#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– بسم الله الرحمن الرحيم ، قال تعالى : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } الحج 32.
– الشعيرة هي العلامة كعلائم الإسلام مثل الاذان ويقول العلامة الطبرسي (رحمه الله) في تفسير مجمع البيان أن شعائر الله (معالم دين الله والاعلام التي نبضها الطاعة، هذا الكلام بصورة مجملة عن الشعائر أي شعيرة كانت .
– وإذا كان المتحدث عنه في هذه الآية الشريفة عن مناسك الحج التي تذكرنا بالله سبحانه وتعالى وان كان بعض العلماء يحتمل أنها تشمل غير هذا المعنى فتحدث هذه الآية عن مسألة الأضحية والتي استبدتها الآية من شعائر الله.
– وسواء اختصت هذه الاية بهذا المعنى أم تختص به فإنها تحتوي على مظلمة شمولية يشمل جميع الشعائر الاسلامية، ولا دليل على اختصاصها فقط في مسألة الأضحية.
– والدليل على ان هذه الآية ليست وحدها من شعائر الله ، انه تبارك وتعالى يقول في أية أخرى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) البقرة 158 فمعنى هذه الآية هو معنى اوسع يشمل غير ما قصد من هذه الآية الشريفة كما قال صاحب تفسير الأمثل والميزان.
– ويمكن ان يقال بأن شعائر الله سبحانه تشمل جميع الأعمال الدينية التي تجعل الإنسان يتذكر الله سبحانه وعظمته، وان إقامة هذه الأعمال بصورة عامة تكون دليلاً على تقوى الله وتقوى القلوب.
– ثم التعظيم الذي ذكرته الآية المباركة من عناوين القصد والنية، لا من الأعمال الظاهرية لأنه لو كان بحسب الظاهر يمكن ان يقول به الكثير من المنافقين بالتظاهر في تعظيم شعائر الله، إلا ان ذلك لا قيمة له، لأنه لا ينبع من تقوى الله ، فإن مركز التقوى وجوهر اجتناب المعاصي والشعور بالمسؤولية إزاء التقاليد الإلهية يكون من قلب الانسان وروحه ومن قلبه يظهر على جسده.
ويقول العلامة الطبرسي إضافة التقوى الى القلوب لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب.
– وقيل اراد صدق النية، وليس فقط بحسب الظاهر وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله) ((التقوى ها هنا واشار الى صدره المبارك)) كما ورد في تفسير القرطبي هذه الآية الشريفة.
– وكما في الأمالي للشيخ الطوسي ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال لأبي ذر يا أبا ذر أن الله تبارك وتعالى لا ينظر الى صوركم ولا الى اموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم، يا ابا ذر التقوى ها هنا وأشار الى صدره المبارك.
ويقول الشيخ الطوسي في التبيان وقوله تعالى: ((فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)) الحج 32 فالكناية في قوله تعالى (فأنها) تعود الى التعظيم فأن التعظيم هذه الشعائر من تقوى القلوب، أي من خشيتها.
– وعلى اي حال فتارة تكون هذه الشعائر مذكورة ومحددة من قبل الشارع المقدس ومن قبل الله تعالى كما في الآية الشريفة التي نحن بصددها أو الآية الاخرى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) البقرة 158.
– وتارة لم تكن محددة، وتحديد الشارع لبعض المصاديق من الشعائر لا يغني رفضه للمصاديق الاخرى التي لم يحددها اطلاقه للفظ الشعيرة يكون بانطباق هذا للفظ أو المفهوم على أكثر مورد ويحمل معنى العلامة والدلالة.
– كما انه لا يعني انه قد وردت آية أو آيتين في الحث على الشعائر الآية الكريمة التي تقول: ((قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) الشورى 23. تدل على ذلك ايضاً فالمودة تفيد الفرح لفرح المودة الذين هم آل محمد (عليهم السلام) والحزن لحزنهم، فهو أمر لابد من تحققه، إلا لم تحقق هذه المودة.
– ومن مودة القربى لأهل البيت هو أقامه الشعائر الحسينية وخصوصاً هي المعلم الابرز لأقامه والتذكير بتعاليم الدين الاسلامي، فلا يعترض على اقامتها، فأنه لا فرق بين أقامتها من قبل شيعة أهل البيت وبين أقامه اوصياء ذكرى ولادة رسول الله (صلى الله عليه واله) من قبل غير مذهب الامامية –الا الشاذ منهم – من اعتبار احياء المولد النبوي المبارك أمراً حسناً وايجابياً رغم انه لم يرد ما يدل على احيائه بصورة خاصة دليل من الشرع.
– إلا أن المذاهب الاربعة فضلاً عن مذهب اهل البيت – لم يتركوا الاحتفال بهذه المناسبة الكريمة، لان الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه واله) يحمل معاني الاحترام والتبجيل والتقدير لشخص النبي (صلى الله عليه واله) وهذا يعتبر تعظيماً للدين ويكون مولده شعيرة من الشعائر، لذلك تكون اي شعيرة من الشعائر مباحة في نفسها لأنه لا دليل على حرمتها.
– فنرجع ونقول اقامة الشعائر الحسينية يكون من هذا القبيل، لأنه لم يرد تحريم لها من قبل الشارع المقدس على اقامتها، فأن الحرمة عن هذه الشعائر لا تكون الا إذا ورد تحريم من الشارع لها، ولا تحريم فلا حرمة من اقامتها.
– فإقامة عاشوراء بصورة خاصة وغيرها مما يرد تحريم لها هي مباحة في نفسها، هذا كله مع غض النضر عن الأحاديث والروايات التي وردت حتى من غير مذهب الامامية على قضية الحسين فكيف إذا نظرنا الى ما ورد عن الحسين (عليه السلام) كما هو متواتر في كتب العامة (الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة) كما في مسند احمد بن حنبل وابن ماجة وسنن الترمذي والسنن الكبرى والدر المنثور وغيرها الكثير.
– فكيف لا تحيا هذه الشعائر بالبكاء على الحسين والنوح عليه والتذكير مصابه (روحي فداه) وقد قال الطبري في تفسيره عن قرة بن خالد قال: (ما بكت السماء على أحد إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي، وبكائها احمرارها، كذلك ورد في الدر المنثور وغيرهما.
– فنحن عندما نحيي هذه الشعيرة العظيمة ليس فقط لأنها لم يأت ولم يرد نهي عنها بل لأن المعصوم فعل ذلك.
فان كتب الفريقين قد نقلت لنا الكثير من الاخبار التي دلت على أن النبي(صلى الله عليه واله) أقام مراسيم العزاء والندبة على ولده سيد الشهداء وبشكل متواصل وفي أزمنة مختلفة واماكن متفرقة .
– وقد جمع العلامة الامين (اعلى الله مقامه) المجالس التي عقدها النبي (صلى الله عليه واله) من مصدر العامة ومع حضور أصحاب النبي (صلى الله عليه واله) من المهاجرين والانصار – فكانت اثنتي عشر مجلساً- وكان أولها مجلس عقد في يوم ولادة الحسين (عليه السلام)فرثاه النبي (صلى الله عليه واله) بصورة وبطريقة صور فيها الحديث بكل التفاصيل مما اثارت عواطف الاصحاب, فلم يرُ منهم الا الباكي والنادب, وقد ضج المسجد بالبكاء, فكان يوماً عظيماً لم يعلم بمثله من قبل وكيف لا يكون كذلك, والناعي هو سيد البشر رسول الله (صلى الله عليه واله).
– يقول العلامة الأميني: ولم تسمع اذن الدنيا قبل هذا ان ينعقد المولد غير مولد الزهراء الصديقة في بسيط الارض مأتم حين ولدته أمه بدل من حفل السرور والحبور والتباشير، لم يقرع قط سمعاً نباء وليد نعي به منذ استهلاله، حين قدم مستوى لوجده بدل نشيد النهائي ويذكر أول ساعة حياته مقتله ومصرعه.
– فكيف لا نتأسى نحن بالنبي (صلى الله عليه واله) وكذلك بالمعصومين (عليهم الصلاة والسلام اجمعين) فهذا الامام موسى ابن جعفر (عليه السلام) يقول كان ابي أذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب على وجهه حتى تمضي عشرة أيام وفي اليوم العاشر يكون ذلك اليوم يوم مصيبة وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين.
– وكان الامام جعفر الصادق (عليه السلام) يطلب من الشعراء أن يرثوا الحسين باجادت قرائهم، وكان يأمرهم أن نشيد والصوت حزين، فإذا حضر الراثي ضرب ستراً لعياله وأجلسهم خلفه وكان الامام الصادق يشجع الشعراء على نظم الشعر في الحسين بأقواله الكثيرة، فيقول: (ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به الا اوجب الله له الجنة وغفر له).
كان الامام الصادق إذا مرت عليه مصيبة يتذكر مصيبة الحسين (عليه السلام) ويذكر بها اصحابه واخذت يوم أمر المنصور الدوانيقي عامة على المنية أن يحرق على أبي عبد الله الصادق دارة فجأوا بالحطب فوضعوه على باب الامام وأضرموا فيه النار فلما اخذت النار ما في الدهليز تصايحت العلويات داخل الدار وارتفعت أصواتهن ، فخرج الامام وعليه قميص وازار وأخذ يطفئ الحريق حتى قضى عليها، وبعد ذلك دخل عليه بعض شيعته فوجدوه حزيناً باكياً فقالوا له لماذا أخذ التأثر والبكاء أمن الجرأة عليكم أهل البيت وليس منهم بأول مرة .
– فقال الامام الصادق : لما أخذت النار ما في الدهليز نظرت الى نسائي وبناتي يتراكضن في صحن الدار من حجرة الى حجرة ومن مكان الى مكان هذا وأنا معهن في الدار فتذكرت فرار عيال جدي الحسين (عليهم السلام) يوم عاشوراء من خيمة الى خيمة ومن خباء الى خباء والمنادي ينادي أحرقوا بيوت الظالمين .