ناصر کنعانی : المعادلات الاستراتیجیة فی منطقة غرب آسیا شهدت تحولات جذریة

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– قال المتحدث باسم وزارة الخارجیة الإیرانیة، ناصر کنعانی إن المعادلات الاستراتیجیة فی المنطقة تغیرت لصالح فلسطین وشعبها وفصائل المقاومة بعد طوفان الأقصى، وإسرائیل لن تعود إلى ما قبل طوفان الأقصى.

و صرح کنعانی، إن التحول الأهم الذی أحدثته عملیة “طوفان الأقصى” فی قضیة فلسطین هو إعادة تصنیفها کأهم قضیة إقلیمیة ودولیة. بعبارة أخرى، أعادت عملیة “طوفان الأقصى” القضیة الفلسطینیة، التی کان الکیان الصهیونی وحلفاؤه یسعون فی السنوات الأخیرة إلى تصویرها کقضیة منسیة ضمن مخططات التسویة المختلفة، إلى الواجهة کقضیة أولى ذات أولویة على الصعیدین الإقلیمی والدولی.

وقال کنعانی فی مقابلة صحفیة مع وکالة تسنیم: لم یعد أحد الآن یعتبر القضیة الفلسطینیة قضیة منتهیة أو منسیة ضمن مخططات التسویة أو تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی. لم یعد أحد یرى أن القضیة الفلسطینیة بلا تأثیر على المعادلات الاستراتیجیة الإقلیمیة والدولیة. کما لم یعد من الممکن الاعتقاد بأنه یمکن حل القضیة الفلسطینیة فی إطار مفاوضات التسویة بین الکیان الصهیونی الغاصب وبعض الدول الإقلیمیة تحت إشراف أمریکا، مع تهمیش الدور الفلسطینی وکأنه غیر مؤثر.

“طوفان الأقصى” أظهرت أولاً أن القضیة الفلسطینیة لا تزال حیة. ثانیاً، أن الشعب الفلسطینی شعب حی ومقاوم، وثالثاً أن هذا الشعب لا یزال قادرًا على تحدید مصیره بنفسه، والوقوف فی وجه التیار الذی یبدو أنه السائد إقلیمیًا ودولیًا، وتغییر مسارات هذه التحولات بما یتناسب مع مصیر القضیة الفلسطینیة.

قبل “طوفان الأقصى”، کان التقییم أن القضیة الفلسطینیة یمکن حلها فی إطار مخططات التسویة، وأن الکیان الصهیونی هو کیان غاصب ولکنه حقیقة واقعة على الأرض، وأن دولًا مثل أمریکا وبعض الأطراف الأوروبیة یمکنها، کداعمین دولیین للکیان الصهیونی، هندسة حل القضیة الفلسطینیة ضمن هذه المخططات. لکن “طوفان الأقصى” أثبتت أن القضیة الفلسطینیة لا یمکن حلها فی إطار التسویات، وأن حقوق الشعب الفلسطینی المشروعة لا یمکن تجاهلها أو حلها على طاولة المفاوضات لصالح الکیان الصهیونی الغاصب.

لذلک، أعادت “طوفان الأقصى” القضیة الفلسطینیة إلى صدارة القضایا الإقلیمیة والدولیة، وأعطتها زخما جدید. کما رفعت من مکانة فصائل المقاومة الفلسطینیة، التی کانت تُصنَّف من قبل نظام الهیمنة کحرکات إرهابیة، إلى حد أن دولًا مثل أمریکا باتت تُقر بأن القضیة الفلسطینیة لا یمکن حلها دون الاعتراف بمکانة فصائل المقاومة، التی تمثل الشعب الفلسطینی الحقیقی، ولا یمکن هندسة الحل بالشکل الذی ترغب فیه تلک الدول.

لقد تغیرت الموازین الاستراتیجیة المتعلقة بالقضیة الفلسطینیة، وکذلک المعادلات الاستراتیجیة فی المنطقة بعد “طوفان الأقصى” بشکل یجعل العودة إلى ما کانت علیه قبلها مستحیلة. وبناءً على ذلک، أکد قائد الثورة الإسلامیة بدقة ورؤیة تحلیلیة أن عملیة “طوفان الأقصى” فرضت هزیمة غیر قابلة للترمیم على الکیان الصهیونی الغاصب.

على مدى الأشهر الأحد عشر الماضیة، ورغم کل الجرائم التی ارتُکبت ضد الشعب الفلسطینی المظلوم، وتحدیداً فی قطاع غزة، شهدنا بوضوح مدى التلاحم العمیق بین الشعب، المواطنین، وفصائل المقاومة الفلسطینیة. ومن المثیر للاهتمام أن استطلاعات الرأی التی أُجریت، لیس فقط فی قطاع غزة بل حتى فی الضفة الغربیة، أظهرت أن شعبیة الفصائل المقاومة، مثل حرکة حماس والجهاد الإسلامی، ارتفعت بشکل ملحوظ مقارنةً بما کانت علیه قبل عملیة “طوفان الأقصى”. وهذا یعکس أن النهج الأساسی للشعب الفلسطینی هو المقاومة فی مواجهة الاحتلال.

النقطة الأخرى المهمة هی أن فصائل المقاومة أظهرت تفوقاً استراتیجیاً على الکیان المحتل. فقد بدأ الکیان الحرب ضد قطاع غزة بعد عملیة “طوفان الأقصى” بأهداف معلنة، منها القضاء على حماس، وتدمیر الأنفاق التی أنشأتها المقاومة فی غزة، والإفراج عن الأسرى الذین تحتجزهم فصائل المقاومة والشعب الفلسطینی. وعلى الرغم من جمیع الجرائم والقدرات التی وظفها الکیان المحتل فی المیدان، وکذلک کل الدعم العسکری والاستخباراتی والأمنی والسیاسی والدولی الذی تلقاه من نظام الهیمنة بقیادة الولایات المتحدة، فإن أیاً من الأهداف المعلنة للکیان المحتل لم یتحقق حتى الآن.

لولا التدخل الفوری لأمریکا فی غرفة العملیات العسکریة وإدارتها السیاسیة والأمنیة للکیان الصهیونی فی تل أبیب، لکان الکیان الصهیونی قد انهار تماماً بعد عملیة “طوفان الأقصى”

فیما یتعلق بالعملیة العسکریة التی شنها الکیان الصهیونی ضد قطاع غزة على مدار الأحد عشر شهراً الماضیة، لا شک أن أمریکا کانت شریکاً أساسیاً فی فرض هذه الحرب على الشعب الفلسطینی المظلوم. لولا التدخل الفوری لأمریکا فی غرفة العملیات العسکریة وإدارتها السیاسیة والأمنیة للکیان الصهیونی فی تل أبیب، لکان الکیان الصهیونی قد انهار تماماً بعد عملیة “طوفان الأقصى”.

الدعم الکامل الذی قدمته الولایات المتحدة للکیان الصهیونی فی المحافل الدولیة، بما فی ذلک مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وخاصة فی منع تمریر قرارات لوقف إطلاق النار، یُظهر بوضوح أن الولایات المتحدة لعبت دوراً رئیسیاً لیس فقط فی بدء الحرب واستمرارها، بل فی إدارتها أیضاً. وبالتالی، تتحمل الولایات المتحدة جزءاً من نتائج الحرب. إذا کان الکیان الصهیونی قد تکبّد هزیمة استراتیجیة، وهو أمر مُسلَّم به واعترف به جمیع الخبراء الواقعیین، فإن الولایات المتحدة أیضاً شریکة فی هذه الهزیمة.

المؤسف أن الحکومة الأمریکیة ضحت بسمعة الشعب الأمریکی وأموال دافعی الضرائب الأمریکیین لصالح الکیان الصهیونی الغاصب. التظاهرات التی شهدتها الشوارع والمیادین والجامعات الأمریکیة من الأکادیمیین والشباب، والتی نُظمت دعماً للشعب الفلسطینی المظلوم والمطالبة بوقف إطلاق النار، والتی ما زالت مستمرة حتى الآن، تظهر بوضوح أن الحکومة الأمریکیة تقف إلى جانب الکیان الصهیونی الغاصب وضد إرادة الشعب الأمریکی نفسه. لذا، الأمریکیون هم بالتأکید خاسرون فی هذه الحرب، لیس فقط على الصعید العسکری، بل أیضاً على الصعید الأخلاقی.

محور المقاومة الیوم یظهر کقوة نشطة وفعالة، قادرة على التأثیر وإحداث توازن ردع فی مواجهة المخططات والهندسات التی یحاول نظام الهیمنة فرضها.

الکیان الصهیونی لم یعد یواجه فقط الشعب الفلسطینی، بل یقف أیضاً ضد رغبة الشعوب فی المنطقة. من الواضح أن هناک حرکات نابعة من شعوب المنطقة، وتحدیداً فی العراق، سوریا، والیمن، تحمل طابعاً مناهضاً للاحتلال. هذه الحرکات الآن تقف إلى جانب الشعب الفلسطینی فی مواجهة الکیان الصهیونی، کداعم للحق والحریة، وهو ما یوضح کیف تغیرت المعادلات الإقلیمیة.

لم تعد الولایات المتحدة تمتلک القوة أو القدرة على تنفیذ مخططاتها، والمعادلات الاستراتیجیة فی منطقة غرب آسیا شهدت تحولات جذریة.

لقد تغیّر وزن الدول والتحالفات المتعددة، کما ارتفع دور الفاعلین غیر الدولیین، وخصوصاً حرکات المقاومة. والأهم من ذلک هو الدعم الشعبی الکبیر فی المنطقة لهذه الحرکات ومواقفها المناهضة للولایات المتحدة والکیان الصهیونی. نحن الآن أمام واقع جدید بعناصر ومؤشرات جدیدة فی هیکلیة القوة بالمنطقة.

الشعب الیمنی یتمتع بالقدرة اللازمة لتحقیق إرادته واستهداف المصالح الاستراتیجیة للکیان الصهیونی

شعب الیمن أظهر موقفاً مشرفاً وقویاً فی دعمه للشعب الفلسطینی المظلوم. على الرغم من السنوات الصعبة التی مر بها، لا یزال الشعب الیمنی یثبت شجاعته وقوته فی دعم القضیة الفلسطینیة. حکومة الإنقاذ الوطنی فی الیمن، بقیادة حرکة أنصار الله، أعلنت بوضوح أنه طالما استمر الکیان الصهیونی فی حربه العدوانیة ضد الشعب الفلسطینی، فإن المصالح والأهداف التابعة للکیان الصهیونی فی المنطقة ستکون مستهدفة. وقد أظهروا عملیاً قدرتهم على تنفیذ هذا القرار. هذه الحقیقة أثبتت أن الشعب الیمنی وحکومة الإنقاذ الوطنی، وخصوصاً أنصار الله، یتمتعون بالقدرة اللازمة لتحقیق إرادتهم واستهداف المصالح الاستراتیجیة للکیان الصهیونی.

الأمر لا یقتصر على الیمن فقط، بل فی لبنان والعراق نرى نفس الوضع. على الرغم من الحصار الشامل الذی یفرضه الکیان الصهیونی على قطاع غزة الضیق والصغیر، فإن هذا الکیان یجد نفسه الآن فی حصار إقلیمی أوسع من قبل حرکات المقاومة فی لبنان والیمن والعراق. کما أن الضغوط الدولیة المتزایدة من الرأی العام والحکومات على الکیان الصهیونی تضیف إلى هذا الحصار. کل هذه التطورات تشیر إلى ظهور وضع جدید وتوازن جدید فی المنطقة.