#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية_بقلم : السيد صادق الموسوي
– قبل قرون زحف المستعمرون الأوروبيون من دول مختلفة وبتواطؤ مع بعض أهل الأرض واحتلوا بلاد المسلمين، وسرقوا ثرواتها ، وتقاسموا خيراتها ، وجزّؤوا أراضيها ، وبعد أن تسلطوا عقوداً بجيوشهم ارتأوا تسليم البلاد أشلاء متناثرة لعملائهم ، وتوزيعها قِطَعاً على أذنابهم، وأوكلوا إليهم حكم البلاد شريطة الحفاظ على مصالحهم.
– أنظروا إلى خارطة الدولة الإسلامية قبل احتلالها وتجزئتها وأيضاً إلى حال البلاد في عصرنا، فكل بلد يتوجس من الآخر، وكل حاكم يحيك المؤامرات على حاكم ، وكل جزء من الأمة يعادي أخاه ، تارة باسم القومية، وحيناً بسبب اختلاف المذهب، ومرات بذريعة حب الوطن والحفاظ على سيادته، لكن مصالح المستعمرين لا تُمسّ في جميع البلاد بأي حال ومن قبل إي حاكم سواء كان يسمّى ملكاً أو أميراً أو سلطاناً أو رئيساً مدى الحياة ، كلهم جاءوا أو سيأتون برضى الغرب، ويبقون أوفياء للأسياد، ومطيعين للتعليمات؛ وإذا تردد أحدهم يوماً في تنفيذ ” الأجندات “ المطلوبة حيكت فوراً ضده المؤامرات، وشُنّت عليه الحروب، وكان الغزو والإحتلال المباشر من جديد.
ومن جملة ما تمّ تقسيمه من بلاد المسلمين هو أرض فلسطين المقدسة، حيث وعد ” أرثر بلفور ” وزير خارجية المحتل البريطاني في رسالة إلى اللورد روتشيلد الصهيوني تسليم أرض يسكنها شعب ذو كيان إلى قوم مشتت في كافة الأصقاع ليبنوا عليها دولة طيّعة لهم بعد خروج جيشهم الغازي، فهم خرجوا من باب الإحتلال المباشر لكنهم دخلوا عن طريق تسليم البلد إلى شرذمة لا بقاء لها ولو ليوم واحد من دون مساندة في كافة المجالات من قبل المستعمرين، حيث تخصيص الأموال بالمليارات إقتصادياً، وتقديم أحدث أدوات القتل من الطائرات والدبابات والقذائف المحرمة دولياً عسكرياً، وإجبار دول العالم وبعض الدول في المنطقة على قبول هذا الواقع سياسياً، ودفع بعض من كانوا يتواصلون مع الصهاينة سرّاً ليعلنوا ذلك عبر التطبيع مع المحتل ديبلوماسياً ، والتعامل الفاضح مع الصهاينة كأصدقاء بل كحلفاء بعد أن اخترعوا لهذا البعض عدواً جديداً يهدد العروش، ويطيح بالأنظمة، ويعادي العرب، وانساق الحكام مع المؤامرة، وأنفقوا ثروات بلادهم كلها لشراء أنواع السلاح من دول الإستعمار، وتناغموا في إعلامهم مع إعلام العدو، وجيّشوا شعوبهم وأقلامهم، فصار المحتل لبلاد العرب حليفاً لحكام العرب، وأصبح جزار الشعب الفلسطيني صديقاً حميماً لباقي الأمة العربية، وصار مدنّس المسجد الأقصى يتجول مزهواً في باقي مساجد المسلمين دون حاجة إلى حراس ، ويتم بثّ نشيد الكيان الغاصب رسمياً في استقبال رموزه من دون خجل ، ويدخل قتلة الشعب العربي إلى مختلف بلاد العرب من حاجة للتأشيرة، ويتجولون في الأسواق متبخترين، لا يجرؤ أحد أن يُهينهم بكلمة أو يعبّر عن سخطه بعبارة، بل ترافق العَلَم الصهيوني مع أعلام بعض العرب في كثير من المحافل ، والتقط بعض العرب الصور التذكارية مع العَلَم الصهيوني بافتخار في القدس المحتلة ، وتحدث آخرون عن التحالف مع الصهاينة المجرمين باعتزاز، وقامت الأبواق الرسمية في عدد من الدول بترداد المصطلحات الصهيونية وتجاهل أسماء البلدات العربية، وبدأت بعض شركات الطيران العربية بالتسويق للسياحة في ” إسرائيل “ بدل فلسطين المغتصبة ، بل فُتحت الأسواق العربية بصورة علنية وبشكل فاضح أمام بضائع المستوطنات الصهيونية، وصارت أجواء معظم الدول العربية مفتوحة لأعداء الأمة لتجول الطائرات العسكرية والمدنية التابعة لهم ذهاباً وإياباً ومن دون حاجة إلى استّئذان أو ضرورة لطلب موافقة خاصة للعبور، بل تمت تلبية طلب المجرمين أعداء الله والمسلمين لحذف بعض آيات كتاب الله من المناهج الرسمية وأيضاً عدم تلاوة القراء في المحافل الحكومية لآيات تزعج خاطر الغاصبين .
– لكن وسائل الإعلام الرسمية تلك لا تهدأ لحظة عن النفخ في بوق الإختلافات بين الدول العربية، والعمل على توسيع شقة الخلاف بين أبناء الأمة الإسلامية، وإفساح المجال أمام قنوات الفتنة الفضائية بل وتمويلها لبثّ السموم ونشر الأكاذيب واستضافة من يصب الزيت على نار الشقاق دوماً، ويفتح جروح الامة في كل حلقة .
– ويسلط الأضواء على نقاط الخلاف، لتستعد النفوس الضعيفة والعقول الجاهلة فتتلقف أصحابها أجهزة الإستخبارات عناصر جاهزة فكرياً، فتدفعها لارتكاب المجازر تقرباً إلى الله تعالى، وتفجير أجسادها بين الحشود أملاً في الجلوس على مائدة رسول الله صلى الله عليه وآله، فيما المغتصب لأولى القبلتين يعيش في هدوء وأمان، والصهاينة المحتلون للمسجد الأقصى لا يخافون الإنتحاريين، ولا يندسّ في صفوفهم واحد من أولئك ” المجاهدين “، بل يَدَع أحياناً ابن القدس مدينته المحتلة من قبل الصهاينة ليفجر نفسه في العراق أو سوريا أو لبنان بين ” الشيعة ” و ” الروافض ” و ” المشركين ” و ” أتباع إيران “ تقرباً إلى رب العالمين .
– إن إعلان يوم القدس العالمي من قبل الإمام الخميني الراحل وبعد أيام من انتصار الثورة الإسلامية في إيران هو بمثابة تحديد إتجاه البوصلة لأبناء الأمة لكي يتجهوا دوماً نحو الأرض السليبة ، ويتذكروا دائماً فلسطين الحبيبة ، ولا يغفلوا لحظة عن الجزء الذي اقتطعه المستعمر الغازي من جسد المسلمين ليقدمه هدية مجانية لشُذّاذ الآفاق، كما قسم باقي الأجزاء حسب مزاجه بين الأتباع المخلصين والعملاء الموثوقين ، وترك بين الدول مناطق موضع نزاع لتكون القنبلة الموقوتة فيتم تحريكها وتفجيرها كلما تطلبت مصالح الأسياد، واقتضت سياسة المستعمرين.
إن إحياء يوم القدس على نطاق العالم ومن قبل عامة المسلمين يفشّل المؤامرات الصهيونية لتمزيق الأمة مذاهب وطوائف وأقوام وملل ، حيث يقف الشيعي إلى جانب السني، والعربي يمشي كتفاً بكتف مع الأعجمي، والأسود يسير جنباً إلى جنب الأبيض ، والأمة كلها تتحد في شعارها، وتتوحد في أهدافها .
– وتنسى كافة خلافاتها، متجهة في أنظارها إلى عدو واحد حقيقي لا أعداء عديدين مصطنعين، وتجدد العهد لفلسطين وشعب فلسطين بأنهم ليسوا في الجهاد وحيدين، وأن القضية ليست خاصة بهم وحدهم، بل هي واجب على كافة المسلمين حيثما كانوا، وفي كل عام بل على طول الأيام والشهور، ولكي لا تنسى الأجيال المتعاقبة قبح الجريمة التي ارتكبها الغزاة بحق أصحاب الأرض الحقيقيين، ولا يسكت المجتمع الإسلامي عما يصيب إخوتهم في العقيدة والدين من عسف وأذى ، ولا يتهاون العرب تجاه ما لحق ويلحق أشقاءهم وبني قومهم من ظلم وضيم، بل يجب على كل مؤمن برسالة خاتم النبيين أن يصدح بصوته في يوم من العام على الأقل في وجه الغاصبين، وعلى كل منتمٍ إلى العرب أن يصرخ بأعلى صوته في يوم من السنة على الأقل دفاعاً عن بني قومه ومن يسري في عروقهم دم واحد .
– صحيح أن تفشي فيروس كورونا هذا العام قد حدّ من التواصل ومنع الإجتماعات وفرض إجراءات لا تسمح لنا بالتحرك متظاهرين، والتعبير عن تضامننا متكاتفين ، لكن يجب البحث عن أية طريقة بديلة لبيان ما يُضمره المسلمون من روح الأخوة، وأسلوب جديد ليعبر العرب عن تضامنهم مع أشقائهم المظلومين ضذ الصهاينة المجرمين، لأن التكاسل يشجع الغاصب على التمادي في غيّه، والتواني يسهل على المحتل التوسع في الإستيطان، والأهم من ذلك أنه يجعل مؤامرة المستعمر مستمرة، ووعد بلفور الصادر في العام ١٩١٧ نافذاً حتى بعد مضي ١٠٤ سنوات على صدوره.
– إن الأمة الإسلامية إذا تمكنت من القضاء على مؤامرة المستعمرين في فلسطين فهي تقدر على استعادة عزتها المفقودة ومجدها القديم ، وتحقق من جديد وعد الله في كتابه المجيد : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } صدق الله العلي العظيم .