أمريكا تواصل حربها ضد العالم الإسلامي .. بقلم : صالح عوض ” الكاتب والإعلامي والخبير الاستراتيجي ” – بروكسل

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

منذ قرون عدة، وموجات المستعمرين تتلاحق على بلادنا، نصدها بصدورنا، فتحصد منا الأعزاء والقادة .. تنتكس حينا لتعود ثانية، بأساليب جديدة وبأدوات مختلفة، أشد بطشا وأقسى ضراوة، تنسحب من بلد لتحتل آخر، وتتراجع من موقع لتتمركز في آخر.. والسطحيون وحدهم من استسلم لخديعة أن ليس هناك مؤامرة تستهدف المسلمين ككتلة بشرية – القارة المتوسطة- وفي مركزهم المغناطيسي العرب، وتستهدف الإسلام كمنهج حياة وكحصن واق للأمة، وناظم لشبكة علاقاتها الاجتماعية، ويتمركز هؤلاء السطحيون في مواقع عديدة من الإعلام والسياسة والثقافة، يميعون القضية، ويروجون لمقولات تصب في خانة جلد الذات ويرجعون كل ما نحن فيه من تدمير لبلداننا واغتصاب لحقوقنا إلى عجز فينا، وهم بهذا أوهنوا قوة الأمة، وسلموا لعدوها مفاتيح قلاعنا واحدا بعد الآخر .
انتقلت مراكز الفعل المعادي وتعددت من باريس إلى لندن إلى واشنطن و موسكو.. قتلوا منا الملايين ودمروا عواصمنا وحرقوا مكتباتنا وسرقوا ثرواتنا وشتتوا مجتمعاتنا وهجروا أبنائنا واحتلوا أوطاننا..
الشمال كله احتشد للفتك بالجنوب كله وفي مقدمته القارة المتوسطة وقلبها الحيوي العرب.. ومنذ عدة عقود أخذت الإدارات الأمريكية موقع قيادة إدارة الصراع في إطار سعيها للتسيد على العالم فتودد إليها حكام ومثقفون وحالمون بدور وموقع وسعوا إليها لتمنحهم بولصة التأمين وإذن العبور للمواقع والأدوار.. إلا أن أمريكا لم تراع مشاعر المغفلين فهاهي تطرق رؤوسهم بمقامع من حديد في كل مكان، بتجدد وسائلها العدوانية، وبنقلها المعركة من منطقة إلى أخرى، لعلهم يفيقون من غفوتهم وغفلتهم .
– تصفية جبهة الشمال :
في مرحلة اضطراب الشمال بين إيديولوجيات دوله كان هناك متسع في بلداننا لحركات التحرر والدعوة للنهضة والحديث عن الاستقلال والقرار الوطني والقومي ولكن الشمال رتب نفسه وأنهى الحرب الباردة لنكون نحن في المواجهة.. بالعودة إلى ما حققته الإدارات الأمريكية ضد المعسكر الاشتراكي ينبغي التذكير بما كان للفاتيكان من دور في العملية الهجومية ضد المعسكر الاشتراكي وما كان لكثير من المؤسسات الدينية الإسلامية لاسيما المتواجدة في دول الخليج من دور ضد المعسكر الاشتراكي وبلغت الحرب ذروتها في أفغانستان عندما تورط الاتحاد السوفيتي سنة 1979 في احتلال أفغانستان دفاعا عن النظام الاشتراكي هناك الأمر الذي ثور العالم الإسلامي، وتم تجنيد مئات آلاف الشباب المسلمين من كل مكان للقتال ضد الشيوعيين، وفي هذه العملية الكبيرة تم تجنيد العديد منهم وترتيبهم لحين الطلب وصناعة جماعات وإيديولوجيات وظفت فيما بعد في الحروب الداخلية في بلاد المسلمين .
بعد هذه الموجة وبعد ان تخلص الغرب الاستعماري من المعسكر الاشتراكي وأخرج النشاز الفكري من نمط التفكير الاقتصادي الغربي توجه الفعل الاستعماري الى الخطر القادم- الإسلام- ولكن على مرحلتين فالمرحلة الأولى استهدفت قلب العالم الإسلامي ومغناطيسه الروحي الوطن العربي وكانت الضربة الصادمة بعدوان ثلاثيني على العراق ومن ثم فرض الحصار عليه أحد عشر عاما وبعد ذلك دخول جيوش أمريكا بمبررات كاذبة وتم تكسير البلد العربي المحوري الى اثنيات مختبئة وإيديولوجيات متفجرة ومدمرة وبعد ان تم إسقاط العراق في مستنقع الاقتتال الداخلي كان التوجه إلى الخطوة الأخرى المتمثلة بالضربة الواسعة تحت غطاء الربيع العربي مستغلة ظروفا معيشية وعلى صعيد الحريات السياسية تمر بها الشعوب العربية وفي ظل هذه الموجة التي بدأت من سقوط العراق تم ترحيل أكثر من 17 مليون عربي وقتل أكثر من 3 مليون عربي وتدمير حواضر العرب الموصل وحلب وحماة وحمص الأنبار وسواها وإهدار ثروة العرب خلال سبعة عشر سنة وتدمير إرثهم الحضاري في تدمر وبابل وسوى ذلك من تدمير لإمكاناتهم وقدراتهم .
– المنهجية الأمريكية :
مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية المقربة من صانع القرار أفرزت عهدا استعماريا جديدا في نمط إدارة جديد يمارسه البيت الأبيض الأمريكي والكونجرس والبنتاغون نحو العالم تقدمت من خلاله الإستراتيجية الاستعمارية الأمريكية خطوات كبيرة وقاسية في الهجوم على المسلمين في قارات الأرض كان أكثرها قسوة احتلال العراق وأفغانستان وأكثرها استخفافا بهم الإعلان عن حق الكيان الصهيوني بالقدس..
كانت الإدارات الأمريكية سابقا تخفي حقيقة خطتها الشاملة فكانت تظهر أنها ضد الدولة الإرهابية الفلانية أو المجموعات الإرهابية او ضد محور شر في الأمة أو ضد رئيس وزعيم دون أخر.. وحركت لذلك أدوات عديدة ثقافية وإعلامية ومنظمات الأنجي أوز”غير حكومية” وأذرع أجهزتها الأمنية لاختراق المجتمعات بمقولات حول حقوق الإنسان وحقوق المرأة وثقافة “الديمقراطية” واستطاعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تحقيق انتصارات كبيرة في عالمنا الإسلامي بعزل حكام وقلب أنظمة وصناعة ثورات وإذكاء روح التنازع في المجتمعات.
عملت الإدارات الغربية بقيادة الإدارة الأمريكية في إستراتيجيتها الخارجية على خطين متوازيين خط مواجهة الخطر العاجل الكتلة الاشتراكية وضرورة إسقاطه، وخط مواجهة الخطر القادم العالم الإسلامي وضرورة تفتيته وإشغاله بحروب داخلية .
تكشف الوثائق والكتب التي نشرت مؤخرا انه في المعركة المنظمة الواسعة التي تديرها الأجهزة الأمريكية الأمنية والثقافية والسياسية قد تم زراعة بذور الفتن في مجتمعاتنا، وعن طريق الانقلابات السياسية والعسكرية أو عن طريق الترويج الإعلامي لهم والنفخ فيهم أوصلت الى مقاليد القيادة السياسية من أصبحوا يدورون في فلك التبعية لها أولئك الذين نفختهم للقيام بادوار قيادية معينة لتفجير المنطقة.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث تطور الأمر إلى صناعة تنظيمات وجماعات بأفكار مصنعة في مختبرات الاستشراق وبقيادات مدربة زودتها بالسلاح والمال والدعم اللوجستي ووظفتها في أعمال مزدوجة مرة لضرب مصالح هامشية أمريكية فتستغلها الإدارة الأمريكية لتوجيه ضربات عنيفة لمواقع حيوية في الأمة كما حصل في أكذوبة البرجين، أو للقيام بأعمال تخريبية كبيرة في بلداننا حيث انتشر الرعب والإرهاب.. وهذه المعركة لازالت مفتوحة رغم إجراء بعض التعديلات .
وهنا نجد ضرورة أن نحدد بدايات كل مرحلة ونهايتها للتعرف على جديد الأدوات وتغير الخطة لمعرفة كيفية المواجهة أو على الأقل لتجنب الآثار والتداعيات الخطيرة، ونكتشف بأن المرحلة السابقة أنجزت أمريكيا، بحيث يمكن القول أن المعركة التي استهدفت المنطقة العربية حققت توزيع الأدوار في بلداننا فمنها من انخرط في تأدية المهمات الاستعمارية والقيام بحرب على بلداننا الأخرى، ومنها ما هو جاهز لتسديد فواتير حروب أمريكا، ومنها ما تم تدميره، ومنها ما تم تحييده تماما، ومنها ما يمكن العودة إليه بضربة في مرحلة غفلة وقت الحاجة… المهم ان مرحلة الوطن العربي اكتملت، والباقي فقط سيكون عبارة عن روتوش.. انتهت هذه المرحلة بان كسروا العراق وسورية وليبيا واليمن وتونس أو على الأقل هكذا يعتقدون ويصرون وفي ظل هذا التكسير والفوضى على تمرير قوى وثقافات وأجهزة في صلب المجتمعات الأمر الذي يعني إننا سنحتاج عقودا من الزمن لتجاوز هذا الواقع.. وتم تتويج ذلك بان أهدى ترمب القدس للكيان الصهيوني وهو في الحقيقة يعلن استحواذه التاريخي عليها .
– مرحلة جديدة :
انتهت تلك المرحلة مرحلة تكسير الدول العربية أو تحويلها إلى أدوات لتخريب الأمة أو شلها عن إمكانية القيام بأي فعل إيجابي نحو وحدة الأمة أو نهضتها أو فلسطين.. انتهت تلك المرحلة لتفتتح الإدارة الأمريكية مرحلة جديدة تماما فالآن هناك الإستراتيجية الواضحة المكشوفة لإشعال العالم الإسلامي كله فبعد ان كان الدور الأمريكي خفيا في الانقلاب على حكومة أردوغان انكشف الأمر في دعم الانفصاليين الأكراد لإحداث الفوضى المسلحة المرهقة في تركيا وفي إيران تم الدفع بمجموعات مسلحة في مناطق حدودية تقوم بأعمال عنف محاولة تشكيل بؤرة لتفجيرات واسعة وتوجيه ضربات الكترونية لمفاعلات إيران النووية ومصانعها الحيوية، مع اشتداد الحصار الشامل عليها من قبل المؤسسات الأمريكية مرفوقة بحزم من العقوبات المتلاحقة، وفي ظل هذا التوجه تم استدعاء قوى مسلحة معارضة تتخذ قياداتها من عواصم الغرب مستقرا لها.. والآن يرتفع الصوت في البيت الأبيض لتحريض الهندوس ضد المسلمين في الهند الأمر الذي يؤذن بحرب أهلية وخيمة النتائج وافتعال مجدد لقضية كشمير ودعم الهند ضد باكستان والتهديدات ضدها من قبل الإدارة الأمريكية رغم ما قدمته من خدمات جليلة للقوات الأمريكية في أفغانستان، ولقد سمحت الأجهزة الأمنية الباكستانية ضمن تنسيق استراتيجي امني مع الأمريكان لوجود قواعد أمنية للأمريكان في المنطقة ومشاركتهم في ملاحقة طالبان واحتلال أفغانستان بل وتقديم العون في كل المجالات للأمريكان .
توجد الآن ثلاث دول إسلامية كبيرة في دائرة الاستهداف بعد أن اقتنعت الإدارة الأمريكية بأنها انتهت من تفتيت الفعل العربي والقدرة العربية والاحتمال العربي.. ثلاث دول إسلامية كبيرة حساسة عملت على التفاعل في جوهر التحدي الحضاري بالحصول على التكنولوجيا والصناعة سبق وان تعرضت لموجات من التغريب والعلمنة القهرية عقودا، ولكنها تمكنت مع الزمن الى إحداث تراكم قوة في مجالات عديدة منها الصناعي والمعرفي والاقتصادي والسياسي فلقد تمكنت باكستان من صناعة القنبلة الذرية والصناعات الثقيلة، كما تمكنت إيران من انتزاع حقها في مفاعلات نووية رغم التعثر وأنشأت مجمعات صناعية لاسيما عسكرية مثيرة، وتمكنت تركيا من إحداث قفزات اقتصادية وصناعية هائلة واستطاعت ان تعزز خياراتها في الانتماء إلى الأمة.. بالإضافة إلى دول ناشطة على سلم التطور كماليزيا .
تعود الإستراتيجية الأمريكية من جديد الى مواجهة خطرين حقيقيين الخطر الأول في كوريا الشمالية والصين وروسيا، وهذا يعيد الحرب الباردة من جديد وهو يمثل خطرا امنيا استراتيجيا في مواجهة الإدارة الأمريكية ورأس المال الأمريكي، والخطر الثاني تحرك الدول الإسلامية الثلاث إلى أخذ أدوار إقليمية أساسية ومحاولاتها لأن تكون هي من يقرر مصير المنطقة وخريطتها السياسية وهنا ترتفع حدة التصادم مع الإدارة الأمريكية التي تفرض نوعا من التنسيق والتعاون بين الدول الثلاث لمواجهة أخطار حقيقية تستهدفها جميعا هذا من ناحية وتنسيق استراتيجي مع الروس والصين من ناحية أخرى ويبدو أن كثيرا من هذا التنسيق اخذ في البروز رغم التباينات في الرؤية الإقليمية لكل منها.. فالتنسيق بينها هو ما يمكن أن يحمي كلا منها كما حصل في مواجهة الانقلاب على أردوغان.. وقد يكون مؤتمر كوالا لامبور الاقتصادي لهذه الدول إشارة التقطها الأمريكان بدقة.
ينبغي ان لا يغفل المتابع عن الاختلافات التي بدأت في التشكل بين السياسات الأمريكية والأوربية كما تجلى ذلك في موضوع القدس وموضوع كوبا وحلف الناتو والتعامل مع ملفات الجنوب، وسوى ذلك من عناوين للقضايا الدولية.. لكن لا يمكن أن تنتقل أوربا إلى المعسكر الآخر كما صرح ماكرون الرئيس الفرنسي..
بعد أن تم تكسير الموقف العربي يصار الآن إلى تكسير الدول الإسلامية المحورية: تركيا إيران باكستان.. فهل يكون غير العرب من المسلمين أوعى وأكثر إحاطة من الساسة العرب فيفشلون المخطط الأمريكي .
– خطوة إلى الأمام :
يشير المشهد بوضوح إلى منطقة الحرائق المتمثلة بالوطن العربي التي أثاروا فيها كل الأزمات بكل عناوينها.. وقد جروا إليها إيران وتركيا لتحترق أياديهما فيها وبالفعل لحق بهما خسارات كبيرة كما أسهما في تعفين المشهد السياسي في المنطقة العربية بغض النظر عن النوايا..
ويشير المشهد إلى أن تركيا وإيران وباكستان ومعها ماليزيا تمثل كتلة كبيرة إسلامية -كما تجلى في مؤتمر كوالالامبور الاقتصادي- يمكن أن تصنع رافعة للعالم الإسلامي وتخفف من الضغط على العرب، وتتقدم خطوات بعيدة نحو تشكيل حزام أمني للمنطقة العربية، ولكن هذا لن يكون إلا بإدراك استراتيجي من قبل هذه الدول بقيمة الوجود العربي في مركز مشروع النهضة الحضارية لامتلاك العرب الطاقة والثروة والموقع الاستراتيجي المتفرد .
صحيح أنه لا يوجد حاليا دولة عربية يمكن أن تتقدم بالنيابة عن العرب لإيجاد تفاهمات إستراتيجية مع الكتلة الإسلامية الكبيرة المكونة من الدول الثلاث وهذا ما يغري بعضها كالجارتين تركيا وإيران إلى التدخلات السافرة في الشأن الداخلي العربي الأمر الذي يؤدي الى الاستنزاف والتعقيد .. ولعل الجارين الكبيرين وصلا إلى نتيجة أن أسلم الطرق الابتعاد عن إثارة الحساسيات القومية والطائفية والذهاب رأسا إلى المصلحة العليا للأمة ولكل بلد وهكذا نكون قد اهتدينا إلى أول الطريق لتشكيل قوة عربية إسلامية تستطيع وضع آليات الردع أمام التغول الأمريكي والطمع الروسي والاكتساح الصيني وأهم هذه الآليات تلك المتعلقة بالاقتصاد والاستيراد والتصدير والتكامل بين الدول الإسلامية والعربية والله غالب على أمره .