أخلاقنا : الزواج سكـن وإطمئنان بعيداً عن المحيط الأسريّ الملوّث

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– آية الله الشيخ حسين مظاهريّ

– في هذه الحياة، وفي هذا العالم، يحتاج كلّ شخص إلى شخص آخر يفرغ عنده ما في قلبه ساعة الشدّة، وفي اللحظات الخاصّة جدّاً. ولو دققنا مليّاً في القرآن الكريم، وفي الطبيعة، لما رأينا أحنّ من الزوجَين أحدهما على الآخر، لذا يقول القرآن المجيد إنّهما مخلوقان يسكن أحدُهما إلى الآخر، ولا يمكن أن يتخلّى أحدُهما عن الآخر بالكلّيّة؛ وعليه، فلا بُدّ لهما من العيش بعنوان زوجين يكمل أحدهما الآخر: 

– ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21).

• سكن وسكينة
لقد جعل الله المحبّة والمودّة والرحمة بين الزوجَين منذ أن خلقهما الله؛ هذا إذا لم نوجّه أيّ ضربة قاصمة لهذا السكن المألوف ولتلك المحبّة والودّ الذي حبانا الباري إياه منّاً وعطاءً جميلاً.

إنّ الأسرة التي لا يتمتّع فيها الزوجان بهذه السكينة، ولا يستفيدان فيها من هذه الألفة، يسودها القلق والاضطراب؛ كالفرد الذي يجافيه النوم، مضطرباً قلقاً لا يعمل فكره بالمرّة، ويبدو النحول والخمول على جسمه، ولكنّ قوته التخيّليّة تضحى متفاقمة.

فكما أنّ النوم – على ما ذكره القرآن المجيد- يوجب الهدوء والسكينة، فكذلك الرجل والمرأة يسكن أحدهما للآخر. فالذي ليس له زوجة، كالذي ليس له دار، والتي ليس لها زوج، كالفرد الذي غاب النوم عن عينَيه؛ لذا يجب علينا أن نحافظ على حالة الهدوء والسكينة هذه من خلال تخلّينا عن كلّ ما يمكن أن يسهم في تفتيتها، والتي تُعدّ بمثابة سكن وسكينة.

• كلٌّ يزيّن الآخر
إنّ الرجل والمرأة -بنظر القرآن المجيد- لا يسكن أحدُهما للآخر فقط، بل ويزيّن أحدُهما الآخر أيضاً. قال عزّ من قال في محكم كتابه: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ (البقرة: 187). واللباس في هذه الآية المباركة ينضوي تحت ثلاثة معان؛ المعنى الأوّل: أنّ الزوجين يزيّن أحدهما الآخر، كما يزيّن اللباس صاحبه. والشاهد على ما نقول هو إطلاق القرآن المجيد كلمة “زينة” على اللباس في قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف: 31).

أمّا المعنى الثاني، فهو: أنّ المرأة قد تضحى سبباً في عدم انحراف الرجل، وقد يكون الرجل سبباً في عدم خروج المرأة عن جادّة الصواب. وهذا ما سنتعرّض له لاحقاً بحول الله تعالى.

أمّا المعنى الثالث، فهو: أنّ الرجل سترٌ لزوجته، وكذا المرأة سترٌ لزوجها. فالرجل غير المتزوّج والمرأة غير المتزوّجة قد يظهر بعض عيوبهما ومساوئهما بتركهما الزواج.

وعليه، تكون الآية الشريفة التي ذكرناها بمعنى: الرجل زينة لزوجته، وكذا المرأة زينة لزوجها؛ لذا يجب على الزوجَين أن يعرفا كيف يحافظان على هذه الزينة، فعن الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: “إنّما المرأة قلادة، فانظر ما تُقلِّده”(1)، وعنه عليه السلام: “ليس للمرأة خَطَرٌ، لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهنّ. أمّا صالحتهنّ، فليس خطرها الذهب والفضّة، بل هي خيرٌ من الذهب والفضّة، وأمّا طالحتُهنّ، فليس التراب خطرها، بل التراب خيرٌ منها”(2).

وعن الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام: “وأمّا حقّ الزوجة، فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها لك سكناً وأنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقّك عليها أوجب، فإنّ لها عليك أن ترحمها”(3).

• سرور أحدهما بالآخر
علاوةً على أنّ الرجل والمرأة يزيّن أحدُهما الآخر، فكلٌّ منهما سرور للآخر، وهذا ما يريده الإسلام لهما؛ فالمرأة الممتثلة لشرعة الإسلام، والرجل الملتزم بنهج الإسلام، إذا أظلّهما سقف واحد عمّهما الفرح والسرور والبهجة، وقد يكون بيننا اليوم مَن شغله التفكير في منزله، فتراه ينتظر الخلوص من عمله المتعب كي يذهب إلى منزله، الذي يراه حديقةً غنَّاء على الرغم من عدم وجود حديقة فيه.

وقد تنتظر سيّدةٌ قدوم زوجها بفارغ الصبر، لتظهر له الهيئة الحسنة، والبسمة العريضة لكي يرتفع عنه التعب والهمّ والغمّ، الذي قد يصيبه جرّاء عمله خارج المنزل.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما استفادَ امرُؤٌ مسلِمٌ فائدةً بعد الإسلامِ أفضلَ من زوجةٍ مُسلِمةٍ تَسرُّهُ إذا نظر إليها”(4).

وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن لي زوجة إذا دخلتُ تلقّتني، وإذا خرجت شيّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟ إن كنت تهتمّ لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “بشّرها بالجنّة، وقل لها: إنّك عاملة من عمّال الله، ولك في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً”(5). وفي رواية أنّ لله عزّ وجلّ عمّالاً وهذه من عمّاله، لها نصف أجر الشهيد.(6)

بناءً على ما تقدّم، ينبغي للرجل أن يحتاط كثيراً في التعامل مع زوجه، كي لا تنفلت عرى العلاقة الزوجيّة، وعندها لن يجد الرجل من يلتجئ إليه مثلما كان يلتجئ إلى زوجه التي كانت تخفّف عنه مصائب العمل، وتبتسم بوجهه صادقة مخلصة، وتسعى جاهدة لأن تجعل من مأواهما مكان فرحٍ وبهجةٍ وسرور.

• المحيط الأسريّ الملوّث
إذا كان الرجل متهوّراً -ولو بعض الشيء- في تعامله مع أهله، فستتلوّث تلك العلاقة، وتخبو حرارة المحيط العائليّة. ويا ليت الأمر يقف عند هذا الحدّ بين الزوجين، بل سيتعدّاهما إلى الأبناء، ويصبحون ضحيّةً لذلك التلوّث.

إنّ المحيط الأسريّ الملوّث -بالنسبة إلى الأبناء- أفسد من الأماكن الفاسدة كلّها. ولعلّكم رأيتم بعض الأولاد ممّن ضعفت حافظتهم، أو قلّ تقبّلهم للمسائل الفكريّة؛ وهذه هي إحدى نتائج ذلك التلوّث المشؤوم، الذي كان الزوجان سبباً أساسيّاً فيه.

فالبيت الذي يعمّه الهدوء والسكينة والألفة والمحبّة لا يمكن أن يعدّ إلّا أحد أماكن النزهة، أمّا ذلك الذي خلا من الودّ والاحترام والانسجام، فسوف يسهم في إضعاف أعصاب المرأة والرجل والأبناء، بل وقد يحسبه أحدهم -وخاصّة الزوجة- زنزانة سجنٍ رهيبة.

قد يجلس الرجل في بعض الأحيان في المقهى، أو عند ساحة دار أحد أصدقائه إلى منتصف الليل، متناسياً أنّ له امرأة تنتظره في الدار على أحرّ من الجمر، ما يجرّ المرأة إلى الامتعاض من زوجها والامتناع عن التحدّث إليه. ولو حكّمنا ضمائرنا لقلنا إنّ السبب في ذلك البرود الأسريّ هو الرجل، الذي قد يُسمعها كلاماً نابياً، ويريد منها أن تركن إلى الهدوء والسكينة؛ وهذا كلّه تحميل للمرأة فوق طاقتها، وهو يبعث على انفصام عرى المحبّة والألفة بينهما حتّى ولو كانا مسنَّين.

• الجمال الحقيقيّ
إنّ المحبة بين الزوجَين لا تحتاج إلى جمال، ولا إلى تزيّن وتجمّل، بل إنّ الجمال الواقعيّ هو ما تعكسه المحبّة من صور جميلة في عين المحبّ حتّى ولو كان الحبيب قبيحاً في الشكل بالنسبة إلى الآخرين المجرّدين عن العاطفة.

(*) من كتاب الأخلاق البيتيّة، الفصل الرابع – بتصرّف.
1.جامع أحاديث الشيعة، البروجرديّ، ج 20، ص 57.
2.(م.ن.).
3.الخصال، الصدوق، ص 567.
4.وسائل الشيعة (آل البيت)، الحرّ العامليّ، ج 20، ص 41.
5.مكارم الأخلاق، الطبرسيّ، ص 200.
6.(م.ن.).