كيف يكون الخطاب فاعلاً .. بقلم : الدكتور خلف المفتاح – مدير عام مؤسسة القدس الدولية – سورية  

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– الخطاب من حيث المبدأ هو كل قول ورسالة تحمل محتوى  تستهدف جماعة أو مجتمعا”أو حزبا”لبيان محتوى ومضمون وربما مشروعا”لجهة تشكيل فهم أي وعي وموقف يستتبعه سلوك ينسجم مع  مضمونه وللخطاب أشكال متعددة من أكثرها حضورا”  الخطاب الايديولوجي لأنه خطاب مليئ بالرموز والأهداف والمخيال فهو خطاب حالم ورومانسي أكثر ما هو خطاب عقلاني لجهة أنه يقوم على دغدغة عواطف الناس والمهمشين ولاسيما الفقراء والمقهورين وهو خطاب مديد وقابل للتعطيل تحت عنوان الظروف والمؤامرات والتحديات وغيرها من تبريرات وغالباً من يودي الخطاب الأيديولوجي بحكم تأثيره العاطفي بملايين الضحايا فالخطاب النازي القومي جر وراءه الملايين وانتهى بدمار ألمانيا وكذلك الخطاب الفاشي الايطالي إضافة للخطابات المتطرفة في اغلب الديانات .

– وبالعودة لأشكال وأنواع الخطاب يمكننا الإشارة إلى العديد منها فكلام السياسي خطاب والكتاب والسينما والمنابر والصورة والشعر والرواية والقصة والإعلام والصحافة والتربية  كلها إشكال من انواع الخطاب .

– وعموما يتناول الخطاب ويستهدف متلقيا لإحداث سلوك ايجابي أو سلبي اي تغيير الوعي أو خلق وعي جديد والخطاب ينتج وعي وسلوك اي موقف وصورة فعندما يقال أن فلان إرهابي وفلان شهيد وفلان وطني وفق رؤيته تتشكل صورة عن ذلك في وعي جمهور محدد وكذلك عند وصف شخص بأنه مجنون أو عميل أو العكس وميشيل فوكو تحدث عن دور الخطاب في تشكيل او تغيير الصورة عن المجنون من انه يجب الخلاص منه الى انه مريض يجب معالجته وان الجنون هو عبقرية او ذكاء غير طبيعي .

– وكما اشرنا يعد الخطاب الأيديولوجي أكثر الخطابات خطورة سيما إذا عمل على إخفاء الحقيقة وسعى لتكريس اللاحق سيما وأنه يوجه لجمهور يؤيده ويعرف انه زائف ومع ذلك نجد أن جمهوره يتسق  مع مقتضياته لانها تخدم مصالحهم أو مصالح مصدر الخطاب التي قد لا تكون بالضرورة مصالحهم فهم أنتجوا الخطاب الزائف وهم جمهوره وهناك جمهور قد ينطلي عليه دون ان يكون في الأساس من جمهوره الذي أنتجه فيحصل لديه وعي زائف انطلاقا من سلطة الخطاب إي تأثيره في الوسط الذي يستوطنه .

– ولا شك أن الخطاب هو أداة لتسويق فكرة المؤامرة التي هي في جوهرها عمل مخطط مرسوم لايقاع الأذى في  الخصم أو الخصوم وهنا يصبح  الحديث عن مؤامرة نفي لمسؤولية معينة عن أذى لحق بالمجتمع بسبب ممارسات خاطئة لسلطة ما وفرت شروطا لحدوث ما جرى وعن طريق الحديث عن مؤامرة تتهرب عن تحمل مسؤوليتها فيها أو تبرر سلوك قمعي مؤذ في المجتمع بحجة القضاء على المؤامرة فيصبح الحديث عن المؤامرة محاولة لغطاء عن سلوك مشين قد يقنتع جمهورا قليل الثقافة  بهذا الخطاب إضافة للجمهور المنتج للخطاب فيصبح لذلك الخطاب سلطة على هذا الجمهور المخدوع والمضلل .

– والخطاب الايديولوجي ينطلق من المصلحة وهو بذلك يختلف ويتباين عن غيره من خطابات ولاسيما الخطاب العلمي الذي ينطلق من الحقيقة لذلك عندما ندقق في خطاب أي دولة علينا أن نعلم أنها في خطابها تنطلق من مصالحها أو على الأقل  مصلحة الحكم فيها لذلك علينا ان نبحث في ما وراء الخطاب لا شكله خاصة إذا كان الخطاب من دولة لا تربطنا بها رابطة وطنية او قومية فعندما تقدم سلطة ما  خطابا لا علاقة له بسلوكها فهو خطاب يجب ان لا يملك سلطة الخطاب التي اشرنا اليها فخطاب السلطة هو ذلك الذي ينتج موقفا ايجابيا منه لا يمكن لسلطة ان تقدم خطابا عن النزاهة وهي اسس الفساد فهنا لا يصبح لخطابها أي معنى فهذا الخطاب لم يعد له وظيفة ويفقد ما أسميناه سلطة الخطاب أي تأثيره في المجتمع او خطاب يصدر عن تنظيم إرهابي متطرف يتحدث عن الحرية والديمقراطية والتنوع وحق الاختلاف أو قوى معارضة مرتبطة بالخارج تتحدث عن السيادة واحترام الإرادة الشعبية ودور المؤسسات الوطنية .

– وللحد من سلطة الخطاب الكاذب والمخادع لا بد للمجتمع على وجه العموم من امتلاك  عقل نقدي لقراءة اي خطاب ليتمكن من تفحصه وتبيان  مدى مصداقيته مقارنة بسلوك السلطة وأسلوبها في الحكم وهنا يلعب الوعي السياسي والمجتمعي والنخب المثقفة دوراً أساسياً في تشكيل مثل تلك الثقافة الواعية والتي تحول دون تمرير أي خطاب كاذب ومخادع ومضلل للجمهور ، فنقد الخطاب جزء من قدرتي على التحرر من سلطته وكل خطاب فيه مساحة واسعة من الأمل هو خطاب مؤثر في الناس لأن الايدولوجيا هي جملة وعود بتحقيق أهداف تدغدغ مشاعر الجماهير من قبيل  الوحدة والحياة الكريمة والحرية والعدالة وغيرها من عناوين جذابة للجمهور سيما وإنها تصدر من سلطة صاحبة قرار  فيترك أثرا نفسيا على الناس اي أنه مارس سلطته وتأثيره  إلى درجة أن البعض يموت في سبيل تحقيق أهداف الخطاب كالخطاب الشيوعي والثوري في الستينيات الذي يدعو للتخلص والتحرر من الاستغلال والأمبريالية أو الخطاب الأخواني والأصولي الذي يحرك طاقة نائمة فجرها بكل ما فيها حقد وكراهية ليقضي على الأخر المختلف تلبية لمقتضى الخطاب  رغم الفارق الإيديولوجي والإنساني بين الخطابين .

– ويعتبر الإعلام بحكم استطالاته في العصر الحاضر الأداة الأساسية لترويج خطاب السلطة أية سلطة أو القوى النافذة في العالم فنراها تحتكره حتى لا يطل الجمهور على غيره فيمارس عليه سلطته الوحيدة ولكن مع تنوع وسائل التواصل لم يعد ممكنا احتكار الخطاب فأصبح النظر الى القضايا من زوايا متعددة لجهة توفر  فرص عديدة لتأمل أي خطاب فلم يعد المتلقي أسير رواية واحدة ما يمكنه من وعي وإدراك زيفه وكذبه وخداعه أو مصداقيته وموضوعيته أخذا في الاعتبار أن الجمهور أي جمهور وكذلك الرأي  العام غالبا ما يكون منقسما إلى أربعة أقسام جمهور مع وجمهور ضد واكثرية لا مع هذا ولا ذاك وكتلة غير مبالية .

– وإذا جاز لنا الحديث عن منتجي الخطاب فهم كثر فالمثقف والمخرج والروائي والسياسي الإعلامي ورجل الدين ورجل الأعمال والصحافة كل وسائل التثقيف والتوعية التربية بما فيها الجامعات والنخب بكل مستوياتها والأحزاب على وجه العموم وإذا جاز لنا أن نتوقف عند شكل راق من أشكال الخطاب فلا شك أنه الخطاب الفلسفي فهو خطاب وإن كان نخبوياً فمن الأهمية بمكان تعويمه وترسيخه ونشره وتوطينه لأنه يكرس ثقافة نقدية تحول دون خداع الجمهور وتزييف وعيه لذلك نرى الديكتاتوريات والأنظمة الرجعية والمتخلفة تسعى لتكريس الخطاب الغيبي والأسطوري والخرافي وتحارب الخطاب الفلسفي والنقدي بوصفه خطاباً يمكن المتلقي من تأمله وتقليب أوجهه وصولا للحقيقة فالخطاب المسطح والمتهافت والثقافة الهابطة والفن الهابط هي أدوات خطاب الديكتاتوريات والتسلط والأنظمة المتخلفة والمغرقة في رجعيتها .