#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– في مختلف العصور والأزمان وفي كافة البلدان والأقطار حدث ويحدث غزو واحتلال وقهر شعوب بالحديد والنار وبعد ارتكاب مجازر وحشية بحق السكان الأصليين، ويقوم المحتل منذ اللحظة الإولى لإحكامه السيطرة على الأرض بالعمل على تحطيم أية مقاومة لوجوده وقمع أية معارضة لاحتلاله، وهذا يتطلب عملاً عسكرياً وأمنياً ونفسياً بصورة متوازية، لأن النفوس إذا لم ترضخ ولم تسلّم بالواقع الموجود وترضى بسيطرة المحتلين لبلادهم بحجج شتى من قبيل ( لا تُلقوا بأديكم إلى التهلكة ) و ( العين لا تقاوم المخرز ) و ( وحفظ الدماء أمر واجب ) فعند ذاك لا يمكن للإحتلال أن يدوم ولا يتمكن الغازي أن يستمر في التحكم.
– وهكذا كان منهج فرعون كما ورد في القرآن الكرين فقد قام أولاً بالسخرية من المعارضين لسلطانه وهما الوحيدان موسى وهارون قائلا: ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائظون وإنّا لَجميعٌ حاذرون ).
ولمّا نبّهه من حوله من الزبانية والمستشارين من المخاطر المحتملة على سلطته فإن فرعون أجاب بكل صلافة واطمئنان: ( سنقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنّا فوقهم قاهرون )، وعندما شعر بالخطر على مقربة منه يقوم فعلاً بالبطش والقتل الجماعي والتعذيب بكل وحشية حتى أنه يُذبّح الأطفال الخدّج، ولما اشتد الصراع وصرح جهابذة السحر والعارفون بخفايا تعمية العيون بحقانية الدعوة وجاهروا بإذعانهم وإيمانهم بالرسالة السماوية بحق، عندئذ يقوم فرعون بتهديد هؤلاء بأشد العذاب والصلب وتقطيع الأيدي والأرجل.
– ويستمر الصراع بين الحق والباطل والأنبياء رسل الله مع الجبابرة والظالمين حتى يُنجي الله المستعبَدين ويقضى على الملحدين كل واحد بطريقة أو بأخرى، لكن بشرط أن يصبر المؤمنون على أذى الكافرين ويتحملوا قليلاً النقص في الأموال والأنفس والثمرات كما أخبرنا بذلك رب العالمين كي تخلص النيات وتصفو النفوس ويزول الغلّ الذي في الصدور وتتآلف القلوب وتتمّ الحجة في نفس الوقت على المتمردين الطاغين الذين هم أخصام الله وعباده.
– ولما يوشك أن ينزل عذاب الله ويبلّغ الملاك رسوله في اليوم والساعة ونمط العذاب ويوجب على النبي وأتباعه الخروج من المنطقة قبيل حلول العذاب الإلهي أو تعيين نوع آخر من التصرف والعمل لكل منهم عندئذٍ يكون النصر للمؤمنين والهلاك للكافرين، لكن النصر لفريق يكون له ثمن بقدر قيمة النتيجة المرجوة والهلاك للآخرين يكون بعد إتمام الحجة عليهم بكل الطرق وعبر مختلف البراهين، وما بين نيل المستضعفين بغيتهم وانتهاء دور الفراعنة والظالمين في الحياة يكون: ( أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون )، ويأتي الإستناد إلى حقائق متكررة في التاريخ بقول الله سبحانه: ( ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ).
– واليوم وأمام أعيننا نواجة تجربة متكررة حيث يستخف المستكبرون وقوى الإستعمار بقدرة الشعوب المستضعفة وتحتقر كياناتهم، وتصوّر وسائل إعلام أولئك التحركات التحررية للأحرار بأنها عمل عصابات وسلوك شراذم لا تمثل عامة الشعوب، ولما تصطدم بالواقع وترى عظم النهوض ووسع نطاق الثورة فإنها تستعمل التهويل والتهديد باستعمال القوة المفرطة ضد المنتفضين، وتأتي بالأساطيل إلى المنطقة وتعرض حجم القوة التدميرية لقنابلها وقدرة المناورة لطائراتها والمدى الذي تصل إليه صواريخها، لعل ذلك يُحبط همم المجاهدين، وتخبو نار الثورة ضد المستعمرين ويستسلم لواقع الإستكبار عامة المستضعفين.
– إن أهداف المستعمرين في كل العصور وحتى في عصرنا الحاضر لم تتحقق إلاّ بعد أن أوجدوا فريقاً من المنظّرين المرتزقة والنخب الرخيصة الثمن سواء في لباس الدين أو بين المفكرين والمثقفين والذين يرتقون المنابر ويُلقون الخطابات ويكتبون المقالات وينشرون التحليلات بما يلمّع صورة المحتل ويجمّل وجه الغازي ويبرر وحشية المجرم، فيصبح المدافع عن أرضه إرهابياً، والمقاتل دفاعاً عن عرضه مجرماً، وصاحب الأرض يكون متجاوزاً، والمحتل لبيته ومزرعته محقّاً، ويكون تسليم كافة وسائل القتل والتدمير للمعتدي أمراً مشروعاً ومساندة من يقاومون بجسدهم العاري بقليل من وسائل الدفاع آمراً محظوراً ومداناً، وتطاول الصهيانة على آي بلاد يريدون بالغارات الجوية والمؤامرات السياسية والإغتيالات الميدانية عملاً مشروعاً، أما إذا تحرك من هم في الحصار الخانق برّاً وبحراً وجوّا مدة عشرات السنين كي يأخذوا قليلاً من الهواء يتنشقونه، وقليلاً من الطعام يأكلونه، وفرصة ليجولوا بقواربهم في البحر بحثاً عن رزق يعيلون به عوائلهم، كل هذا يكون تعدياً على القوانين في نظر المحتلين، ومخالفة لقرارات الأمم المتحدة لدى أعوان الإحتلال من المستكبرين، وخروجاً على الإجماع العربي على لسان قادة القوم وحكام البلاد الذين يتبجحون بالعروبة لما توافق منافعهم، ويّبدون الحمية حينما يريدونه لخدمة مصالحهم، ويثورون عندما يوجّه نقد بسيط لتصرفاتهم.
– إن توقيت طوفان الأقصى جاء في أفضل وقت وأنسب زمان ليوقف مسيرة المطبّعين، ويعرقل خطط المستعمرين، ويوقظ الأمة الإسلامية من سُباتها، ويحرّك الضمير العالمي الذي نسي الحق وأصحابه وتعامل مع المحتل المجرم على أنه صاحب حضارة ورأى الأرض المغتصبة له حقاً مشروعاً، وقتله اليومي للفلسطينيين بدم بارد دفاعاً عن النفس.
– إن هذا الإنقلاب الشامل في الصورة الذي أوجده طوفان الأقصى والصمود البطولي الذي أثبتته المقاومة الفاسطينية رغم عشرات ألوف الشهداء، والوحشية القذرة التي مارسه الجنود الصهاينة على مرأى من العالمين، والمواقف العنصرية البغيضة التي أعلنها القادة والزعماء مراراً أثناء هذه الفترة، كل هذا أثار حنق المتآمرين، وأفشل خطط المطبعين، وأوقف مسيرة المنبطحين؛ ولأجل هذا تحركت الأساطيل الأمريكية ومعها البريطانية ثم الفرنسية وبعدها الألمانية والهندية وغيرها لتطويق نطاق الثورة الملتهبة، وتحرك الموفدون وانطلق الوسطاء بهدف منع توسع المجابهة مع الصهاينة إنطلاقاً من ساحات أخرى خدمة للكيان الغاصب وإطلاقاً ليديه في ارتكاب مزيد من الجرائم، أتى هذا في نفس الوقت الذي كان الجسر الجوي المستمر لطائرات الشحن الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية لا تنفكّ تصبّ أفتك القنابل والصواريخ في المطارات والقواعد العسكرية الصهيونية، وتقدم للصهاينة المجرمين كافة المعلومات الإستخبارية التي تجمعها الأقمار الصناعية والصور التي تحصل عليها المسيّرات المزودة بأحدث التقنيات ليقوموا إستناداً إليها بإبادة الفلسطينيين المظلومين.
– لكن بعد كل المساندة المطلقة والدعم غير المحدود، ورغم التواطؤ العربي الفاضح، وإثر فشل آلة الحرب والإجرام الصهيونية، وتحت ضغط التظاهرات العارمة في كافة المدن والعواصم في العالم، صار من الواجب أن يقوم المستعمرون بعملية الإستحمار للشعوب عبر إلقاء بعض الحمولات من المساعدات الغذائية من خلال نفس الطائرات التي كانت ولا تزال تنقل القنابل والصواريخ للصهاينة المجرمين منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول وحتى يومنا هذا، وتقوم وسائل الإعلام الأمريكية والتابعة لها باللغة العربية بتصوير العملية ” المسخرة ” بصورة تبدو أنها تحول أساسي في اتجاه الإدارة الأمريكية وتحدٍّ لقرارات الكيان الصهيوني، وتقوم الأوساط المرتهنة بدورها في تفسير الأمر بما يزيل من الأذهان أثر مشاركة واشنطن في كل عمليات القتل والمجازر والدمار في القطاع والضفة الغربية والقدس الشريف ويُنسي لدى عامة الناس الإحتضان الكامل للعدو بالمال والسلاح والإعلام.
– لكن المطلوب اليوم من الإخوة الفلسطينيين التنبّه الشديد وعدم الإنخداع بالألاعيب السخيفة هذه والمثابرة في الصمود البطولي، فإن بشائر النصر قد أصبحت تلوح في الأفق، والعدو وأنصاره هم صاروا يبحثون عن مخارج لإنقاذ سمعتهم وماء وجوههم، وما الحديث عن انتهاء دور نتنياهو السياسي بعد توقف الحرب إلاّ لإلقاء كل التبعات عليه والتبري من كل المشاركات في الإجرام والدمار معه، فيما يحاول نتنياهو التوسع في الحرب هنا وهناك من خلال الغارات والإغتيالات لكي تتورط في الحرب أمريكا أكثر مما هي الآن، ويتلهى العالم عنه بالحرب المشتعلة في عموم المنطقة مطبقاً مقولة: ” أنا ومن بعدي الطوفان “.
– وهذا هو الواقع في هذه الأيام في داخل الكيان وتحت طاولة المفاوضات هنا وهناك، في وقت تدور أعنف المواجهات استعداداً للإنتخابات المقبلة بين الرئيس الحالي بايدن الهرم والرئيس السابق ترامب القذر، والساحة الأمريكية منحدرة إلى الحضيض حيث نرى الغالبية تؤيد صاحب السلوك القبيح والملف الفاسد والأداء العنصري، ويقابله صاحب الهفوات العديدة والسقطات الكثيرة والمفاخر بصهيونيته والمؤيد للشذوذ ومسخر موارد البلاد لمساندة قاتلي الأطفال ومغتصبي النساء، ولا ينفعنا نحن في الشرق وكمسلمين أن نراهن على أي من هذين، فكلاهما يساند عدونا، وكلاهما ينهب ثرواتنا، وكلاهما يحتل بلادنا، ولا يجوز بعد اليوم أن يتمّ استحمار الشعوب بعدما انفضحت الحائق كاملة، وتمزقت الأقنعة، وبانت الوجوه على قذارتها، وصرح العالمون عن مكنونات ضمائرهم في المواقف التي صدرت لهم منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم، وتبينت حقيقة الكلام الإعلامي الخادع الذي ينشره إعلامهم، وهذه الحال من النفاق يخبرنا عنها الله سبحانه في كتابه بقوله: ( وإذا لقوا الذين قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنما نحن مستهزئون ) صدق الله العلي العظيم.
السيد صادق الموسوي