#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– عندما يتصدر خطاب سماحة السيد حسن نصر الله اهتمام وسائل الإعلام الصديقة والمعادية المرئية منها أو المقروءة والمسموعة، وتغص المواقع الإخبارية الإلكترونية بالدراسات والقراءات المكرسة لتحليل المضمون والوقوف عند الدلالات والمعاني والرسائل فهذا يعني الاعتراف العلني والرسمي بالمكانة العليا التي تبوأتها المقاومة، وفرضت على الجميع الإقرار بأهميتها، وضرورة وضعها باستمرار على الطاولة في كل مفصل من مفاصل صنع القرار الإستراتيجي الذي يمكن أن يعتمده هذا الطرف أو ذاك، وبخاصة في مثل هذه الظروف الحساسة التي تعيشها المنطقة، والتي يكاد العالم يحبس أنفاسه أمام هول ما قد يؤدي إليه انفجار الأوضاع وخروجها عن السيطرة، وهذا أمر متوقع الحدوث، فعندما تزداد التحشدات العسكرية وتتشابك مدخلات الصورة الميدانية تصبح الأمور مرشحة لنشوب الحرب وامتداد ألسنة لهيبها حتى لو لم تكن الأطراف التي قامت بالتحشيد راغبة بالذهاب إلى الحرب، واستناداً إلى التجارب السابقة للحروب التي تشرف واشنطن على مسارح عملياتها، أو تتدخل بشكل مباشر فيها يمكن القول: إن الرأي العام العالمي آخر ما قد تفكر به الإدارات الأمريكية إذا كانت النتيجة المأمولة من هذه الحرب أو تلك مضمونة النتائج، لكن الخشية من إمكانية الوصول إلى نتائج متناقضة مع المصالح الأمريكية ومع الأهداف التي يتم وضعها ترغم مفاصل صنع القرار الأمريكي على التردد والمماطلة وإطالة أمد الواقع المتشكل لعلها تستطيع مع مرور الوقت تجيير التطورات بما يخدم مصالحها العدوانية المتناقضة بالضرورة مع مصالح أي طرف يرفض الإذعان التام للإرادة الأمريكية المكرسة لخدمة مصالح الكيان المؤقت في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم.
إن حمى التخبط والضبابية التي تحكمت بمخرجات الإعلام الإسرائيلي بعد خطاب سماحة السيد نصر الله في تأبين الحاج القائد أبو طالب بتاريخ 19/6/2024م. تؤكد العجز عن اتخاذ القرار لوضع خاتمة لهذا الفصل الجديد من الحرب المفتوحة والمركبة التي دخلتها المنطقة منذ السابع من تشرين الأول 2023م، فلا القرار بالتصعيد مضمون النتائج، ولا القرار بالنزول عن الشجرة يساعد على ابتلاع التداعيات الإستراتيجية الحتمية المترافقة بتبلور الانكسار فور الإعلان عن الرغبة بالجنوح للتهدئة، وهذا يتطلب التوقف عند العديد من النقاط التي فرضها الخطاب على الجميع، ومنها:
- من حق المتابع العادي أن يتساءل: لماذا يتابع قادة الكيان الإسرائيلي ومسؤولوه السياسيون والعسكريون والأمنيون والإعلاميون خطابات سماحة السيد نصر الله بمثل هذا المستوى من الاهتمام لولا أنهم يخشون القادم من الأيام، ومرد الخشية لا يعود لتفوق في القوى والوسائط لدى المقاومة، ولا لتراجع الدعم الأمريكي والغربي لحكومة نتنياهو، بل لأن النتائج النهائية مجهولة لديهم حتى بمعالمها الرئيسة، وهذا يعني تلقائياً عدم الثقة الكافية بالنفس، والتشكيك بالجدوى العملية المضمونة للقدرات الذاتية والداعمة على الرغم من الجبروت العسكري الأمريكي الشريك في أي اشتباك تكون فيه تل أبيب طرفاً.
- عدم الثقة بالنفس والخوف من المجهول يشكل بداية انكسار الإرادة، ومن المسلم به أن الحرب بكليتها مكاسرة إرادات، والدخول بمرحلة عدم اليقين يعني بداية كي الوعي المعادي لدى القادة والمتزعمين، فما بالك ببقية الشرائح المنقسمة والمتشظية على ذاتها، ومع غيرها من مكونات الرأي العام الذي أصبحت خطابات قادة المقاومة أحد أهم العوامل المؤثرة في تشكله وتحديد اتجاهات تطوره المحتملة.
- الأمر الآخر الذي يدفع المسؤولين الصهاينة لمتابعة خطابات سماحة السيد يتجسد بالمصداقية المرافقة لجميع إطلالات سماحته، وقرن القول بالعمل بعيداً عن إطلاق تهديد خارج قدرة المقاومة، وبالتالي تصبح المتابعة وسيلة من وسائل قياس قوة العدو، أي “حزب الله”، وبوابة لاستقراء الممكن من الخطوات اللاحقة والقرارات التي قد تتخذها المقاومة، ومن المهم الإشارة هنا إلى سذاجة التفكير الإسرائيلي، فسماحة السيد هو سيد الجمع بين المصداقية والحرب النفسية، وبالتالي هو الأمهر على إصابة الروح المعنوية المعادية بانهيار موضوعي يستند إلى مصداقيته، وهم ملزمون بالمتابعة، أي بالمشاركة في انهيار الروح المعنوية لدى الداخل المعادي.
- القدرة الفائقة على استعراض الأبعاد الإستراتيجية استناداً إلى حقائق الواقع المتشكل ومعطياته، ومن المهم هنا الإشارة هنا إلى بعض مرتسمات ذلك، ومن أهمها:
1- فشل ما أسماه جنرالات تل أبيب “المعركة بين الحروب” فعلى امتداد السنوات الماضية والعدو الإسرائيلي كان يضرب ما يعتقد أنه قوافل نقل سلاح وتكنولوجيا وإمكانات المقاومة في لبنان عبر الأراضي السورية، واليوم وبعد ثمانية أشهر ونيف وجبهة الجنوب اللبناني مع شمال فلسطين المحتلة تقول للعدو الإسرائيلي: (كل المعركة بين الحروب التي خضتها خلال السنوات الماضية كانت فاشلة، كل ما كان يجب أن يصل إلى لبنان وصل إلى لبنان).
2- لا يكتفي سماحة السيد بالقول: كل ما كان يجب أن يصل إلى لبنان وصل، بل يفصل في مضامين ذلك، ويؤكد بالبراهين الدامغة التي لا تقبل النقض ولا التشكيك بالمصداقية التامة، والميدان المشتعل هو الشاهد، فالمقاومة فعلاً قاتلت بجزء من سلاحها، وليس بكل سلاحها، والمقاومة استلمت أنواعاً جديدة من السلاح سيعرفها العدو عندما تندلع جهنم الحرب الكبرى، والمقاومة طورت بعض أسلحتها من خلال تجربة الميدان، واستخدمت بعض الجديد مما لم تستخدمه في السابق وبالتدريج، والمقاومة لديها وفرة كبيرة من الطائرات المسيرة التي تصنعها في لبنان، كما تصنع ما تحتاجه من صواريخ.
3- بالتكامل مع الفقرة السابقة جاء حديث سماحة السيد عن تعاطي حزب الله كمقاومة حتى مع أسوأ الاحتمالات، والعدو (العدو يَعرف جيداً أننا حضرنا أنفسنا لأصعب الأيام، والعدو يعرف جيداً ما ينتظره ولذلك كان مردوعا 9 أشهر)، ويضيف سماحته أنه (لن يكون هناك مكان في الكيان بمنأى عن صواريخنا ومسيراتنا، وليس قصفاً عشوائياً، كل صاروخ هدف، كل مسيرة هدف، والدليل الهدهد، هو يعرف أن لدينا بنك اهداف كامل وحقيقي ولدينا القدرة على الوصول الى هذه الأهداف مما يزعزع أسس الكيان…).
4- هذا الكلام مرتبط بما تم عرضه من قبل حزب الله عبر ما يعرف بفيديو الهدهد الذي تضمن صوراً عالية الدقة لحيفا وما حولها، بما في ذلك أهم الأهداف الإستراتيجية العسكرية منها والخدمية والاقتصادية، وعندما يقول سماحته أن كل صاروخ هدف وكل مسيرة هدف، فهذا يعني أنه تم تجهيز ما يلزم من صواريخ ذات الدقة العالية الكفيلة بإخراج كل الأهداف التي تم استعراضها وتحييدها في الساعات الأولى لأية حماقة قد يقدم عليها حكام تل أبيب، ولكي يستوطن الخوف والرعب أكثر في قلوب كل المسؤولين والمستوطنين الصهاينة يوضح سماحة السيد أن ما تم عرضه في الفيديو الذي تم بثه هو غيض من فيض، وأن لدى المقاومة (ساعات طويلة عن تصوير حيفا وجوار حيفا وما قبل حيفا وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا، فليذهب الآن وينفّذ الإجراءات التي يريدها فلا مشكلة).
5- القدرات البحرية للمقاومة في البحر ظهرت طلائعها في حرب تموز وآب 2006عندما أشار سماحة السيد في خطاب مباشر إلى سفينة ساعر لحظة إصابتها بصاروخ المقاومة، وما تركته تلك اللقطات من كي للوعي الجمعي الاستيطاني المعادي هي اليوم أضعاف ما كانت عليه، وعلى العدو أن ينتظر ما لا يسره من المقاومة في البر والبحر والجو، وفيما يتعلق بالبحر المتوسط فمع فتح الحرب في لبنان (موضوع البحر المتوسط يصبح مختلفاً تماما، كل سواحله وشواطئه وكل موانئه، وكل بواخره وسفنه، وهو يعرف أنه ليس قادراً أن يدافع عن كيانه، هذا الجيش غير قادر أمام معركة بهذا الحجم)، فحديث سماحة السيد يوحي بالقدرة التامة على إغلاق البحر المتوسط من منطقة التقائه بالمحيط الأطلسي إلى شواطئه الشرقية، وهذا يعني أن كل الشواطئ الجنوبية الأوربية مع المتوسط مهددة بالإغلاق، وكل الحوض الشرقي ضمن المدى المجدي لبعض ما تمتلكه المقاومة من أسلحة، وإذا أغلقت الشواطئ الشرقية للمتوسط بالتزامن مع إغلاق البحر الأحمر وبحر العرب، فهذا يعني خنق الكيان إلا عبر الجسور الجوية التي لن تكون كافية للحفاظ على حياة الغدة السرطانية، وبخاصة إذا طال أمد الحرب الكبرى في حال اندلاعها، وقد حذر سماحة السيد بأنه (اذا فرضت الحرب على لبنان فإن المقاومة ستقاتل بلا ضوابط وبلا قواعد وبلا أسقف، وهو أيضا يعلم ويعلم سيده الأميركي أن شن الحرب على لبنان ماذا ستكون تداعياتها في المنطقة وعلى مستوى الإقليم ككل).
6- أمام حرب بلا حدود ولا ضوابط ولا أسقف يصبح الحديث عن الخشية من اقتحام المقاومة للجليل تفصيلاً صغيراً، وفي جميع الأحوال هذا الاحتمال (يبقى قائماً وحاضراً في إطار اي حرب قد تفرض على لبنان).
كل ما ذكر لا يعدو أن يكون عناوين رئيسة ونقاط ارتكاز يمكن لكل المحللين والباحثين استحضارها واعتمادها فيما يكتب من دراسات وقراءات تحليلية مقياساً موضوعياً تم التأكد من صحته ومصداقية نتائجه، وليس أمام أي عدو إلا أن يسلم بحقيقة تدحرج الأمور ضمن الحدود الذي رسمها خطاب سماحة السيد، كما أن من حق أي صديق أن يستند إلى ذلك للانتقال من الطمأنينة إلى اليقين بحتمية النصر القادم، وإن تعددت فصول المواجهة، وتشابكت مسارح العمليات، فالطريق واضحة والأضواء الكاشفة مسلطة بشدة على ما يسعى أطراف العدوان لإبقائه مظلما وبعيداً عن التداول العام، لكن في كل مرة يطل فيها سماحة السيد يسقط بخطابه كل الأقنعة والسواتر والحجب دفعة واحدة، وليس أمام من يتحكم بضبط إيقاع حكام تل أبيب إلا إلزامهم بالتعامل مع الواقعية الميدانية والسياسية والإعلامية التي فرضها محور المقاومة، ولن يفيد أولئك العناد والمكابرة ونكران تجرع حنظل الهزيمة التي بدأت فصولها تتسارع، وهناك العديد من أنصار نهج المقاومة يتمنون ويتشوقون لرؤية إقدام أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن وتل أبيب على حماقة أو مقامرة كفيلة ببلورة تصريحات مسؤول الخدمات الدينية الإسرائيلية، وقوله: “نجهز أنفسنا لسيناريوهات دفن جماعي في حال قامت حرب واسعة مع جنوب لبنان”.