الإتفاق النووي وكسر التماكب المطلق بين واشنطن وتل أبيب .. بقلم : المهندس ميشيل كلاغاصي ” الكاتب السياسي والخبير الاستراتيجي “

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

 

– لطالما كان جوهر السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط وحضورها باّلتها العسكرية يحقق لها جملة أهدافٍ استراتيجية على كافة الأصعدة والمستويات الإقليمية والدولية , ولكن يبقى على رأس جدول إهتماماتها وأولوياتها , حماية الكيان الإسرائيلي وضمان أمنه ووجوده .

وفي ظل خطورة وتعقيد الظروف الحالية , السياسية منها والعسكرية , وإحتمالية عودة الولايات المتحدة إلى “الإتفاق  النووي” مع إيران ، كثفت سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب من تحركات وإجراءات أجهزتها الاستخباراتية لتقويض برنامج طهران النووي وإلحاق الضرر به وبحقوق وطموحات الدولة الإيرانية , وسط إستياءٍ إسرائيلي لما أعلنه الرئيس الأمريكي من رغبةٍ لإعادة إحياء الإتفاق النووي . 

فالخشية الإسرائيلية من تنامي القدرات الإيرانية عموماً , دفعتها إلى محاولات لتخريب المنشآت النووية الإيرانية , عبر الهجمات الإلكترونية والاغتيالات المباشرة للعديد من القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين , في ظل دعمٍ حمايةٍ ورعايةٍ دائمة من الولايات المتحدة الأمريكية .

وفي السياق ذاته , اندلعت في مطلع نيسان الماضي , جولة جديدة للمواجهة الإسرائيلية – الإيرانية , على شكل حربٍ بحرية غير معلنة بالقرب من ساحل جيبوتي في البحر الأحمر ، استهدف الإسرائيليون من خلالها السفينة الإيرانية سافيز ” بهجوم عبر لغم ” ، بحسب صحيفة نيويورك تايمز ، كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في آذار الماضي أن ” تل أبيب نفذت بالفعل ضربات لما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية منذ عام 2019 ، لا سيما تلك التي تنقل المنتجات البترولية إلى سوريا .

في حين زعمت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن صحيفة وول ستريت جورنال كشفت ” فقط غيض من فيض الحرب الاقتصادية التي شنتها إسرائيل ضد إيران خلال العامين ونصف العام الماضيين ” و” أن الإيرانيين تكبدوا مليارات الدولارات كخسائر وتعويضات ” .

وبالإضافة إلى حادثة سافيز ، وفي الحادي عشر من نيسان , تعرضت منشأة نطنز النووية الإيرانية إلى ( هجوم ) عبر حادثة خللٍ مفتعل ، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز ، فقد أعلنت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية مسؤوليتهم عن ذلك … أتبعها المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية بإعلانه أن: “إيران تعتزم الثأر لتخريب محطة تخصيب اليورانيوم في نطنز ” وبأن : ” رد إيران سيكون انتقاماً في الوقت والمكان المناسبين ” .

فيما أكد الوزير محمد جواد ظريف : ” على الولايات المتحدة التوقف عن استخدام الإرهاب الاقتصادي والنووي كوسيلة ضغط على إيران في المفاوضات الحالية بشأن البرنامج النووي ” .

وفي الثالث عشر من نيسان ، أعلنت وكالة فارس الايرانية عن هجوم نفذه رجال مسلحون في شمال العراق ، استهدفوا مركز المعلومات الاستخباراتية التابع إلى وكالة الاستخبارات الإسرائيلية ، مما أسفر عن مقتل وجرح عدد من جنود الإحتلال … كذلك تعرضت سفينة إسرائيلية للهجوم بالقرب من ساحل الإمارات وأصيبت بأضرار طفيفة … وتناقلت وسائل الإعلام عديد التحليلات التي اعتبرت أن هاتين الحادثتين وقعتا من خلال الرد الإيراني على الهجوم في نطنز النووية والأنشطة التخريبية الأخرى التي قامت بها المخابرات الإسرائيلية .

وعلى الرغم من ذلك ، واصلت “إسرائيل” عملها العسكري غير المعلن ضد ناقلات النفط الإيرانية التي تنقل النفط إلى سوريا , واندلع حريق يوم الرابع والعشرين من نيسان , في سفينة تحمل النفط قبالة الساحل السوري بالقرب من بلدة بانياس … ومن أجل تفادي تفاقم الحرب البحرية غير المعلنة بين تل أبيب وطهران ، قررت روسيا حماية ناقلات النفط الإيرانية والسفن الأخرى التي تحمل شحنات مختلفة إلى سوريا .

بالإضافة إلى قيام سلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ هجومٍ جديد على الأراضي السورية , إدعت فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية – كالعادة-  أنه استهدف قواعد إيرانية في سوريا , لكن المفاجئة وقعت عندما قامت الصواريخ السورية – السوفيتية القديمة المعدلة في سوريا بالتصدي وبملاحقة مصادر الهجوم , وسقط أحدها على بعد حوالي ثلاثون كيلومتراً من المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا .

من الواضح أن التصعيد والمواجهات الأخيرة بين العدو الإسرائيلي وإيران , تشي بخطرٍ حقيقي , مع إحتمالية أن تتحول إلى مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرة … وبات على المجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديداً , إتخاذ الخطوات الكافية للجم قادة الكيان الغاصب , ووقف التصعيد العسكري الإسرائيلي المدعوم أمريكياً , ضد إيران وسوريا , واللجوء إلى البحث عن الحلول وربما التفاوض .

ويبقى من المفيد أن تكون الولايات المتحدة جادةً في مسار المفاوضات وبعودتها إلى الإتفاق النووي الإيراني وخطة العمل المشتركة , وبات عليها كبح الجنون الإسرائيلي قبل أن يضطر الوجود الأمريكي في المنطقة لتحمل ما لا يطيقه , وما يحرمه من مفاوضاتٍ تضمن خروجه بسلام وبحفظ ماء وجهه , بالتوازي مع تقدم المفاوضات في فيينا وبعض المؤشرات الإيجابية للتوصل إلى الإتفاق , وبات عليها كسر التماكب المطلق والشراكة الكاملة بين واشنطن وتل أبيب .

فالمشكلة الإسرائيلية لا تكمن في المواجهة مع إيران فقط , بل تكمن في جوهرها بإنتهاء الحرب الصهيو – أمريكية على سوريا , وبالعودة الأمريكية إلى الإتفاق النووي , وبإنسحاب قواتها من سوريا والعراق , وتداعيات ذلك على الكيان الإسرائيلي , وعلى مسار التطبيع , وعلى الصراع العربي – الإسرائيلي عموماً , الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني خصوصاً , وعلى قدرة الكيان الإسرائيلي على البقاء والوجود , بمواجهة محور المقاومة مجتمعاً .

المهندس : ميشيل كلاغاصي

3 /5 /2021