#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– في الأعوام القليلة الماضية ، ومنذ نشوء تنظيم داعش في الشرق الأوسط ، وحتى لحظة الإعلان عن القضاء عليه تماماً في حواضنه الأولى، كانت أسهم الشركات الغربية العاملة في مجال صناعة الدفاع ترتفع ، وتجني تلك الشركات أرباحاً خرافية بالاطراد مع توسّع التنظيم ، وتمدّده ، وانتصاراته الجديدة .
ويكفي هنا القول: إنّه في صبيحة اليوم التالي لهجمات داعش على العاصمة الفرنسية، باريس، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، قفزت أسهم شركات صناعة الدفاع الفرنسية بشكل كبير، وصل في الأيام التالية إلى نسبة 3%.
تقول عالمة السياسة الكندية الشهيرة، نعومي كلاين، صاحبة الكتاب ذائع الصيت “عقيدة الصدمة” .. ” إنّ الليبرالية الجديدة تصلّي كلّ يوم ، من أجل أن تقع كارثة جديدة في العالم ، بالخشوع نفسه الذي يصلي به المزارع، من أجل أن تمطر السماء على أرضه التي تعاني الجفاف”، وإذا ما تحدثنا عن المستفيدين من تمدّد داعش في المنطقة العربية، في الأعوام القليلة الماضية ، فإنّ أول الأسماء في القائمة، بحساب الأرقام، ستكون شركات صناعة الدفاع الأمريكية من قبيل: “Lockheed Martin”، و”Raytheon”، و”General Dynamics”، و”Northrop Grumman”، و”SOS International”؛ حيث يكشف الفحص في الأرقام، بعيداً عن الخطابات الرنّانة العصماء ، أنّ تمدّد داعش وتوغلها في العالم العربي، لم يمثّل، في مجمل زواياه، مصائب للولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً إذا التفتنا إلى أنّ صناعة الدفاع كانت إحدى القاطرات الأساسية للخروج بالولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة المالية الكبرى في عام 2008.
– أسلحة أمريكية تقدَّر بمليار دولار فشلت أمريكا في تتبّع مسارها حيث وصلت في النهاية إلى تنظيمات إرهابية .
جدير بالذكر هنا؛ أنّه في عام 2015، وفي واحدة من الصفقات الكثيرة التي أجريت خلال هذا العام، من أجل محاربة داعش، وافقت الخارجية الأمريكية على عقد يقضي ببيع 175 دبابة “أبرامز” للحكومة العراقية، وكانت قيمة الصفقة 12 مليار دولار، إضافة إلى 1000 سيارة هامفي بمبلغ 579 مليار دولار.
ولطرافة المشاهد القاتمة؛ فقد كشفت “منظمة العفو الدولية”، عام 2017، بعد أعوام من عقد الصفقات مع الحكومات العربية لمحاربة داعش، فضلاً عن تأجيج الصراعات بين تلك الحكومات التي تستدعي بالضرورة، هي أيضاً، صفقات سلاح جديدة؛ أنّ أسلحة أمريكية تقدَّر بمليار دولار، فشلت الولايات المتحدة في تتبّع مسارها؛ حيث وصلت في النهاية، على الأرجح، إلى أيادي تنظيمات إرهابية ومتطرفة، ما يعني في النهاية، وفي معادلة ساخرة، أنّ الولايات المتحدة كان تسلّح الدول العربية، وتسلّح داعش أيضاً، في الوقت نفسه، ودون قصد!
– عيون أمريكا على الفناء الخلفي لروسيا “آسيا الوسطى” .
حين نتحدث عن آسيا الوسطى؛ فإنّنا نتحدث عما يسمى “الفناء الخلفي للاتحاد السوفيتي” السابق، وتمثله دول: كازاخستان، وتركمنستان، وطاجيكستان، وأوزباكستان، وقيرغيزستان، وبعض التصنيفات تدرج أفغانستان من ضمنها، لكنّنا نتحدث هنا عن الخماسي الممثل، وفق أغلب باحثي الجغرافيا السياسية لآسيا الوسطى.
هذه الدول تمثّل منطقة شديدة الأهمية في عالمنا المعاصر، ليس فقط لكونها ممثلة للفناء الخلفي لروسيا، ولا لكونها ممثلة لصراع كبير، منذ بداية العقد الحالي، على النفوذ بين روسيا والصين، وإنّما أيضاً لأنّها تعدّ في نظر العديد من المنظرين الجيوسياسيين، ومنذ بداية القرن العشرين، “قلب العالم الحقيقي” في عالم الجغرافيا السياسية.
إنّ الأهمية الاقتصادية لمنطقة آسيا الوسطى كبيرة للغاية، فهذه الأراضي تصنّف كواحدة من أكثر الأراضي غير المستغلة في العالم، إضافة إلى أنّها من أقل المساحات في العالم من حيث الكثافة السكانية؛ فكلّ ميل مربع في منطقة آسيا الوسطى، يسكنه 5 أشخاص فقط، هذا كلّه بالإضافة إلى أنّ الثروات الطبيعية الهائلة في المنطقة، لم يستخرج إلّا قليل جداً منها حتى الآن، فيوجد 4.5% من احتياطي الغاز الطبيعي في العالم في تركمنستان، وكذلك أوزباكستان، التي تملك 0.8% من هذا الاحتياطي، ويقع في كازاخستان 3% من احتياطي النفط العالمي، و4% من احتياطي الفحم، وأكبر احتياطي من الزنك.
كل ذلك يجعل المنطقة كنزاً من الفرص وساحة للعب بين كبار دول العالم ، ولا يمكن ذكر الكبار دون ذكر الولايات المتحدة الأمريكية ، فقد بلغت استثمارات شركات النفط الأمريكية في منطقة آسيا الوسطى ، بحلول العام 2016، أكثر من 30 مليار دولار.
– هل تدعم أمريكا التطرف الديني في آسيا الوسطى ..؟
للولايات المتحدة الأمريكية سوابق عديدة ، أسالت كثيراً من الحبر حول صناعتها للتطرف الديني والجماعات الإرهابية في العالم، في سلاسل متلاحقة، لا تكاد تنتهي بواحدة حتى تبدأ الجديدة ، بداية بدعم الإسلاميين الأصوليين المتطرفين في أندونيسيا، في القرن الماضي ، لقتل أعداد مهولة من شباب الشيوعيين هناك، وليس انتهاءً بدعم تنظيم القاعدة، في بداياته، لمحاربة الاتحاد السوفيتي.
كلّ هذا التاريخ الأمريكي البراجماتي والأداتي، يستدعي النظر بعين فاحصة ودقيقة إلى تعاملات الولايات الأمريكية مع الأصوليين في مختلف بقاع العالم، وهو ما فعله فريدريك ستار، رئيس “معهد آسيا الوسطى والقوقاز بجامعة جونز هوبكنز”، مع سفانتي كورنيل، الباحث المتخصص في السياسة والأمن في منطقة آسيا الوسطى وتركيا والقوقاز، وبريندا شافر، أستاذة العلوم السياسية، في مقالهم الذي نشرته مجلة فورين أفيرز عام 2017، الذي حاول الكشف عن دور تلعبه الخارجية الأمريكية، ولجنة مراقبة الحريات الدينية حول العالم، في دعم التطرف بمنطقة آسيا الوسطى.
– بدايات نشأة التنظيمات المتطرفة التي أذاقت العالم الويلات كانت بدعم خفي من الولايات المتحدة الأمريكية
ما يثير الانتباه في أهمية هذا الطرح، سواء اتّفق معه البعض أو رفضوه، أنّ بدايات نشأة التنظيمات المتطرفة التي أذاقت العالم الويلات، كانت بدعم خفي وغير ملحوظ من الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار حرب لها مع عدوّ أكبر، وهو ما حدث في دعم المتشددين في أندونيسيا، الذين قتلوا الشيوعيين ألدّ أعداء الولايات المتحدة، وحدث أيضاً في إطار دعم الولايات المتحدة، بشكل بسيط وسرّي، لعصابات متطرفة ضدّ الرئيس المعادي للسياسات الأمريكية والبريطانية في إيران، محمد مصدق، عقب قراراته بتأميم صناعة النفط في البلاد. من هنا تكون أهمية ملاحظة التفاصيل الدقيقة في تعامل الولايات المتحدة مع مجموعات الإسلام الأصولي في العالم، سواء خلص البحث إلى وجود حالة خطرة بالفعل من الممكن أن تنتج جماعة أصولية مسلحة جديدة أو لا.
وقد تحدّث المقال، بشكل واضح، عن قيام لجنة حرية الأديان الدولية “USCIRF” التابعة للإدارة الأمريكية، وذات التأثير المهم في قرارات البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، بما يتضمن فرض العقوبات وطريقة معاملة الدول الأخرى، بتأييد الإسلاميين المتطرفين، في تقريرها لعام 2017 عن آسيا الوسطى، وتأييدها أحقية الجماعات الإسلامية الأصولية في الحصول على التمويل الأجنبي، كما اعترض تقرير اللجنة أيضًا على حظر “حزب التحرير” الإسلامي الدولي في طاجيكستان، الذي يؤيد في أدبياته استخدام العنف في بعض الدول لإقامة الخلافة الإسلامية، كما دانت حظر ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية للفتيات.
على جانب آخر؛ دانت اللجنة الأمريكية، عام 2017، قوانين مكافحة انتشار التطرف القادم عبر بعض دول الخليج العربي وإيران، وهي الدول ذات السمعة السيئة عالمياً في تمويل التطرف، والجماعات الأصولية المعادية لحرية الاعتقاد، التي كان في ثناياها قيام كازاخستان بحجب الحسابات المصرفية لأشخاص وضعتهم ضمن قائمة ممولي الإرهاب والتطرف في البلاد.
وسواء رأى البعض، في هذا المقال للفورين أفيرز حول إدانات لجنة الحريات الدينية الأمريكية ، فحصاً دقيقاً وسليماً في مختلف بنوده ، أو اختلف البعض مع إحدى بنوده أو كلّها ، فإنّ الأهم هو المتابعة عن كثب للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية ، منذ عقود ، مع الأصوليين في العالم ، لما لها من تاريخ طويل في دعمهم، ثم الانقلاب عليهم ، والاستفادة مالياً عبر صناعتها الدفاعية الكبرى من محاربتهم .