#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– أثار قرار الحكومة الإسرائيلية منح شركة “شنغهاي” الصينيّة للموانئ حقّ العمل في بناء ميناء حيفا الجديد وتوسيعه، ردود فعل غاضبة من قبل الولايات المتحدة وجهاز “الشاباك” الإسرائيلي، لما لهذا القرار من آثار، أمنية واقتصادية، سلبية سواء على صعيد إسرائيل والولايات المتحدة؛ حيث ترى الولايات المتحدة أنّ ميناء حيفا الجديد يعدّ من أكثر الموانئ تقدّماً وسيخدم طموحات الصين التجارية والاستثمارية على حساب الولايات المتحدة.
التقارب الصيني الإيراني يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً بالنسبة إلى إسرائيل، من خلال دفعها الصين للضغط على طهران في كثير الملفات الشائكة
وفازت شركة “شنغهاي” الدولية للموانئ، في آذار (مارس) 2015، بمناقصة دولية تقوم على إنشاء ميناء حيفا الجديد وتشغيله، ليتمّ الانتهاء منه وبدء العمل بالميناء الجديد، مطلع العام الحالي، فيما يزداد القلق الأمريكي من أن تمنح إسرائيل الصين، مزيداً من الهيمنة على موانئ إسرائيل، لا سيما الاستثمار في موانئ أسدود وإيلات وأنفاق الكرمل.
ويعدّ ميناء حيفا الإسرائيلي مرسى للأسطول الأمريكي السادس وللغواصات الإسرائيلية، بالتالي؛ فإنّ التنازل عن السيطرة على هذه الموانئ لصالح كيان أجنبي كالصين، ينطوي على مخاطر، وهي احتمالية أن تشكّل هذه الأعمال الصينية ثغرة لتنفيذ مراقبة تكنولوجية أخرى لما يحدث في الميناء، وجمع معلومات عن نشاط سلاح البحرية الإسرائيلية وأنشطته المشتركة مع سفن أمريكية.
وحذّر البروفيسور الإسرائيلي، شاؤول حوريف، رئيس مركز أبحاث السياسات والإستراتيجية البحرية، من مخاطر أمنية بسبب الهيمنة الصينية على الموانئ الإسرائيلية والبنية التحتية فيها، داعياً إلى “آلية جديدة تفحص الإستثمارات الصينية، للتأكّد من أنّها لا تهدّد المصالح الأمنية لإسرائيل”، مشيراً إلى أنّ “الأمريكيين يوجّهون اهتمامهم إلى بحر الصين الجنوبي والخليج العربي على حساب البحر المتوسط، ومن الصواب أن تعزز إسرائيل في هذه الأثناء مكانتها كقاعدة إستراتيجية للأمريكيين”.
إسرائيل رفضت اقتراحاً أمريكياً
ووفق صحيفة “هآرتس” العبرية؛ فإنّ “إسرائيل قد رفضت اقتراحاً أمريكياً، قدم العام الماضي، بإجراء فحص أمني شامل في ميناء حيفا، بعد تخوف واشنطن من ضلوع شركات صينية في توسيع الميناء، وتمثّل هذا الاقتراح بأن ينفَّذ الفحص الأمني بواسطة فريق من حرس السواحل الأمريكي”.
وقال رئيس المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، بلاز ميشتال: إنّ “الولايات المتحدة تحتاج إلى مساعدة إسرائيل في الوقت الذي تسعى فيه إلى تقليص وجودها في الشرق الأوسط، وخفض تعلّقها الاقتصادي بالصين، وتقوم إسرائيل بدور مركزي في حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وبإمكانها المساعدة في الحفاظ على الموقع القيادي العالمي للولايات المتحدة، لكن إذا بقيت الاستثمارات الصينية في إسرائيل من دون معالجة، فإنّ هذا الأمر يمكن أن يعيق الشراكة الإستراتيجية ويشكّل خطراً على أمن إسرائيل الاقتصاديّ”.
د. جمال عمرو لـ”حفريات”: إسرائيل لا تلقي بالاً لأيّ انزعاج أمريكي؛ لذلك تواصل البحث عن مكاسب اقتصادية على حساب العلاقات مع حلفائها
وأشار ميشتال إلى أنّ الإدارة الأمريكية تمارس، في الوقت الحالي، ضغوطات على إسرائيل، لكبح الاستثمارات الصينية؛ إذ عبّر مسؤولون أمريكيون عن قلقهم المتعاظم من العلاقات الصينية الإسرائيلية الاقتصادية المتزايدة، وتتركّز الخشية الأمريكية في أن تستغل الصين علاقاتها مع إسرائيل لتحسين مكانتها الإستراتيجية، إضافة إلى جمع معلومات استخباراتية حسّاسة ومعلومات تكنولوجية.
في سياق ذلك، أكّد المختص في الشأن الإسرائيلي، عماد أبو عواد، لـ “حفريات”: أنّ “ميناء حيفا التاريخي يتمتع بأهمية إستراتيجية كبيرة جداً على مدار عقود من الزمن؛ فهو يقع بالقرب من ممرّ قناة السويس ويتّسع هذا الميناء إلى تخزين كميات كبيرة من البضائع، إلى جانب أنّه بوابة الشرق إلى أوروبا، ويحتلّ أهمية اقتصادية كبيرة، سواء من قبل بلدان أوروبا أو البلدان العربية، التى تسعى جاهدة إلى الإستثمار فيه”.
الولايات المتحدة منزعجة
وأشار أبو عواد إلى أنّ “الولايات المتحدة باتت منزعجة وغير راضية من سلوك إسرائيل في المنطقة بمنح الصين الاستثمار في موانئها، خاصة أنّ الصين تعدّ المنافس الأول لأمريكا في المنطقة، في حين ترى الولايات المتحدة أنّ أيّ تقارب صينيّ مع إسرائيل، هو بمثابة تخلٍّ عن العلاقات القوية مع الولايات المتحدة، لكن إسرائيل متلهفة لأيّ دور صينيّ في إسرائيل يضخّ لها الأموال، وستحصل على مكاسب كبيرة من دخول الصين السوق الإسرائيلية، وفي مقابل ذلك تحاول إسرائيل وضع ثوابت وضوابط لنفسها في العلاقة مع الولايات المتحدة، لأنّها غير معنية بالاشتباك أو توتير العلاقات معها”.
وأوضح المختص في الشأن الإسرائيلي؛ أنّ “الولايات المتحدة تعي جيداً حجم القدرات والخبرات التكنولوجية الواسعة التي تتمتع بها إسرائيل، لذلك تتخوف من أن تستثمر الصين العلاقات الاقتصادية القوية مع إسرائيل، باستغلال الخبرات الإسرائيلية ونقلها إليها، خاصة في ظلّ وجود أسرار إسرائيلية أمريكية مشتركة، وبإمكان الصين أن تحصل عليها، وهذا بالتأكيد سيؤدي في نهاية المطاف إلى تأزّم في العلاقات بين أمريكا وإسرائيل، التي تقدم على مدار سنوات طويلة الحماية والدعم الكامل لإسرائيل”.
وبسؤاله عن رفض إسرائيل اقتراحاً أمريكياً بإجراء فحص أمني شامل داخل ميناء حيفا، على خلفية اتساع التأثير الصيني في موانئ إسرائيل، وإن كانت إسرائيل متخوفة من التفتيش الأمريكي؛ بيّن المختص في الشأن الإسرائيلي أنّ “إسرائيل رفضت هذا الطلب خوفاً من أن تكون هناك برامج سرية معينة بين الصين وإسرائيل لا تريد الكشف عنها، بالتالي؛ لا تريد إسرائيل أن تدخل في إحراجات مع الولايات المتحدة، وإسرائيل باتت على قناعة بأنّه إذا تصاعدت العلاقات مع الصين، فإنّ ذلك سيؤدّي إلى تراجع العلاقات مع الولايات المتحدة، لذلك لا تريد أية زعزعة في العلاقات مع الصين حالياً”.
وترى إسرائيل أن تجارتها مع جيرانها في الشرق الأوسط ضئيلة جداً وغير مجدية، لذلك تتجه إلى فتح خطوط تجارية واسعة مع أوروبا بمساعدة الصين، التي تعدّ من أقوى الدول اقتصادياً على مستوى العالم، ومن خلال فتح خطوط اتصال اقتصادية معها، يمكن ذلك أن ينعش النشاط التجاري والاقتصادي لإسرائيل بشكل كبير.
في إطار ذلك، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي، الدكتور جمال عمرو؛ أنّ “المال بالنسبة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هو الفاصل على صعيد السياسات الخارجية لبلاده، فعلى الرغم من التذمر الأمريكي، حليف إسرائيل، من بناء إسرائيل علاقات قوية مع الصين، إلا أنّ إسرائيل لا تلقي بالاً لأيّ انزعاج أمريكي؛ لذلك تواصل البحث عن مكاسب اقتصادية على حساب العلاقات مع حلفائها”.
ماذا تريد الصين؟
وأبلغ عمرو “حفريات” بأنّ “الصين ترنو، من خلال استثماراتها في الشرق الأوسط، إلى السيطرة على مسارات الغاز والبترول؛ لذلك اختارت ميناء حيفا، والذي يعدّ مركز البترول والغاز في منطقة الشرق، فالصين تسعى جاهدة للحضور على طول الطرق البحرية المؤدية من موانئها الى الموانئ الرئيسة في الشرق الأوسط، وقد اكتسبت الشركات الصينية بجهودها موطئ قدم لها في ميناء حيفا الإستراتيجي”.
ويشير المختص في الشأن الإسرائيلي إلى أنّ “إسرائيل تعمل على بناء خطة مدروسة للاستفادة من مقدّرات الشرق الأوسط وموارده بشكل تدريجيّ، فإسرائيل لا تريد أن تبقى معلقة بقناة السويس، وتريد أن تجعل من ميناء حيفا ميناءً مركزياً تخرج منه خطوط مواصلات على مستويين: الأول؛ برّي يشمل كلّ شبكة الشوارع والطرقات التي يتمّ تطويرها حالياً، مع تطوير شبكة سكك الحديد التي تربط إسرائيل بدول الخليج والأردن، إلى جانب خطّ نقل بحريّ يربط إسرائيل ببلاد الشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا”.
ويوضح عمرو؛ أنّ “العلاقات القوية التي تقيمها الصين مع طهران، كون الصين تستورد وبكميات كبيرة البترول الإيراني، ربما هو ما دفع إسرائيل إلى بناء علاقات قوية مع الصين، وتتجاوز بذلك رفض أمريكا، فالتقارب الصيني الإيراني من الممكن أن يلعب دوراً إيجابياً بالنسبة إلى إسرائيل، وذلك من خلال دفع إسرائيل الصين للضغط على إيران في كثير من القضايا والملفات الشائكة بين الجانبين، والتي لم تحرّكها التهديدات العسكرية لأعوام”.
ويستبعد عمرو أن “يتيح تقسيم ميناء حيفا إلى قسمين وسيطرة الصين على أحد الموانئ، إلى منح الصين الحرية فى مراقبة تحركات السفن الأمريكية، وكشف أنشطة الصيانة والوصول إلى معدات ومواقع بحريّة سرّية بين إسرائيل وأمريكا، كما تتخوف أمريكا من ذلك، فإسرائيل لن تفقد قدرتها على السيطرة والمراقبة والمتابعة، لأنّ الميناء العسكريّ الذي تمّ تشييده عند مدخل الميناء، سيبقى بيد إسرائيل، ومن دونه تصعب مراقبة الملاحة الإسرائيلية سواء في الميناء الأول أو الثاني”.