#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– بعد انفجار بيروت في آب (أغسطس) 2020م، سارعت تركيا لإيفاد نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، رفقة وزير الخارجيّة، مولود جاويش أوغلو، وعدد من المسؤولين الأتراك، إلى بيروت، لتؤكد الزيارة على تزايد الاهتمام والحرص التركي للعب دور أكبر في المشهد اللبناني. وهو اهتمام يعود بروزه إلى العام 2010م عندما زار رجب طيب أردوغان بنفسه لبنان، وعقد جولة، تلاها تزايد لافت للنشاط التركي في لبنان، وضمن أبعاد عدّة.
البعد الإنساني .. دبلوماسية المساعدات
بعد وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم في تركيا توسع مجال عمل وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) وتمدد ليشمل دول عدّة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد أن كان عملها متركزاً في دول آسيا الوسطى. وفي لبنان، بدأت الوكالة بممارسة أنشطتها منذ العام 2006م، من خلال توزيع المساعدات الخيريّة وتقديم المنح للبلديات والجمعيّات. وتركّز عمل الوكالة بشكل أساسيّ على محافظتي عكّار وشمال لبنان (طرابلس)، بما في ذلك تمويل مشاريع فتح الطرق، وحفر الآبار، وبناء شبكات الريّ.
لم تقتصر مشاريع (تيكا) الخيريّة على الشمال، ففي صيدا بالجنوب قامت الوكالة بتمويل بناء مستشفى باسم “المستشفى التركي للطوارئ والحروق”، وقد تم تقديم الهبة التركيّة لتمويل أعمال التشييد فيه عام 2007م. وتم إتمام أعمال التشييد وافتتاحه في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2010م، برعاية وحضور رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا آنذاك، وسعد الحريري، رئيس وزراء لبنان في حينه. إلا أنّ المستشفى بقي مقفلاً بسبب خلافات إداريّة. وبعد انفجار بيروت في آب (أغسطس) 2020م، أمر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالعمل على فتحه سريعاً، وهو ما تجسد مباشرةً في زيارة الممثل الخاص للرئيس التركي، سيركان توبال أوغلو، إلى المستشفى في ذات الشهر. إثر ذلك أعلنت “تيكا” بدء أعمال إعادة تأهيل وتشغيل المستشفى.
البعد الثقافي .. الأثر الناعم .
يتحقق هذا البعد عبر تفعيل عدة أدوات، بدايةً من تدشين المؤسسات الثقافيّة، والتي أخذت تبرز خلال العقد الأخير، بداية من الافتتاح والتأسيس في آذار (مارس) عام 2010م لجمعية الصداقة والثقافة اللبنانيّة التركيّة “تيوليب” (Tülyp)، في مدينة صيدا اللبنانيّة، برعاية النائب بهيّة الحريري ومشاركة الرئيس فؤاد السنيورة وسفير تركيا في لبنان، وهدفها المعلن هو تعزيز العلاقات التي تربط الشعبين اللبناني والتركي. ومن ثم في العام 2012م، جرى افتتاح المركز الثقافي التركي “يونس إمرة”، في بيروت، والهادف إلى نشر اللغة والثقافة والفنون التركية، عبر برامج وسلاسل من الفعاليات والدورات المُخَصّصَة لذلك. ومن أبرز الجمعيات والروابط الأخرى التي أنشاتها تركيا في لبنان لذات الغايات: “رابطة الشباب اللبناني التركي”، و”الجمعية اللبنانية التركيّة”، و”الجمعية الثقافية التركية في لبنان”.
وصلت تقديرات عدد المستفيدين اللبنانيين من المنح الدراسيّة في تركيا خلال الفترة ما بين 2004 و2019 إلى أكثر من عشرة آلاف .
ومن ثم برزت أيضاً – ضمن هذا البعد – أداة المنح الدراسية، حيث ازدادت بشكل لافت أعداد المنح المخصصة للطلبة اللبنانيين في الجامعات التركيّة، ووصلت تقديرات عدد المستفيدين اللبنانيين من المنح الدراسيّة في تركيا خلال الفترة ما بين 2004م و2019م إلى أكثر من عشرة آلاف طالب. وقد وعد السفير التركي في لبنان، هاكان تشاكل، في عام 2019م، بزيادة المنح الجامعية المخصصة للبنانيين.
أما الأداة الثالثة ضمن البعد الثقافي الناعم للتوسع التركي، فهي ترميم الأبنية القديمة التي ترجع للحقبة العثمانية. وهو ما بدأ يتعزز على نحو لافت منذ زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى بيروت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010م. وتركزّت هذه الجهود تحديداً في مدينة طرابلس، معقل السّنة بلبنان، بدايةً من ترميم محطة قطار طرابلس، والتي يعود تاريخها إلى أواخر العصر العثماني. إلى ترميم برج الساعة الحميديّة، المعروفة بساعة السلطان عبد الحميد، وسط المدينة القديمة بطرابلس. وكذلك تأهيل التكية المولوية مع استحداث متحف خاص للطريقة الصوفية المولويّة، وهي الطريقة المقربة من الدولة في تركيا. وأيضاً ترميم غرفة حفظ الأثر النبوي الشريف، التي تحتضن شعرة للنبي محمد – عليه الصلاة والسلام – كان قد أهداها السلطان عبد الحميد الثاني لأهالي مدينة طرابلس.
البعد الطائفي .. تمثيل السّنّة .
جاءت زيارة سعد الحريري الأخيرة إلى تركيا واجتماعه بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كانون الثاني (يناير) 2021م، لتفتح باباً من التساؤلات والتأويلات. ووفقاً لما نقلته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، فإنّ الاجتماع تمحور حول البحث في سبل تعزيز العلاقات الثنائيّة؛ السياسية، والاقتصادية، والثقافية، بين البلدين.
تركزّت جهود (تيكا) لإعادة ترميم الآثار العثمانيّة تحديداً في مدينة طرابلس، معقل السّنة في لبنان .
ويأتي تصاعد الحضور التركي في الساحة اللبنانيّة في سياق تراجع الحضور السعودي ودور المملكة باعتبارها داعماً وراعياً تقليدياً للمكوّن السّنّي في لبنان، وذلك بعد توقف السعودية عن تقديم الدعم الاقتصادي للبلاد، وتقليص بعثتها الدبلوماسية في بيروت، إثر اعتبار السعودية بأنّ الدولة اللبنانية باتت خاضعة لسطوة حزب الله المناوئ لها. وفي هذا السياق تأتي المساعي التركيّة للتمدد وزيادة الحضور على الساحة اللبنانيّة في إطار استغلال التوجّس السّنّي من تزايد الهيمنة الشيعيّة، وتراجع الظهير العربي لهذه الطائفة.
البعد العرقي .. التركمان .
يضمّ لبنان أقليّة تركمانية، يبلغ تعدادها نحو الأربعين ألف نسمة، يتواجدون في قرى وبلدات بمحافظة عكّار شماليّ لبنان، ويرجع تاريخ استقرارهم في لبنان إلى العصر العثماني. وفي عام 2010م، اختار رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركيّ في حينه، بلدة الكواشرة العكاريّة، لتكون وجهته ضمن برنامج زيارته إلى لبنان، وهي أكبر القرى والبلدات التي يسكنها التركمان في عكّار، ما عبّر في حينه عن توجه رسمي تركيّ لرعاية هذه الأقلية وتأكيد بأنها مرتبطة بالدولة التركيّة.
ومنذ ذلك الحين شَرَعت تركيا بتنظيم زيارات دبلوماسيّة دوريّة إلى البلدات التركمانيّة، وتم تخصيص منح دراسية مخصصة للطلاب التركمان، وتعزز نشاط الوكالة التركية (تيكا) في القرى والبلدات التي يقطنها التركمان، فبادرت لبناء مجموعة من المراكز الصحيّة والمدارس، وزودت المدارس بالحواسيب، إضافة إلى مشاريع شبكات المياه والكهرباء.
تأتي المساعي التركيّة للتمدد وزيادة الحضور على الساحة اللبنانيّة في إطار استغلال التوجّس السّنّي من تزايد الهيمنة الشيعيّة .
يتزايد انخراط تركيا في صراعات إقليميّة ودوليّة، على النفوذ، والسلاح، والطاقة، وفي هذه الصراعات هي في حاجة لتثبيت حضورها في كل ساحة وموطئ، حتى تزيد من أوراقها، وبهذا يكون التمدد وزيادة الحضور على الساحة اللبنانية استمراراً لتوسع الحضور التركيّ في كل من سوريا والعراق، وحتى ليبيا والقوقاز.