هزت بقوة دولة الاحتلال الصهيوني وصناعها على مختلف الأصعدة, فرصة لوسائل الدعاية الصهيونية ومهندسيها من أجل خوض حرب المصطلحات بضراوة من أجل كسب ما أسماه رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الصهيوني الأسبق موشيه يعالون “معركة الوعي”, ومن أجل تحقيق هذا الهدف دفعت وسائل الدعاية تلك بمصطلحات تؤدي في مجملها إلى التضليل والتزيف, والخلط والتشويه, فاخترعت في البداية مصطلح “المشاكل بين الطرفين” للتعبير عن الانتفاضة والتصوير الأمر وكأنه (عنف) بين طرفين متحاربين متساويين في الإمكانيات والقدرات, دون الإشارة إلى احتلال باعتباره أساس الصراع, ومن أجل عدم تحديد المسؤول عن الدماء الفلسطينية, البريئة التي تسفك “اخترعوا عبارة “دائرة العنف في الشرق الأوسط” .
– تقول الدكتورة بثينة شعبان: ” إن هذا الوصف الذي يطال بأنها توسعت أو تراجعت, أو تصاعدت حدة العنف فيها يتم تداوله دون الإشارة أبداً إلى حقوق شعب, أو إحباط مواطنين تحولهم حكومة الاحتلال الصهيوني كل يوم إلى لاجئين في ديارهم بعد أن تهدم بيوتهم وتقتل أفراد أسرتهم, وتحرق محاصلهم وتسد جميع سبل العيش الكريم في وجههم دون أن يظن أحد في العالم أن هذا اعتداء على حقوق الإنسان, أو خرق للحريات التي يدافعون عنها في أمكنية أخرى ولغاية في نفس يعقوب” .
– ولعل من أغرب المصطلحات التي صنعتها الدعاية الصهيونية هي تلك التي تتعلق باغتيال المناضلين الفلسطينيين, حيث استخدت مصطلحاً لكل مرحلة, ففي بداية الانتفاضة تم مصطلح (اغتيال) إلا أن حكومة الاحتلال الصهيونية تراجعت عن هذا المصطلح على اعتبار أن (فعل يغتال : ASisAlNATE ) .
– يستخدم لوصف قتل شخصية سياسية هامة مثل رابين ” وتم استخدام “القتل المستهدف “, وفيما بعد ظهوره مهندسو الدعاية الصهيونية الضيقة واخترعوا عبارة ” الدفاع الإيجابي ” , وذلك من أجل ما أسموه ” إحباط العمليات الإرهابية “.. ثم تطور ذلك المصطلح إلى التخلص ” من القنابل البشرية “, وقد تم تحت هذا العنوان اغتيال العشرات من الكوادر المقاومة بحجة أنهم كانوا في طريقهم لتنفيذ عمليات استشهادية ضد التجمعات العسكرية الصهيونية في المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة .
– وركزت الدعاية الصهيونية على وصف الانتفاضة الفلسطينية (بالإرهاب) وخاصة بعد تفجيرات 11 أيلول, ونعت العمليات الاستشهادية (بالعمليات الانتحارية), ووصفت الاستشهاديون (بالقتلة) او (المنتحرين), وهو أيضاً ما درج على التنويه إليه الرئيس الأميركي الأسبق جورش بوش الابن في خطابه المتكرر, وحتى يتم تسويق هذه المصطلحات, فقد ساهمت العديد من المؤسسات, والخهات في الكيان الصهيوني في اتدعاها, أو إعادة النظر فيها حسب التطورات, وهذه الجهات (وزارة الخارجية, وزارة الحرب الصهيونية, المكتب الصحافي لرئاسة الحكومة) وعلى سبيل المثال فقد شكل مكتب خاص مشترك لهذه منذ بداية الانتفاضة الثانية, يُعتبر في حالة استنفار قصوي في وقت الحملات, والهجمات الصهيونية, كما حدث بعد عدوان السور الواقي حيث كان هذا المكتب مؤولاً بشكل مباشر عن إنتاج وتسويق المصطلحات, وتقديم رؤية الكيان الصهيوني حول هذا العدوان .
– ودرجت أيضاً كل جهة على اتخاذ إجراءات بخصوص المصطلحات فقد أوصى وزير خارجية الكيان الصهيوني الأسبق سلفان شالوم موظفي وزارته بعدم استخدام تعبير(حق العودة) في مراسلات الوزارة الرسمية, لأن ذلك يزرع في ذهن العالم حقيقة هذا (الإدعاء), وبالتالي يفرض تجسيده على الأرض.. وهنا نعيد إلى الأذهان أنه في مطلع تموزعام 2001 أصدرت إحد الدوائر المختصة في جيش الاحتلال قائمة جديدة من المصطلحات التي تستجيب للمتغيرات, وطالبت الصحفيين والناطقين الإعلاميين والسياسيين, والعسكرين الإلتزام بها بدلاً لما كان مستخدماً, وعلى أساس هذه القائمة تحول مصطلح (إغلاق مناطق) إلى (منع دخول إسرائيل), وعمليات الانتقام والعقاب إلى (خطوات أمنية) و”تصفية مخربين” إلى”اعتقال مشبوهين”, وهذه القائمة ما تزال تتعرض للتوسع والتطوير من حكومات العدو, وربما يتوافق والانتفاضات من انتفاضة أطفال الحجارة حتى انتفاضة الشباب وعنوانها الطعن باسكاكين حيث اعتبر كل تلميذ يحمل سكيناً إرهابياً .
– ويقف على رأس المصطلحات, المصطلح الذي استخدمه الكيان الصهيوني, في بداية القرن الحادي والعشرين قراراً بوقف استخدام تعابير باللغة العربية مثل (هدنة) وترجمتها إلى العبرية, كما أوصى صحافيين بعدم تسمية حركات المقاومة باسمها بالعربية, واستخدام تعبير” المنظمات الإرهابية ” واطلاق توصيف “إرهابيين على المقاومين الفلسطينين” .
– واللافت للانتباه ليس فقط تأثير وسائل الإعلام الغربية بهذه المصطلحات, بل أيضاً رواج المصطلحات المصنعة في وسائل الدعاية الصهيونية في الكثير من وسائل الإعلام العربية, التي راحت تستخدمها كما هي دون تدقيق في خلفيتها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر, استخدام مصطلحات مثل: “عملية انتحارية” و”مقتل فلسطيني”, و” عملية إسرائلية “, وما إلى ذلك من مصطلحات, وما سبق من مصطلحات يعكس الرؤية الصهيونية الهادفة إلى تمثل الأخرين لكل ما يقال في تل أبيب لصبح هوالواقع والحقيقة, بينما الحقيقة والواقع يتحولان إلى زيف ووهم, وهذا الترديد للمصطلحات التي لا يخدم القضية الوطنية الفلسطينية, بل يصب في طاحونة السياسة الصهيونية, وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى مضمون كلمة السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية في مؤتمر القمة العربية التي انعقدت في العاصمة اللبنانية بيروت في نهاية شهر آذار من العام 2002 حين قال: “من ضمن حرب المصطلحات طرح مصطلح سمعناه اليوم في أحد الخطابات من قبل أحد الضيوف حول مصطلح ضرب المدنيين الأبرياء, ومع كل أسف طرح سابقاً, سقطنا في هذا الفخ عن حسن نَية وبدأنا نتجادل مسؤولين ومثقفين وصحفيين, هل هذا يجوز أو لا يجوز.. مصطلح ضرب المدنيين و الأبرياء هو مصطلح صحيح لكن ليس في هذه الحالة.. نحن الآن أمام حالة احتلال….”ويضيف:” ليست القضية قضية مدني أو عسكري, في كل الأحوال العسكري فيه شرف, أما المحتل فهو إنسان دون شرف, المحتل لا يوصف بالمدني, والعسكري المحتل يوصف بأنه مسلح أو غير مسلح, هذا بشكل عام, أما بشكل خاص في الحالة الصهيونية فالكل مسلح, المستوطنون مسلحون كالجيش الصهيوني المحتل, وهم ساهموا بقتل أبناء الشعب الفلسطيني, وساهموا بالتهجير, ساهموا في كل الأمور, حتى المستوطنات مبنية من الأساس على شكل نقاط استناد عسكرية للحرب, حياتهم بنيت على الحرب والقتل .. في ( إسرائيل) الكل مسلح, بكل الأحوال المصلح المعتمد بالنسبة لنا هو المقاومة وهو حق مشروع ضد الاحتلال .. فأي محتل هو محتل لا نقسم مسلحاً أو غير مسلح, فهو محتل والمقاومة هي حق مشروع ضد الاحتلال”. إن هذه الإشارة من رئيس عربي قومي مقاوم, هو الرئيس القائد بشار الأسد, الوحيد بين رؤساء العرب الذي نبه إلى مخاطر استخدام المصطلحات, يشير بوضوح إلى خطر تسلل لغة العدو ورؤيته إلى المواطن العربي سياسياً كان أن إعلامياً, أم موظفاً أو عاملاً لتستقر في عقله وتجري بسهولة ويسر على لسانه باعتبارها اللغة العصرية والمصطلحات الحضارية دون تمحيص أو تدقيق, أو تصحيح بما يعكس نجاح دعاية العدو, وتمكنه بالتالي من تزيف الواقع وتزوير التاريخ وسرقة الموروث الثقافي والحضاري من الهوية العربية .
– إن الإعلام العربي مدعو إلى عدم المشاركة في تنفيذ عمليات غسل الدماغ التي تهدف إليها أجهزة الدعاية الصهيونية, وذلك من خلال تحليها بروح المسؤولية في استخدام المصطلحات, وعدم ترويجها تحت مسوغات (الحيادية) و(الموضوعية) و(سقوط الأدلجة) .
– هذه المسوغات التي تستخدم غالباً من أجل تمرير سم الدعاية في دسم ادعاء الحياد والموضوعية, في حين أن وسائل الدعاية الصهيونية لا تتورع عن استخدام أحط الأوصاف وأسوأ المصطاحات في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية المقاومة, وأي موقف عربي أو إسلامي يتصدى لتعرية حقيقة الكيان الصهيوني .
– ويتوجب على وسائل الإعلام العربية التصدي للمصطلحات وتوضيحها للمتلقي حتى تسهم في التوعية والارتقاء بالمواطن العربي ليكون أكثر حصانة في مواجهة الأخطار التي تهدد هويته وثقافته وفيما يلي أهم المصطلحات التي تروجها وسائل الدعاية الصهيونية ومنها ما يتكرر أيضاً في بعض وسائل العلام العربية .
– اشتباكات –مصادرات – أعمال عنف – وهي تعبير خاطىء من فعاليات الانتفاضة أو الاعتداءات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني .
– عملية انتحارية : ويستخدم للحديث عن العمليات الاستشهادية .
– المطاردون الفلسطينيون, ويصور هذا المصطلح المناضلين والمقاومين باعتبارهم مجرمين ملاحقين.
– الخط الأخضر: وهو يعني حدود ما قبل الخامس من حزيران , ويحمل اعترافاً بواقع فرضه العدو الصهيوني.
– المناطق: وتعني الضفة الغربية وقطاع غزة .
– أورشليم القدس: وهو مصطلح صهيوني للحديث عن مدينة القدس التي هي عاصمة دولة فلسطين .
– المدن (الإسرائيلة) : وتعني المدن الفلسطينية المحتلة, أو المستعمرات الصهيونية .
– عرب (إسرائيل): وهو من أكثر المصطلحات إجحافاً بحق العرب الفلسطينيين الذين تشبثوا بأرض فلسطين عام 1948.
– إيلات : وتعني ميناء العقبة الفلسطيني المحتل .
– حائط المكي : وهو مصطلح يشير إلى مكان حائط البراق .
– حرب الأيام الستة : للإشارة إلى عدوان حزيران .
– مقتل فلسطيني: والصواب استشهاد فلسطيني .
– إن ما سلف هو جزء من المصطلحات التي تروجها وسائل الدعاية الصهيونية, ويلاحظ الفرق الكبير في الحقيقة إن الرد على هذه المصطلحات التي يزخر بها القاموس السياسي والإعلامي الصهيوني هو العمل الفلسطيني – العربي – الإسلامي لتشكيل هيئة تعني بإيجاد قاموس مضاد لقاموس الصهيوني ليتم استخدامه في وسائل الإعلام من جهة, ومن جهة أخرى إصدار لائحة سوداء تضم المصطلحات التي يروج لها مهندسو الدعاية الصهيونية لمنع استخدامها في وسائل الإعلام العربي .
– وهذه الخطوة ربما تكون الخطوة العملية ذات الفاعلية من أجل مواجهة ما يخطط له منهدسو الدعاية الصهيونية وخاصة منها المؤسسة الإعلامية في كيانه الغاصب .
– الكاتب والباحث الإعلامي د: فضيل حلمي عبدالله