#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
-“أنا كامرأة بطبخ وبنظف وبرتب وبدرّس الولاد وبشتغل خارج المنزل…يا ريت كان عندي اكتر من إيدتين كنت عملت أكتر من هيك بكتير”.
-“مش وحدك هيك أنا كرجل كمان بقدر أعمل كذا شغلة مع بعضها”.
هذا الحوار العفوي الكلاسيكي يدور بين أغلبية الرجال والنساء، فالمرأة تعتبر نفسها دوماً أفضل من الرجل في القيام بمهامٍ متعددةٍ، وذلك يعود إلى نجاحها في تدبير شؤون المنزل، مع ما يتطلبه ذلك من جهدٍ وتعب، بالإضافة إلى عملها في الخارج، في حين أن الرجل يصرّ دوماً على أنه قادر بدوره على إنجاز عدّة أمور في الوقت نفسه.
والواقع أنه بعدما استطاعت المرأة فرض نفسها في ميدان العمل، ازدادت المسؤوليات الملقاة على كاهلها، فهي، وإن بدا ذلك بصورةٍ هزليةٍ، تحرك المقلاة في يد وتجيب على بريدها الإلكتروني بيدٍ أخرى وتسمع هموم زوجها وتلعب مع أولادها…. فهل هذا يعني أن الأنثى بتكوينها البيولوجي قادرة على القيام بأكثر من مهمةٍ في آنٍ معاً، في حين أن الرجل بطبيعته يفتقر إلى هذه الميزة؟
لا فرق بين الجنسين
لطالما قيل إن المرأة أفضل من الرجل في إتمام مهامٍ متعددةٍ، غير أن العلم دحض هذه النظرية، إذ كشفت دراسةٌ صادرة عن جامعةٍ ألمانية أن هذا الاعتقاد الكلاسيكي المنتشر على نطاقٍ واسعٍ يفتقر إلى أي أساسٍ علمي.
ففي الدراسة التي نشرت في PLOS One والتي شارك فيها 48 رجلاً و48 امرأة، طلب الخبراء من المشتركين أن يحلّوا مهاماً بسيطة لكنها مختلفة في غضون فترةٍ زمنيةٍ قصيرة، وفي بعض التجارب طُلب من هؤلاء الانتباه إلى مهمتين في وقتٍ واحدٍ (المهام المتعددة المتزامنة) في حين أنه في بعض التجارب الأخرى كان يتعيّن عليهم تبديل الانتباه بين المهام (المهام المتعددة المتسلسلة).
المرأة تعتبر نفسها دوماً أفضل من الرجل في القيام بمهامٍ متعددةٍ، وذلك يعود إلى نجاحها في تدبير شؤون المنزل، مع ما يتطلبه ذلك من جهدٍ وتعب، بالإضافة إلى عملها في الخارج والرجال لا يعانون من “عمى الأوساخ” إذ بإمكانهم رؤية الفوضى وقلة النظافة تماماً كالنساء، غير أنهم ببساطة أقل عرضةً لسماع الانتقادات.
وبعدما قام الباحثون بقياس وقت رد الفعل والدقة بالنسبة إلى تجارب تعدد المهام تبيّن لهم أن القدرة على القيام بأعمالٍ متعددة غير مرتبطة بجنسٍ معيّن، إذ لاحظ الخبراء أنه ليس هناك أي فرقٍ بين الجنسين في القيام بهذه المهام.
والواقع أنه سبق وأن أظهرت دراستان أن غالبية المشتركين كانوا مقتنعين بوجود فروق بين الجنسين في تعدد المهام، وأن 80٪ على الأقل من هؤلاء قد عزا قدرات النساء على تعدد المهام بشكلٍ أفضل من الرجال، لكن الدراسة الجديدة التي قادتها باتريسيا هيرش لا تؤكد الصورة النمطية المنتشرة لصالح النساء.
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت هيرش: “إن الاعتقاد السائد على نطاقٍ واسع بأن النساء يتفوقن على الرجال لناحية القيام بمهامٍ متعددةٍ، هو بسبب ممارسة وظائف واسعة النطاق، مثل تربية الأطفال وإدارة شؤون الأسرة أو العمل خارج المنزل”.
واللافت أن هذه الدراسة تعتمد على مجموعةٍ من الأبحاث التي تُظهر أن أدمغة البشر غير قادرة على القيام بأنشطةٍ متعددة في وقتٍ واحد، فعندما يكون هناك تشابه في مهمتين، فإنهما تتنافسان على استخدام الجزء نفسه من الدماغ، مما يجعل تعدّد المهام أمراً صعباً للغاية، غير أن الدماغ البشري يجيد التبديل بين الأنشطة بسرعةٍ كبيرة، ما يجعل الناس يعتقدون بأنهم يقومون بمهامٍ متعددةٍ في حين أنه في الحقيقة فإن الدماغ يعمل على مهمةٍ واحدةٍ في وقتٍ معيّن.
وفي هذا الصدد يمكن القول إن البشر ليسوا مثل القطط أو الكلاب أو حتى القرود عندما يتعلق الأمر بالتحكم بكيفية استجابة الدماغ، فهذه المهارة قد تطورت لمساعدة الجنس البشري (والذي لطالما كان معرضاً للخطر) على القيام بأشياءٍ صعبةٍ، كصيد الحيوانات الأكبر والأقوى منه، والانتباه إلى كل ما يدور حوله في الوقت نفسه.
وتعليقاً على هذه النقطة، يقول عالم الأعصاب دانيال ويزمان لموقع npr: “كصيادين، كان يتعيّن على البشر البحث عن شيءٍ ما وتتبع مكان وجود أصدقائهم”، مشيراً إلى أن القيام بهذه المهام لم يكن ممكناً من دون النظام التنفيذي للفص الجبهي، والذي جعل البشر يهيمنون على هذه الأرض ويبالغون في تقدير قدراتهم لجهة التعامل مع مهامٍ متعددة.
الواجبات المنزلية
في معظم الأحيان، يدخل الرجل المنزل ويتجوّل في الغرف من دون أن تلتقط عيونه كمية الغبار التي تتجمع على الأرض أو أكوام الغسيل المكدّسة على الأريكة، في حين أن المرأة يصيبها الدوار حين ترى الفوضى وقلة النظافة، فهل لدى النساء رادار معيّن يرصد الأوساخ في حين أن الرجال غير قادرين من الناحية الجينية على رؤية الفوضى وقلّة النظافة؟ وهل هذا يعفي الذكور من القيام بالمهام المنزلية؟
أكدت دراسة حديثة أن الرجال لا يعانون من “عمى الأوساخ” إذ بإمكانهم رؤية الفوضى وقلة النظافة تماماً كالنساء، غير أنهم ببساطة أقل عرضةً لسماع الانتقادات.
فبالرغم من الإنفتاح والسعي لإزالة الفوارق بين الجنسين، إلا أن المرأة لا تزال تستأثر بحصةٍ أكبر من الأعمال المنزلية مقارنةً بالرجل، بحيث تقضي في المتوسط حوالي ساعة و20 دقيقة يومياً في الطهي والتنظيف وغسل الملابس، في حين أن الرجل يقضي حوالي نصف ساعة في هذه المهام.
وبالعودة إلى ما أكده العلم لجهة أن القدرة على القيام بأعمالٍ متعددة غير مرتبطةٍ بجنسٍ معيّن، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نستمر في مطالبة المرأة بالقيام بعدة مهامٍ في وقتٍ واحد، سواء كان ذلك داخل أو خارج المنزل؟
تشير الناشطة النسوية نادين مظلوم إلى أنه في مجتمعاتنا العربية بشكلٍ خاص يُطلب دوماً من المرأة أن تتصرف وفق إملاءاتٍ معيّنةٍ يفرضها المجتمع الذي تعيش في كنفه، ما يجعلها مُجبرة على العمل أكثر من الرجل لإثبات نفسها.
إلا أن مظلوم أوضحت أن هذا الجهد الجبار الذي تبذله المرأة، سواء داخل أو خارج المنزل، لا يعني بأنها متفوّقة على الرجل بل هو “دليل قاطع على أن هناك ضغوطات اجتماعية تعود إلى سنين طويلة ومتوارثة عن الأجيال السابقة، ومن الصعب بالتالي على الأنثى أن تخرج من هذه الدوامة”، بحسب ما أكدته.
وشددت نادين على الدور الكبير الذي تلعبه المرأة لجهة تقسيم الأدوار بينها وبين شريكها وإرشاد الرجل عمّا يجب عليه القيام به، في سياق ما يُعرف ب Emotional labor (العمل العاطفي)، أي عملية إدارة المشاعر لتلبية الاحتياجات الخاصة بالوظيفة، كاشفةً أن معظم النساء يتعبن من مسألة توزيع الأدوار ويقررن بالتالي القيام بالمهام بأنفسهنّ عوضاً عن طلب ذلك من الشريك: “تا تجي مثلاً المرأة وتفسر للشخص الثاني شو بدو يعمل بتكون عملت الشغلة وخلصت منها…”، على حدّ قولها.
وبمعزل عن مسألة تعدد المهام والمسؤوليات الكبيرة التي ترزح تحت ثقلها النساء، كشفت مظلوم أن المرأة تقوم بالعديد من أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، بما في ذلك تربية الأطفال والاعتناء بأفراد الأسرة المرضى والطبخ والتنظيف…وهي أعمال لا تُحتسب ضمن الناتج المحلي وتبقى غير مرئية: “هيدي الأعمال حقها مصاري وبتوفر على الدولة كتير مصاري على حساب تعب المرأة وصحتها النفسية”.