#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– كراس «طوفان الأقصى، وما بعده» العدد السابع والسبعون من سلسلة «كراسات ملف» الصادر عن المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»- 20 كانون الأول(ديسمبر) 2023- لمؤلفه فهد سليمان نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بعد فقرة «تمهيد» يضم الكراس العناوين التالية:
1 – الزلزال
2- بين الرسمي والشعبي، عربياً، وإسناد المقاومة، إقليمياً
3- الغرب الأطلسي المنافق
4- الفعل السياسي الفلسطيني
5- موقف الجبهة الديمقراطية
6- من هنا، إلى أين ..؟
يتناول كراس «طوفان الأقصى، وما بعده» مواضيع فلسطينية عدة تأتي في سياق الحرب العدوانية على غزة، ومنها موضوع يركز على المظاهر الرئيسية للزلزال الذي أحدثتها هذه الحرب بانعكاساتها على قضيتنا الوطنية، والمؤثرة على أوجه رئيسية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فهي عملية غير مسبوقة، ولا مألوفة في تاريخ المواجهة المديدة مع العدو الإسرائيلي، كونها جمعت بين أسلوب المباغتة الصاعقة، وبين القدرة على تخطي ما اعتبر جدران وخطوط عصية على الاختراق، والتوغل في عمق «غلاف غزة»، بعد تشتيت صفوف فرقة النخبة المخصصة للدفاع عنه، ما ألحق خسائر فادحة بعديدها، ساق إلى الأسر العشرات والعشرات من الجنود والمستوطنين.
المبادرة هذه المرة جاءت من الجانب الفلسطيني، عكست حالة الانكشاف في عملية الردع التي تعانيها المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، مما زرع الخوف والرعب في قلوب «المستوطنين» بغلاف غزة، ومستوطنات الشمال، والتجربة القاسية التي عاشوها، مع عجز الكيان عن توفير الأمن لهم.
تداعيات «طوفان الأقصى» على إخلاء مستوطنات غلاف غزة ومستوطنات الحدود مع لبنان، قد تدفعهم إلى الهروب في «هجرة عكسية»، وهو ما تخشاه إسرائيل، التي تسعى لجذب يهود العالم للهجرة إليها بمغريات الحياة المترفة في مستوطنات آمنة. كما أن طوفان الأقصى قد هز تماماً الصورة التي رسمتها إسرائيل لنفسها باعتبارها دولة قوية لا تُهزم، كشفت هذه العملية عن حالة الهشاشة والضعف التي يعاني منها الداخل الإسرائيلي، ويحاول الائتلاف الحكومي الإسرائيلي برئاسة نتنياهو التعامل في الوقت الراهن مع تداعيات التصعيد الأخير وتحجيم آثاره المستقبلية على استقرار الحكومة التي يحمّلها الرأي العام الإسرائيلي مسؤولية ما حدث، نتيجة فشلها في الكشف عن مخطط الهجوم وتوقعه، وكذلك الفشل في التعامل معه.
رغم فرض الحصار الجائر على القطاع، تنامت بشكل كبير القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، وأصبحت تمتلك القدرة على القيام بعمليات كبيرة ناجحة مبدعة تهز أركان هذا الكيان، وتحدث زلزالاً أمنياً كبيراً واستخباراتياً، له ارتدادات ستكون كبيرة على السياسة الداخلية الإسرائيلية، لن تنجو منها من خلال شن حرب مدمرة على كل مقومات الحياة في غزة في محاولة لاستعادة الاعتبار المعنوي لمعادلة الردع الإسرائيلية، التي ستكون تكاليفها باهظة على إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وستجلب تداعيات مؤكدة على المستقبل السياسي لنتنياهو وحكومته. رغم النظرة الراهنة إلى عملية طوفان الأقصى باعتبارها فرصة لتوحيد الصف الإسرائيلي وتخفيف الضغوط الداخلية التي يواجهها الائتلاف الحكومي، لكنها مع ذلك هي مؤقتة أو مؤجلة إلى حين، هذا لا يمنع التداعيات المحتملة لهذه العملية على استقرار الحكومة الإسرائيلية اليمينية، خاصة أنها تؤكد سردية المعارضة بتعريض السياسات المتطرفة لهذه الحكومة أمن إسرائيل للخطر، ومن ثم، تثير هذه المعطيات تساؤلاً حول مستقبل الحكومة الإسرائيلية ومآلاتها المحتملة في ضوء العملية البرية وخسائرها في الجنود والعتاد.
تميّزت طوفان الأقصى عن سابقاتها من الحروب المتتابعة مع إسرائيل منذ العام 1948، بعدد من الأمور، لعل من أهمها استحضار القلق الوجودي – الكامن أصلاً والمتجذر في وعي الإسرائيليين اليهود على مصيرهم، حاضراً ومستقبلاً، لاستشعارهم واقع، أو حقيقة العيش بكنف كيان سياسي غير مستقر، ضمن بنية هجينة تعصف الريح من تحتها، في دولة قامت على العدوان والإجرام واغتصاب حق الشعب الفلسطيني في أرضه.
لقد وجَّه السابع من تشرين أول/أكتوبر– 7/10 ضربة مميتة إلى سرديتين قامت عليهما سمعة دولة إسرائيل وكرَّست صيتها بين اليهود وفي العالم في آن معاً:
السردية الأولى تأسيسية: أسست للمشروع الصهيوني الذي انطلق من مقولة أنّ لا أمن لليهود في العالم، إلا بإنشاء دولة خاصة بهم على أرض فلسطين، تكون هي الملاذ لمن يأتيها، وتوفر مظلة حامية ومعبر نجاة احتياطي لمن يبقى خارجها.
السردية الثانية وظيفية: متجددة الراهنية قائمة على أسطورة القلعة المنيعة بجيشها الذي لا يقهر، وذراعها الأمني المطاول، واستخباراتها التي لا تخترق، وفضائها السيبراني الشاسع، وصناعاتها العسكرية المتفوقة، الخ…، أي تلك المواصفات التي تجعل من إسرائيل، لقدراتها العسكرية والتكنولوجية، دولة يُلتمس القرب منها، والمكاسب تُجنى من خلال السعي لإقامة أفضل العلاقات معها.
انعكس طوفان الأقصى بشكل مؤثر على أوجه رئيسية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بعد نشوب الحرب تجمد الخلاف الداخلي حول الإصلاح القضائي، لكن الحكومة الإسرائيلية إلى جانب ما يرتكبه جيشها في القطاع من جرائم حرب موصوفة، وجرائم ضد الإنسانية تجمع ما بين العقوبات الجماعية + الإبادة الجماعية + التطهير العرقي (القائم على وجود نيّة مبيَّتة ومثبتة لارتكابه)، واصلت عدوانها في الضفة الغربية على خط الإمعان في الاستيطان والتهويد بأهدافه المعلنة في الضم والترحيل، لا بل صعَّدت وتيرته في واقع الحال، وشحنته بمزيد من عوامل التفجير من خلال مضاعفة تسليح المستوطنين، وإلغاء الجيش الإسرائيلي لخصوصية المناطق (أ) المنتهكة أصلاً، ما يُغلّب احتمال المزيد من الحدة في المواجهة في الضفة الغربية، الجانحة بتسارع نحو حال الحرب، بغض النظر عن مآل وقائع الحرب في قطاع غزة.
ستسعى المعارضة بعد انتهاء العملية الإسرائيلية «السيوف الحديدية» التي تخوضها تل أبيب في الوقت الحالي كرد على ما قامت به حركة حماس، إلى استغلال هذه النقاط لتأكيد سرديتها بشأن تعريض السياسات المتطرفة للائتلاف الحكومي الراهن أمن إسرائيل وحياة الإسرائيليين للخطر، وهذا ستضيفه المعارضة الاسرائيلية إلى الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل، التي تصدرت المشهد منذ بداية العام 2023، أي بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الـ 37- 29/12/2022- برئاسة نتنياهو، تمحورت حول إحداث تغيير نوعي في النظام السياسي الإسرائيلي من مدخل ما سُمي بـ«الإصلاح القضائي» الذي يشمل المنظومة بمختلف مستوياتها، بما فيه تجريد القضاء الأعلى من صلاحياته في نقض أو تعديل ما يراه مخالفاً (أي لا ينسجم مع ما يسمى بـ«المعقولية» في العرف القضائي الإسرائيلي) للقوانين الأساس من قرارات الحكومة (مراسيم، قوانين،…)، بما يؤدي إلى تكريس موقعية السلطة التنفيذية وهيمنتها على السلطتين التشريعية والقضائية، وبالتالي إلى ثلم الطابع العلماني والليبرالي للنظام السياسي – إن لم يكن أكثر – لصالح المكون السياسي الأصولي الديني، مع احتفاظ الدولة بطابعها البنيوي الأصلي، كدولة أبارتهايد وتمييز عنصري.
في تداعيات «طوفان الأقصى» على الاقتصاد الإسرائيلي، يتوقع أن يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي جراء ذلك خسائر اقتصادية فادحة، هي الأضخم منذ تأسيس دولة الاحتلال، وفق تعبير محللين إسرائيليين وتقارير صحفية إسرائيلية، فقد أثرت الحرب بشكل كبير على الأعمال التجارية، نظراً لوضع دولة الاحتلال في حالة الطوارئ، واستدعاء أكثر من 300 ألف من الاحتياطيين للخدمة العسكرية، وهو حدث امتد على عدة شهور، عرّض قطاع السياحة وشركات الطيران الإسرائيلي إلى ضرر واضح، فبعد قصف المقاومة لمطار بن غوريون في تل أبيب تأثرت الرحلات فيه بشكل كبير، وعلقت معظم شركات الطيران الأميركية والكندية إلى جانب شركات أوروبية خدماتها، خصوصاً بعد التحذير الذي أصدرته هيئة الطيران الفدرالية بسبب الحرب الدائرة، وشهدت العملة الإسرائيلية (الشيكل)، انخفاضاً إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار الأميركي خلال 8 سنوات، وتراجعت البورصة في تل أبيب بنسبة 8% في إغلاقات يوم الأحد 8/10/2023، وهو أول يوم تداول بعد بداية عملية طوفان الأقصى.
مواصلة استنزاف قدرات العدو الاقتصادية والعسكرية والمعنوية، ومراكمة المزيد منها يمكّن المقاومة الفلسطينية من تحقيق النصر في معركة شاقة تتطلب الانتقال بالمواجهة الوطنية من مستوى الاستنزاف النسبي للعدو إلى مستوى الاستنزاف الاستراتيجي الذي ينشئ المعادلة الطاردة للاحتلال واستعادة الحقوق الوطنية.