غزة التي أيقظت العالم ..؟ بقلم : الدكتور خلف المفتاح – المدير العام لمؤسسة القدس الدولية (سورية)

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– شهد ويشهد العالم صراعات كثيرة اجتاحت وتجتاح مناطق كثيرة ولكن لا يتعدى تأثيرها ساحات محددة أو إقليم بعينه أو جزء من العالم، أما ما جرى في غزة فكان صداه كبيراً، وهذا شرف عظيم للمقاومة وأهل فلسطين وفي القلب منهم أهالي غزة، وسيكون لذلك نتائج كبيرة ستتجاوز كثيراً ما يظنه الناس بل وحتى الساسة والمختصون في القضايا السياسية، وهي خارج كل الموازين لأن ما جرى في غزة سرع فيما كان يسير فيه العالم وأحداثه لأنه أي العالم كان يعيش حالة انتقال بين الشرق والغرب بالمعنى الاستراتيجي أشبه ما يكون بفراغ كبير .

– فما حدث بغزة وهو غير محسوب وغير مقدر وغير متوقع من كل القوى في المنطقة والعالم، فعملية التسريع تلك حصلت عندما ضرب ما جرى في غزة الأصل الذي حكم وسيطر فيه الغرب على العالم لمدة ثلاثة قرون ، وهو الليبرالية الغربية والقيم الغربية التي كان الغرب بحجتها وذريعتها يتصدر قيادة العالم من قبيل الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وتقرير المصير، والتي جاءت مع عصر النهضة الأوروبية، فهذه كلها انهارت على مذبح غزة الذي شارك فيه الغرب بكل صراحة ووضوح ، ووقف إلى جانب كيان عدواني استعماري عتصري لا يخفي احتقاره للقيم الإنسانية، وعدم اكتراثه بالرأي العام العالمي ومواثيق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان والمواطن، فسقطت معه كل الأقنعة التي عمل الغرب طويلاً على التلطي بها ، وتضليل شعوب الأرض والعالم بها .

– ولعل أقرب مثال على ذلكً أن الغرب الذي كان يمارس كل أنواع الإجرام والقتل في الدول التي استعمرها في إفريقيا وآسيا كان فلاسفته ومثقفوه يتحدثون ويبشرون بقيم التنوير، واستطاعوا ترويج تلك الرواية أو لنقل الرسالة، فعزلوا ما كان يحدث في الجنوب من قتل وإجرام عن أرض الشمال أي أوروبا، حيث تعيش فيها القيم الإنسانية والتحررية من مساواة وعدالة بينما ما يحدث في الجنوب هو الذبح والإبادة الجماعية لشعوب إفريقية كما جرى في الكونغو وناميبيا وتنزانيا والجزائر وليبيا من قبل بلجيكا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من دول القارة الأوروبية الاستعمارية، ومع ذلك استطاعوا أن يعيشوا ويمرروا هذه الازدواجية لأنهم كانوا يمتلكون الصوت والقدرة على تصديره في أرجاء العالم.

– وعلى الرغم من أن بعض هذه الدول اعتذرت عما قامت به من عمليات إجرام وقتل ونهب وتجريف للسكان الأصليين، وحاولت إعطاء الانطباع بأنها على قطيعة مع ذلك الماضي الأسود وستكون بحلة جديدة ومنظومة أخلاق إنسانية إلا أن ما حدث من موقف أميركي وأوروبي تجاه ما جرى في غزة من جرائم إبادة جماعية موصوفة وقتل وتدمير وسياسة أرض محروقة من قبل الكيان الصهيوني، والذي ينتسب إلى ذلك التاريخ المخزي لتلك القوى الاستعمارية، والذي أشرنا إليه، والذي كان بإمكان هؤلاء إخفاؤه آنذاك اليوم بفعل الإعلام والقدرة على النقل تم كشفه وبيان عورات تلك القوى التي حاولت التستر عليه وذلك أمام شعوبهم وشعوب العالم.

– لقد استطاعت “إسرائيل” عبر نفوذها وشبهها في المضمون للغرب جره بضفتيه إلى مربعها، وهذه حالة غير مسبوقة في التاريخ، فعندما تصدر قوانين في بريطانيا تجرم من يقف إلى جانب فلسطين، وكذلك في ألمانيا، فهذا يعني أن إسرائيل استطاعت ذلك والتجريم هو لمواطنيهم وليس للأجانب فقط ما يعني تغيير ثوابت وقيم مستقرة في تلك البلدان أبسطها حرية التعبير والتظاهر وإعلان المواقف، فمن حق أي مواطن التعبير عن رأيه في أرضه ووطنه تجاه أية قضية داخلية أو خارحية تؤثر في الرأي العام المحلي والعالمي، فكيف تكون إسرائيل وما تقوم به من إجرام وقتل يثير الرأي العام العالمي حالة استثنائية في ذلك ؟؟ وهذه تشكل ضربة أساسية وجوهريةً لفكرة الحرية في أوروبا ما يعني أن ما قامت به بعض الحكومات الأوروبية يشكل ليس فضيحة سياسية وإنما أخلاقية وغير مسبوقة ما يعني أن إسرائيل جرت الغرب بضفتيه إلى المربع الذي تريده بل المستنقع الذي وقعوا فيه ناهيك عن أن الغرب الذي يعيش حالة مواجهة مع كل من روسيا والصين تراه يدفع بكل ثقله وقراه الاستراتيجية للتغطية والحماية لكيان يمارس الإجرام، ويحاكم أمام قضاة محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكابه لجريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

– لقد نبهت معركة طوفان الأقصى الضمير العالمي وعرت الغرب وأظهرته على حقيقته العدوانية وزيف ادعاءاته ومقولاته عن الحرية وحقوق الإنسان إضافة إلى أنها أعادت الاعتبار لقضايا التحرر وحق الشعوب في المقاومة وكسرت حمى الاستعمار المزمن في العقل الاستعماري مدعي رسالة الرجل الأبيض، وأثبتت أن التمسك بالحقوق والمقاومة وفائض القوة المعنوية والنفسية يهزم كل ما عداه من قوى مهما بدت عاتية وقادرة على الأذى.

 

 

– غزة التي أيقظت العالم ..؟

– بقلم : الدكتور خلف المفتاح – المدير العام لمؤسسة القدس الدولية (سورية)