عندما تُمسخ الأقوام ..! بقلم : سماحة السيد صادق الموسوي

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

– بعد تأسيس الولايات المتحدة وعمليات الإبادة الجماعية لأصحاب الأرض الحقيقيين استقدم القاطنون الجدد أعداداً كبيرة من مواطني أفريقيا حتى بلغوا أكثر من ثلاثة ملايين فجعلوهم عبيداً يسيّرون أمورهم ويؤمنون مصالحهم ويعملون في مزارعهم ومصانعهم ويُدلّونهم شر إذلال ويعذبونهم أشد تعذيب ويمارسون بحقهم التمييز العنصري بأبشع صوره، بل كان إستعباد الإنسان طيلة عقود عملية تجارية رابحة بين ضفتي الأطلسي تقوم بها شركات متخصصة تخطف الناس من هنا وهناك في القارة الإفريقية وتحملهم عنوة في السفن وتأتي بهم إلى الولايات المتحدة وتتم عمليات البيع والشراء في أسواق النخاسة بصورة علنية، ومن حاول منهم رفض الإنصياع للقراصنة المجرمين أثناء المسير فإنه كان يتم التخلص منه بكل بساطة ويُلقى به في مياه المحيط، وبعد مضي ٢٤٦ عاماً ومقاومات شديدة ومحاولات عديدة وتضحيات كثيرة نجح العبيد أخيراً في كسب المعركة ضد الظلم اللاحق بهم جزئياً فصدر أول قرار بتحرير العبيد في العام ١٧٧٧ في ولايةكانت فيرمونت على أن يقتصر على البالغين سن الـ ٢١، ثم انضمت إليها ولايات أخرى عام ١٧٩١، وأخيراً صدر القرار العام في عام ١٨٦٣ على يد الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن، ورغم صدور القانون هذا لم ترضخ جميع الولايات له بل كان الرفض من عدد من الولايات التي رأت في تحرير العبيد ضرراً على مصالحها فكان أن نشبت الحرب الأهلية والتي ذهب ضحيتها ٦٢٠ ألف أمريكي.

إن قانون تحرير العبيد هو في الحقيقة التفاف على ثورة العبيد وتخلٍ عن أسلوب الإستعباد الوقح واستبداله بنهج الإستعباد المنمق حيث تمّ الإقرار في ظاهر الأمر بحقوق الملايين من السود والملونين ومساواتهم بذوي البشرة البيضاء في النصوص القانونية، لكن الحس العنصري لم يزل متمكناً حتى يومنا هذا في نفوس كثيرين من البيض ضد مواطنيهم من السود والملونين، وهذا الأمر مشهود بوضوح في التعامل اليومي داخل المجتمع الأمريكي وفي المؤسسات الرسمية كذلك، ويراه جلياً المتجول في الأسواق والمطارات ومحطات القطار والباصات، وخير دليل على تأصل روح العنصرية لدى كثير من ذوي البشرة البيضاء ذلك السلوك الوحشي الذي مارسه البوليس الأمريكي ضد الأشخاص ذوي البشرة السوداء والذي أدى إلى نشوب مواجهات دامية واسعة واضطرابات في ولايات متعدذة قبل سنوات قليلة والتي تكررت مرات عديدة وفي العديد من الولايات تبرهن على الروح العنصرية التي لا تزال تسيطر على العرق الأبيض وإحساسهم بأن لهم الفضل على المواطنين السود بأن جعلوهم بشراً أحراراً، وما المواقف العنصرية للرئيس السابق دونالد ترامب التي يطلقها كل يوم والتجاوب الواسع معه من قبل أغلبية المواطنين وتقدمه في الإستطلاعات إلاّ إثباتاً على ذلك.

لكن قسماً من الذين عانوا هم وآباؤهم وأجدادهم من العبودية وذاقوا القهر والعذاب ومورس بحقهم أبشع أنواع التمييز العنصري قد تمّ مسخهم وفصلهم عن جذورهم وإقناعهم بوجوب السير في مسير عبودية جديدة مقنعة فجيء بهؤلاء لتبوّء مناصب ومواقع على مستوى عالٍ في ظاهر الأمر، لكن الواقع أن مواقف هؤلاء الذين ذاق آباؤهم وأجدادهم مرارة الظلم وعانوا قروناً من القهر وخاصة في التعامل مع الحرب المفروضة اليوم على قطاع غزة المظلوم نجد أن لا علاقة لهؤلاء بطبيعة قومهم وبني جلدتهم من أولئك الذين لا تزال آثار التعذيب باقية على أجساد بعضهم، والتمييز العنصري بمختلف صوره لا يزال يمارس بحق إخوانهم، وتصدر منهم مواقف مؤيدة لجرائم الكيان الصهيوني أكثر من مواقف بعض المسؤولين الأمريكيين من ذوي البوشرة البيضاء، ولعلهم نسوا ما لحق من ظلم بحق أسرهم وعائلاتهم في فترة الإستعباد.

إن مواقف كوندوليزا رايس وكولن باول ذوي البشرة السوداء بالأمس لصالح الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق والعدوان على لبنان وموقف وزير الدفاع الأمريكي ومندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن وعمدة نيويورك وأمثالهم اليوم من العدوان على غزة وتأييدهم المطلق لارتكاب الجرائم الوحشية وعمليات الإبادة البشرية ضد الشعب الفلسطيني لهو تناسٍ لما كان يقاسيه آباء وأجداد هؤلاء طوال قرون على يد ذوي البشرة البيضاء من أنواع الإضطهاد وصنوف القهر والإذلال، والحال هذه لا تزال مستمرة في تجليات عديدة تظهر بين الحين والآخر في ممارسات مؤسسات رسمية أمريكية من المفترض أنها تجاوزت مرحلة التمييز العنصري.

إن تسليم مواقع أساسية في الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً وفي الغرب عموماً لأشخاص من أصول إفريقية ليس نتيجة التخلص من حالة التمييز العنصري والتحرر من روحية الإستعلاء بل يتم انتخاب عينات من ذوي البشرة السوداء قد تأكدوا من انسلاخهم عن بني جلدتهم بالكامل ورضوا بأن يكونوا في خدمة أسيادهم من جديد مقابل جلوسهم على بعض الكراسي ولكن من دون إرادة ومن غير أن يكون بيدهم أي قرار، فتكون النتيجة خداع عشرات الملايين من ذوي البشرة السوداء في الداخل ومئات الملايين من شعوب الأرض في الخارج وإيهامهم بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي مركز المساواة بين الأمم والأقوام والأجناس ومهد الحفاظ على حقوق الإنسان، لكن المساندة الأمريكية والغربية الكاملة اليوم للعدوان الصهيوني على غزة والمواقف الداعمة لارتكاب المجازر والإصرار على استمرارها بحق الأطفال والنساء والشيوخ والمبررة لقصف وتدمير المستشفيات والسكوت على الغارات الجوية والقصف المدفعي على مراكز تابعة رسمياً للأمم المتحدة وترفع علم المؤسسة الدولية وقتل النازحين المتواجدين في داخلها بل وقتل أكثر من مائة من الأعضاء الرسميين في تلك المؤسسة الدولية كل هذا بيّن للقاصي والداني أن روح التمييز العنصري قد ورثها الأبناء عن الآباء وهي لا تزال تتحكم في نفوس خلائف أولئك الذين قضوا بصورة شبه نهائية على أهل البلاد الأصليين من الهنود واستعبدوا الملايين من المأسورين من القارة الأفريقية، وهم اليوم يريدون توسيع دائرة الإستعباد تلك لتشمل بلاد العالم كلها وكافة الأقوام وجميع الشعوب وفرض إرادتهم عليها ونهب ثرواتها والتحكم بقراراتها وجعل الحكام والشعوب أدوات طيّعة في خدمة أهدافهم الخبيثة، لكن أنموذج العبودية السابقة كانت بأخذ الناس من بلادهم إلى الولايات المتحدة واليوم يأتون بالأساطيل والجيوش ليستعبدوا الشعوب وهم على أرضهم، ويستغلوا ثرواتهم وطاقاتهم بتأييد من المستسلمين لإرادتهم من الحكام والنخبة التي تدعي أنها مثقفة، وتصف كل حركة لمقاومة هذا الإستعباد بأنها حركة إرهابية ويسمّون أولئك الذين يرفضون عملية الإستعباد الجديد بأنهم مجموعات تهدد السلم الإقليمي والعالمي والمتعاطفين معهم يشكلون خطورة على مصالح البلاد والعباد، وهذه الحالة كانت سائدة إبان حكم فرعون الذي ورد ذكره مراراً وتكراراً في القرآن الكريم، حيث تسلط على رقاب الشعب بالحديد والنار ( جعل أهلها شُيَعاً يستضعف طائفة منهم يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم )، وفرض نفسه إلهاً إستناداً إلى تسلطه على مقدرات البلاد ومصائر العباد، واستطاع كما اليوم أن يجد من يشرّع إدعاءاته ويبرر مزاعمه ويسوق بين عامة الناس منطقه، حتى بلغ بفرغون الحال أقصاه فقال؛ ( يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري )، بل وصل به الأمر إلى حد أن لوّح لمن يتردد في الرضوخ الكامل له بالعقاب الشديد: ( لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين )، واستعمل بحق من آمنوا برسول الله موسى الكليم عليه السلام  من جهابذة السحرة الذين دخلوا الميدان تحت شعار ( بعزة فرعون  إنا لنحن الغالبون ) لكنهم لما أدركوا حقانية الرسالة ( قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون )، فكان التنديد من جانب الطاغية: ( آمنتم له قبل أن آذن لكم ؟ )، ومن ثم قرر بحقهم أشد العذاب متحدياً قدرة الله سبحانه حيث قال:( لأقطّعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلّبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أيّنا أشدّ عذاباً وأبقى ).

وها نحن اليوم أمام فرعون جديد وملأ من حوله يسوّقون منطقه عند الشعوب ويبررون طغيانه وأبواق إعلامية تحاول تثبيط همم من يرومون مقاومة الإستعباد الجديد، ويصفون الكيانات التي ترفض الإنصياع والقبول بألوهية فرعون العصر بـ ( إنهم لشرذمة قليلون ) ويشوهون مناداتها بالتحرر عبر القول: ( إنهم لنا لغائظون )، ويلوحون للممانعين بأشد العذاب عبر الأساطيل والبوارج والطائرات الحربية والقنابل المدمرة وأيضاً بالعقوبات الشديدة والحصار الخانق، لكن الله سبحانه قد وعد المؤمنين بنصره بقوله؛( إنا لننصر رُسُلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ) وأيضاً ليثبت بطلان مزاعم الطغاة بقوله: (  لنُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي