” اليهود والعلاقة مع الغرب ” بقلم : الدكتور خلف المفتاح – مدير عام مؤسسة القدس الدولية – سورية

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

– يمكن تعريف الصهيونية بأنها دعوة اليهود للاستيطان في فلسطين واقامة دولة يهودية فيها اعمالا لمقوله انها ارض شعب الله المختار وهنا لابد من اعطاء صورة للمتابع عن وضع اليهود في العالم مع الاشارة الى أن العرب المسلمين قد فتحوا هذه الارض منذ اكثر من الف واربعمائة سنة بعد أن كانت تحت السيطرة البيزنطية تلك الامبراطورية التي امتدت على جغرافيا واسعة شملت قارات اسيا وافريقيا واوربا ولمة تزيد على تسعة قرون واستطاع العرب المسلمون هزيمتها في معركة اليرموك وتحرير العرب من سيطرتها بعد قيام الدولة الاسلامية في المدينة بستة عشر عاما” وسبق ذلك بست سنوات هزيمة الامبراطورية الفارسية في معركتي النهاوند والقادسية واستكمال تحرير بلاد الشام والعراق من الاحتلالين الفارسي والروماني البيزنطي .

– لقد كان اليهود بعد خروجهم من الشرق بعد طردهم وسبيهم من الاشوريين والبابليين والرومان جماعات جوالة في الغرب ترتبط بمهن تعطيهم مكانة اقتصادية واجتماعية واحيانا” سياسية فكانوا منتشرين في العديد من دول العالم وبقيت اقلية منهم في فلسطين وبعض الدول العربية ولاسيما المغرب واليمن والعراق فالوجود اليهودي في المنطقة العربية كان محدودا” جدا” ولا يذكر وبعد ذلك بدأوا يتحركون بوصفهم جماعات متماثلة ليشكلوا تجمعا” في مجتمعات غربية متشكلة طبقيا” لا تستطيع طبقة تجاوز وصفها ووضعها الى طبقة اخرى الملوك وهم النبلاء والاقنان وهم عبيد الأرض والمقاتلين ولا يتاح لأي شخص الانتقال من طبقة الى أخرى فالفلاح يرث عن ابيه انه فلاح والفارس والنبيل يرث مكانة ابيه وكان على كل شخص او جماعة تريد التحرك من مكان الى آخر الحصول على اذن فكانت فكرة ثبات الناس مكانيا ” وزمانيا ” وسيلة للسيطرة على المجتمع وتفاعلاته السياسية الجماعة الوحيدة التي كانت تخرج عن هذه القاعدة هم اليهود لأنهم كانوا جماعات متعلمة وسط مجتمعات جاهلة وأمية فهم متعلقون بالتوراة ويعلمون ابناءهم القراءة والكتابة بوصفها شعيرة وواجبا ” دينيا ” فأصبح اليهود كتبة في دواوين الملوك الى درجة انهم احتكروا وظيفة السفراء في اوروبا لما يزيد على مائة عام فسفير الملك أي ملك كان يهوديا ” فأصبحت هذه الحالة شبكة نفوذ يهودي في اوروبا الى درجة ان بعض الملوك بدأوا يستخدمونهم جواسيس لهم في بلدان اخرى ما شكل صورة انطباعية عنهم بانهم جواسيس مع ما فيها من مظلومية لعموم اليهود وهنا نتذكر ماكان لليهود من مكانة سياسية واقتصادية وثقافية في العصر الاندلسي دون اي تحامل او إضطهاد لأن المجتمع العربي الاسلامي لم يقم على قاعدة العداء لليهود على الاطلاق وثمة شهادة في ذلك وردت على لسان وزير خارجية اسرائيل في ستينات القرن الماضي وهو ابا ايبان اذ قال : لقد عاش اليهود عصرين ذهبيين عبر تاريخهم في الاندلس إبان العصر الاسلامي ” وراهنا ” في الولايات المتحدة الاميركية .

– لقد حمل اليهود في المجتمعات المسيحية الصورة الانطباعية بأنهم قتلة المسيح على عكس الرواية الاسلامية ولكنها في خطاب المسيحية واقعة مركزية ولم تتبدل هذه الصورة الا مع مارتن لوثر المصلح البروتستانتي سنة 1516 الذي قام بماىيمكن تسميته عملية تطبيع بين اليهودية والمسيحية فحتى ذلك التاريخ لم يجرؤ احد على طباعة العهدين القديم والجديد في كتاب مقدس ولم يحدث ذلك الا في عهد البروتستانتية حيث بدأت الصلة الحقيقية بين المسيحيين والتوراة وترافق ذلك مع عامل آخر وهو اختراع المطابع الذي اتاح للمسيحيين الاطلاع عى كتابهم المقدس الذين لم يكونوا يسمعون منه سوى بعض المقتطفات في عضة الكنيسة كل يوم احد ولايملك اقتناء الانجيل الا الاثرياء لجهة ارتفاع ثمنه بسبب النسخ وكانت هذه لحظة مفصلية في تاريخ اوروبا لأنه بعد ذلك تمت طباعة العهدين مع بعضهما البعض تحت مسمى الكتاب المقدس فانفتح المسيحيون على قراءة التوراة مع تغير صورة رجل الدين المسيحي عند مارتن لوثر اضافة الى مسألة على درجة من الخطورة عند لوثر وهي أنه لابد من قيام دولة لليهود في فلسطين الارض الموعودة وبناء الهيكل تسبق عودة المسيح المنتظر مع الاشارة الى ان هذا التصور مقتصر على الكنيسة البروتستانتية وليس الكاثوليكية التي رفضت فكرة عودة اليهود الى فلسطين الا حجاجا” فقط كانت ثمة جفوة ما بين الكيان الصهيوني وبابا الكنيسة الكاثوليكية ولم تبرئ الكاثوليكية اليهود من دم السيد المسيح على عكس ما يدعى بما اقره مجمع كاثوليكي عالمي كبير سنة 1964 واصدر اعلانا” اثار جدلا” كبيرا ” في العالم شعبيا ” اعتبر انه برأ اليهود من دم السيد المسبح ولكنه في الحقيقة لم يبرئ اليهود من دم المسيح ولكنه برأ اليهود المعاصرين من ذلك بالقول ان المسؤولية الاخلاقية والدينية يتحملها اليهود الذين عاصروا ذلك التاريخ اي ولادة ونزول السيد المسيح ولكن الحقيقة ان الكنيسة الكاثوليكية لديها موقف اصولي من الصهيونية وهذا ” ثابت تاريخيا ” .

– وبالعودة الى موقف الغرب الثقافي من المنطقة  ” بعيدا ” عن دورهم في اقامة الكيان وهي تقوم على قاعدة أن قوة الغرب تكمن في ضعف العرب والمسلمين لذلك وجدوا في استزراع ذلك الكيان في قلب الوطن العربي مسألة تحقق هدفين اولهما التخلص من اليهود الذي لم يندمجوا في المجتمعات الغربية وعاشوا حالة الغيتو (الحي اليهودي ) ولم تناسبهم الدولة العلمانية التي تجعل من الدين سلوكا” خاصا” لا يدخل في الشأن العام اضافة الى الشعور بالاستثنائية التي يشعر بها اليهود ويمارسونها بوصفهم شعب الله المختار وثانيهما تحقيق المشروع الغربي في المنطقة وفصل غربها عن شرقها باستزراع جسم غريب عنها ثقافة وتاريخا ” وهوية وانتماء ” .

– لقد تعمقت المشاكل بين اليهود والمجتمعات الغربية نتيجة لمسألتين اساسيتين شعور اليهود بالتفوق وانهم شعب الله المختار وحالة الجشع والاستئثار بالثروات واستغلال الطبقات الفقيرة والاعتماد على اقتصاد الربا وليس الانتاج فدعواهم بأنهم العرق النقي والشعب المختار اوقعهم في تصادم مع الالمان ما ادى الى المحرقة والهولوكوست في عهد هتلر علما” أن اجرام هتلر ونازيته لم تقف عند حدود اليهود بل شملت اعراق وجنسيات اخرى من بينهم السلاف والغجر والعرب والاتراك وغيرهم بل وحتى المعوقين من الالمان وكل من يأكل ولا ينتج فهتلر كان يريد بقاء واصطفاء العرق الاري على باقي الاجناس والاعراق الاخرى وليس اليهود فقط علما” ان ثمة وثائق تشير الى ان الحركة الصهيونية ساهمت في حالة الكراهية والعداء لليهود في اوروبا بهدف دفعهم للهجرة الى فلسطين والسؤال الكبير وعلامة الاستفهام هنا لماذا لم يقاوم اليهود عمليات الإبادة التي لحقت بهم فثمة كتاب ومؤرخين يحملون اليهود مسألة استسلامهم للمذابح التي لحقت بهم ولا يقاوموها بالشكل المطلوب ولعل ما جاء في مذكرات اليهودي المجري رودلف كاستنر الذي كان على علاقة مع النازيين ما يشير الى تواطؤ بعض اليهود مع الالمان في الدفع باتجاه المحرقة وهو الامر الذي ادى لاغتياله في اسرائيل عام 1952 للتغطية على اعترافاته الذي قال عنها بن غوريون انها لو اعلنت للرأي العام لجرت شلالات من الدماء بين اليهود انفسهم لذلك يمكننا القول إن ما سهل على النازيين ارتكاب جرائم ابادة جماعية بحقهم هو بعض اليهود ذاتهم لذا لا يمكن للتذرع بما حاق باليهود من مجازر للحديث عن المظلومية التي حاقت بهم لممارسة كل اشكال الاجرام والقتل والابادة بحق الشعب الفلسطيني وكأن ما لحق بهم يشرعن كل اجرامهم بحق الشعب الفلسطيني فالمشكلة اليهودية في الحقيقة مشكلة اوربية رحلت لمنطقتنا العربية لغايات استعمارية متعددة الاغراض والاهداف .

– ولا شك ان تاريخ اليهود في اوروبا طوال ثلاثة قرون هو تاريخ اضطهاد دائم ولكنه عندما عالجوا خطيئة عالجوها بخطيئة أكبر وهي منحهم ارض فلسطين بعد ان استعمروها في ظل موازين قوى تشكلت بعد الحرب العالمية الاولى حيث انتصر الفرنسيون والانكليز وهزم الالمان وحلفاؤهم فجاء العامل السياسي ليتقاطع مع المأساة اليهودية ليسيطر الغرب على فلسطين وبلاد الشام على قاعدة مركزية في الاستراتيجية الغربية مؤداها أن من يسيطر على المنطقة الواقعة بين القاهرة واستانبول يتحكم بالعالم وهي مقولة في الجيوبولتيك العالمي كانت ولازالت صالحة حتى الآن وهذا لا ينفي الدور الوظيفي لهذا الكيان فالحركة الصهيونية عندما نشأت في القرن التاسع عشر تكونت وتشكلت من تبارين علماني وديني متطرف سماه هرتزل جيش من البائسين فكان التحالف بين نقيضين ” فكريا ” .

– لذلك لا نجد حتى الآن دستورا ” لاسرائيل لأن في ذلك تحديد لهوية الكيان ” إما علماني او ديني ” ما يخلق انقسام وانشطار عمودي في ذلك المجتمع التجمع وهذا يؤكد الصيغة التلفيقية لذلك الكيان لدرجة انه يسمى البغاء المزدوج من هنا كان لهذا المستزرع دور وظيفي يتمثل في انه يمثل حاملة طائرات للأمريكي ما حذا بالرئيس الاميركي بايدن القول لولم تكون اسرائيل موجودة لأوجدناها فهي حاجز بين القسمين الغربي والشرقي للوطن العربي وهي كيان قام لقهر العرب واستتنزاف ثرواتهم حيث تخصص موازنات هائلة للدفاع نتيجة الشعور بالخطر بدل توظيفها في التعليم والصحة والخدمات العامة اضافة الى ان هذا الكيان الوظيفي هو من قام بالعدوان على مصر وسورية عام 1967 كونهما نظامان معاديان للغرب بضفتيه ويقودان حركة تحرر عربي وعلى علاقة جيدة مع الاتحاد السوفييتي آنذاك ناهيك عن انه كيان توسعي يطمح للسيطرة على المنطقة العربية الممتدة من مصر حتى بلاد الشام والفرات ونظرا ” لطبيعته العدوانية لم تشهد المنطقة العربية استقرارا ” منذ استزراعه سنة 1948 وحتى الآن فهو بالفعل كيان وظيفي بامتياز .

– وبالمناسبة إن هذا الدور الوظيفي القذر لم يلعبوه فقط في منطقتنا العربية بل لعبوه ايضاً في بولونيا عندما تحولوا الى اداة قهر واضطهاد للفلاحين وأبناء الريف البولندي لحساب النبلاء والاقطاعيين وكذلك لعبوه في روسيا القيصرية والمانيا في فترة الحرب العالمية الثانية ما جر عليهم كراهية الكثير من شعوب العالم ممن عانوا منهم ولعل ما عاناه الفلسطينيون من اجرامهم وعدوانيتهم وعنصريتهم ولاسيما ما جرى ويجري في غزة هو اقرب مثال على ذلك .

– ولا شك أن ثمة بعد ديني في العلاقة بين الكيان الصهيوني وجماعات دينية غربية أسس لها كما اشرنا سابقا” المصلح البروتستانتي مارت لوثر في القرن الخامس عشر ومع اكتشاف أمريكا واستيطانها من المهاجرين من اوروبا اتبعت الكنيسة البروتستانتية نفس المنطق التوراتي اليهودي بأن المهاجرين هم شعب الله المختار وان لهم رسالة حمل المسيحية البروتستانتية لابناء المنطقة فثمة لاهوت سياسي يجمع ماىبين الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية الكالفنية اللوثرية التي تشكل احد اشكال الحكومة العميقة في الولابات المتحدة الأميركية .

 

 

– اليهود والعلاقة مع الغرب :

–  بقلم : الدكتور خلف المفتاح – مدير عام مؤسسة القدس الدولية – سورية