” الترامبية بوصفها ظاهرة سياسية ” بقلم : الدكتور خلف المفتاح – مدير عام مؤسسة القدس الدولية – سورية

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

– بعد فترة حكم استمرت دورة كاملة في الرئاسة الأميركية عنوانها دونالد ترامب ثم خسارة للانتخابات الرئاسية عام 2020 لم يتقبلها الرئيس المغادر للبيت الأبيض حيث خرج على كل قواعد السلوك السياسي الأميركي والمتمثلة بتهنئة القادم الجديد تمرد الرئيس المهزوم بالانتخابات واعتبرها مزورة وحرض مناصريه على اقتفاء اثره في رفضه هذا معلنا” أنه سيعود الى البيت الرئاسي الذي اخرج منه ولم يتوقف عن مهاجمة الادارة الأميركية التي يمثلها الرئيس الديمقراطي جو بايدن ويتهمها بإضعاف صورة أميركا في العالم ومع تعرضه لمحاكمات أمام المحاكم باتهامه بقضايا مالية وجنائية وصدور احكام عليه إلا أنه لم يتوقف عن سلوكه الاتهامي هذا واستطاع أن يتغلب على منافسيه في اختيار الحزب الجمهوري لمرشحه لانتخابات الرئاسة التي ستجري في تشرين الثاني من هذا العام بمواجهة مرشح الحوب الديمقراطي الحاكم مع نجاته من محاولة الاغتيال التي تعرض لها قبل اسبوع ازدادت شعبيته حسب استطلاعات الرأي العام والتي كانت قد سبقتها مناظرته الرئاسية مع الرئيس بايدن والتي اظهر فيها تفوقا” واضحا” على الرئيس العجوز ما أربك اعضاء الحزب الديمقراطي حيث بدأ الحديث يتركز حول اهمية اختيار مرشح بديل عن بايدن لمنافسة ترامب في الانتخابات القادمة لجهة تكريس قناعة عند اغلبية قيادات الحزب الديمقراطي بأن ترامب سيفوز على بايدن في المنازلة القادمة ومن مصلحة الحزب اختبار بديل عنه مع اصرار بايدن على انه قادر على هزيمة ترامب وأن استطلاعات الرأي العام غير دقيقة .

وبالعودة للعنوان الترامبية بوصفها ظاهرة سياسية تسعى لابقاء أميركا القوة الاقتصادية والعسكرية الاولى على مستوى العالم ولكن من خلال شعار أميركا أولا ” أن من يحدد السياسات الأميركية هو ساكن البيت الأبيض وهو الذي يجب أن يستفرد بسياساتها وقراراتها الكبرى وخياراتها الاستراتيجية فلا ضرورة لتوازن في القوى التي تدير دفة السياسة الأميركية تتوزع بين البيت الابيض والبنتاغون والكونغرس بمجلسيه والمخابرات المركزية الأميركية والمجمع الصناعي والمالي الاميركي ناهيك عن الفلسفة السياسيةالاميركية التي يمثلها المحافظون الجدد ( الشتراوسيون ) كحكومة عميقة .

ومع ذلك كله بدا الرئيس الأميركي السابق ترامب غير آبه في خياراته السياسية بكل تلك الكتل ومراكز القوى الفاعلة التي شكلت خلال أكثر من سبعة عقود ميكانيزم السياسة ألاميركية رغم تداول السلطة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي واذا كان السؤال لماذا تصرف الرئيس السابق ترامب بهذه الطريقة التي فيها خروجا عن المألوف فثمة اسباب عديدة تقف وراء ذلك منها انها جاء من خارج حلبة السياسة ومن عالم رجال الأعمال الذي يشكل المال لديه الهدف الاساسي الذي يتقدم على الاهداف الاخرى انطلاقا من القناعة أن اميركا شركة عملاقة وإن قوتها الاساسية ناتجة عن فائض قوتها الاقتصاديةوسلاحها الاساسي هو الدولار بوصفه العملة الدولية القابلة للتحويل على مستوى العالم اذا علمنا أن اكبر خمسمائة شركة كبرى في العالم هي شركات اميركية تشكل موجوداتها واصولها إكثر من ستين بالمائة من الناتج الاجمالي العالمي اضافة الى أن الرئيس ترامب نفسه من أكبرالمستثمرين في القطاع المالي الاميركي والعالمي ما مكنه من تشكيل شبكة علاقات مالية عالمية بعضها منظور وبعضها الآخر يعمل بسرية ولعله ليس من قبيل الاسرار أن الرئيس ترامب يملك اكثر اسهم شبكة تويتر العالمية ما جعله يطلق تصريحاته عبرها ما يحقق لها ارباحا هائلة تقدر بعشرات المليارات سنويا الامر الذي أثارحفيظة المؤسسات الاعلامية الشهيرة عليه وهجومها المستمرعلى سياساته واتهامه لها بالكذب والتضليل في غير مرة .

إن مايدفع للحديث عن الترامبية هو العناوين التالية :

١-إن الرئيس السابق والمرشح اللاحق للرئاسة عمل منذ وصوله لسدة البيت الابيض الى جعل السياسة خادمة للاقتصاد فبدأ بفرض الرسوم على الوارادت من الدول الشريكة للولايات المتحدة الاميركية وعلى رآسها جمهورية الصين الشعبية أكبر شريك تجاري لها حيث تشكل صادرات الصين للولايات المتحدة حوالي عشرين بالمائة من مجمل صادراتها ناهيك عن ان الصين تحوز على ما قيمته أكثر من تريليون ونصف مليار من سندات الخزينة الاميركية

٢- ربط الرئيس ترامب المظلة النووية والعسكرية الاميركية لكل من اوربا ودول جنوب شرق اسيا بدفع التكلفة المالية وهو مادفع بحكومات تلك الدول للانصياع لذلك ولاسيما المانيا واليابان وكورية الجنوبية اضافة الى مطالبته لبعض الدول ما يمكن تسميته ( خوة ) مقابل ما ادعاه الحماية العسكرية لها الأمرالذي وفر للخزانة الاميركية مئات المليارات من الدولارات وتعامل مع كثير من الدول على طريقة بلاك ووتر (الحماية مقابل المال) .

٣-كسر القاعدة الاساسية لفكرة العولمة وهي فكرة اميركية فعمل بالحمائية وفرض الضرائب على المستوردات بدل الاسواق المفتوحة ووضع قيودا على الهجرة علما ان الفكرة الاميركية تقوم اساسا على مفهوم الهجرة والبحث عن عالم بلا حدود وتمثال الحرية .

٤- انه أول رئيس أميركي ينفذ كل وعوده الانتخابية للصهاينة فاعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وضم الجولان العربي السوري بما يخالف كل القرارات الدولية وانسحب من اتفاقية المناخ ضاربا عرض الحائط بالارادة الدولية وانسحب من اليونسكو وكذلك من الاتفاقية النووية الموقعة مع ايران والدول الست الأخرى استجابة للرغبات الصهيونية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الاميركية .

٥-إنه اول رئيس اميركي يزور كورية الديمقراطية ويقابل رئيسها ويعلن عن امكانية تطبيع العلاقات معها إن تخلت عن برنامجها النووي في سعي واضح منه لمحاصرة الصين الشعبية التي يرى فيها المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة الاميركية خلال السنوات العشر القادمة

٦- يعتبر الرئيس السابق ترامب اول رئيس اميركي يهاجم الصحافة والاعلام واجهزة المخابرات ووزارة الدفاع البنتاغون في كل مرة لا تستحيب لرغباته وانه يعتمد في قراراته على المقربين منه لا مستشاريه وعلى الرغم من انه من مجتمع رجال الأعمال ألا ان قاعدته شعبوية اضافة الى انه يمثل تياراًانجيلياً قويا يزيد تعداده على ثمانين مليونا حسب معلومات من الداخل الاميركي يعتقد انه سيشكل قاعدته الانتخابية في السباق الرئاسي القادم للبيت الابيض ما يجعل فرص نجاحه لولاية ثانية امرا محتملا جدا .

إن كل ماتمت الاشارة اليه من عناصر تجعل من الحديث عن الترامبية حالة قد تتحول الى ظاهرة سياسية أن قيض لها ان تنجح في ايصال ترامب مرة أخرى الى سدة البيت الابيض وهذا احتمال متروك للمستقبل القريب سيما وأن الانتخابات الأميركية اصبحت قريبة وعلى الأبواب حيث تشير معظم استطلاعات الرأي العام وتوقعات المراقبين الى أن ترامب سيكون هو الساكن الجديد في البيت الأبيض .