#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– تتردد كلمة ومفردة مثقف بشكل كبير وتتعدد التعريفات لتتفق في مساحات وتختلف في أخرى ولجهة أن للمثقف مكانة في المجتمع وعند الافراد على الرغم من الاختلاف في تعريف من هو المثقف سيما عندما يرتبط الأمر بالموقف والعلاقة مع السلطة حيث العلاقة الملتبسة بينهما في مجتمعاتنا على عكس ما هو عليه الحال في المجتمعات الغربية إذ العلاقة بين المثقف والسلطة غالبا” ما كانت ايجابية لجهة ان المثقف في البلدان التي لا تؤمن بتداول السلطة صاحب دعوة للتغيير في حين ان السلطة تنحاز غالبا” للاستمرار وترى في المثقف ذلك الذي عينه على السلطة وبالعودة لمفردة ومفهوم المثقف يمكننا القول أن كل انسان ينطوي على ثقافة معينة فكل الناس يحوزون على ثقافة يكتسبونها ويمتصونها من مجتمعاتهم عبر كل اشكال الاتصال والتفاعل مع المحيط لتصبح جزءا” مكونا” لهويتهم ولكن السؤال المهم هنا هل كل الناس يمارسون الانتاج الثقافي بكل اشكاله أم أنه مسألة تقتصر عن منتجي الثقافة والحقيقة هي أن المثقف هو ذلك الشخص المنتج للثقافة بكل اشكالها واجناسها كالشاعر والروائي والقاص وكاتب المقالة والفنان التشكيلي والكاتب المسرحي والممثل وغيرهم من منتجي الثقافة والابداع من الفاعلين الثقافيين فالثقافة هي فعل وفاعلية في المقام الأول وهو أي المثقف حر فيما يبدعه وهذا لا يلغي مسألة أن يكون المثقف ملتزم بقضايا الناس أو قضية ورسالة هو مؤمن بها ويسعى لتشكيل وعي مطابق لرؤيته أو تيارا ” متفاعلا ” مع رؤيته وثقافته واذا كان للثقافة انواع فكذلك هو حال المثقفين فالمثقف والثقافة هما موقف من عالم يحيط بالمثقف ايا” كان ذلك الموقف سواء كان من ثقافة مجتمعه وعاداته وتقاليده او موقف من سلطة سياسية لا يتفق معها او تيارات يعارضها عبر ايديولوجية يتبناها ويؤمن بها فثمة مثقف علماني وديني ويساري ويميني وليبرالي واشتراكي وقومي وغيره فكل تلك التقسيمات يعبر عنها باشكال الابداع على تنوعها كتابة وفنا” وكل اشكال التعبير على كثرتها في عالم اليوم .
– وعلى هذه القاعدة ثمة تصنيف وجدولة ان جاز التعبير للمثقفين وغالبا ” ما يدخل فيه البعد السياسي والايديولوجي وليس التصنيف المدرسي وهنا تختلف التعريفات والتسميات على خلفية الايديولوجيا الحاكمة والموقف من السلطة وليس من طبيعة المنتج الثقافي واشكاله واجناسه فهم يشتغلون في عالم الثقافة والسؤال هنا هل تصنيف المثقف من صعيد الابداع والانتاج الثقافي كاف أم أن موقفه من قضايا حياتية سواء كانت ذات طابع خصوصي بمجتمعه أو قضايا ذات طابع انساني تلعب دورا” في ذلك ؟ والحقيقة إن الكثيرين في المجتمعات ينظرون للمثقف من خلال مواقفه من مشاكلهم وقضاياهم ومعاناتهم وتمثله ودفاعه عنها بمواجهة القوى التي ترى فيها تلك الجماعات سببا ” أساسيا ” فيها من هنا كان تصنيف وتعريف المثقفين من مثقف ملتزم ومثقف عضوي ومثقف مشتبك فثمة مثقفين هم مثقفي سلطة او تجار مواقف وتجار كلمة وكلنا يعرف الكثير من مثقفي ما سمي البترو دولار ومسوقي الاستبداد ومشرعني الارهاب في عالم سلعنة كل شيئ بما في ذلك الكائنات الحية والتعامل معها ليس بوصفها كائنات معرفية اخلاقية وإنما بيولوجية تعيش لتأكل وتستمتع دونما حس انساني واخلاقي ومعرفي وليس ذلك الذي ينتمي الى هموم الناس وقضاياهم ومعاناتهم من الفقر والجهل والتهميش وانعدم الحرية حرية التفكير والتعبير وكذلك ليس ذلك الذي انكفأ على ذاته وتقوقع حولها دونما تحسس لقضايا الناس وتفاعل معها فالمثقف هنا هو ذلك الملتزم بقضايا الناس وفي دائرة اوسع قضايا البشر وهنا يصبح السؤال إن قضايا البشرية متعددة ومتنوعة وهنا يكون الحديث عن المثقف المنتمي الذي يدافع عن منظومة القيم الايجابية التي يؤمن بها الناس أيا” كانت ثقافاتهم وطبيعة مجتمعاتهم وبرفض كل اشكال الظلم والاضطهاد والاستبداد وقمع الحريات والتهميش والتسلط وغياب العدالة فنصبح هنا أمام مثقف مناوئ ورافض ومتمرد على كل ما تمت اليه من اشكال العسف والظلم وانتهاك القيم الانسانية واولها كرامة الانسان بوصفه انسانا ” فهو متمرد على البؤس البشري ويزهر تمرده هذا في كل اشكال الابداع وفي كل الظروف فهو صاحب الصوت الجريء عندما يصمت الأخرون خوفا ” وترددا ” .
– وهذا يبرز أثناء قيام الثورات والتمرد على الاستبداد والاستعمار والارهاب بكل اشكاله في مواجهة من يبرر للمجرم والدكتاتور والمستعمر والظالم جرائمه وافعاله الخسيسة عبر تبريرها بعناوين مختلفة ومختلقة ظنا ” منه أنه بموقفه هذا قد شرعنها وظلل المجتمع على خلفية أنه مثقف وعالم بأسرار السياسة ومخفياتها وانه مستبصر مستكشف لما لايراه غيره فهذا النوع من المثقفين – إن جاز ت تسميتهم كذلك – هم من اخطر الناس على المجتمع لانه يسعى عبر لغته وخطابه تزييف وعي الناس وتجميل القبيح وتقبيح كل ما هو جميل اعتقادا ” منه انه بذلك العمل يمنح شهادة حسن سلوك للمجرم والمستبد والارهابي مدعيا” الدفاع عن الوطن والحرية وما يواجه الأمة من تحديات .
– لقد اثبتت الظروف التي مرت بها منطقتنا العربية خلال العقد الماضي خطورة الدور الذي يلعبه بعض الكتاب والمثقفين والاعلاميين ومطابخ السياسة والغرف السوداء في اطار تسويق ما جرى من محاولات لتدمير المنطقة شعوبا ” وانظمة ومنظومات تحت عناوين مختلفة وتلطيا ” بشعارات جذابة تدغدغ مشاعر الناس وتعطشها للحرية والكرامة وسعيها الخروج من دائرة الفقر والجهل والاستبداد بفائض قوة الداخل وسلميته وليس بفائض قوة الخارج وامكاناته التدميرية عبر القوتين الصلبة والناعمة استثمارا ” في مشاعرالناس ومعتقداتهم وحاجاتهم وحسهم الديني ورأسمالهم الرمزي وعواطفهم البسيطة ليجعل منهم وقودا” في محرقة للوطن استثمارا ” في عناوين كاذبة. مخادعة قشورها حضارة والروح جاهلية .
– من هو المثقف
– بقلم : الدكتور خلف المفتاح
– مدير عام مؤسسة القدس الدولية – سورية