#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– لم يكن الصراع بين الشرق والغرب مسألة حديثة العهد، فثمة جذور تاريخية لذلك شهدها العالم منذ آلاف السنين ” ومازال ” وعلى وجه العموم يعاني الشرق بالمعنى الجيوسياسي والجيوثقافي من أقنومية غربية لا ترى فيه إلا سوقاً لتصريف منتجاته وشعوباً متخلفة تحتاج لما سمي رسالة الرجل الأبيض التي كانت عنواناً مخففاً وملطفاً لاستعماره واستثماره ومن ثم تقيؤه إما باتهامه بالتخلف والهمجية ، وإما بالإرهاب والقتل والتطرف؛ كي يشرعن ما يقوم به تجاهه من إجرام ونهب وتخريب، وعلى خلفية ذلك كان عصر الاستعمار الغربي لدول الجنوب وتحت حجج كاذبة ومخادعة من قبيل الوصاية والانتداب وغيرها من عناوين فاضت بها أقلام مسوغي إجرامه ومطابخه السياسية والاستخباراتية ووسائل إعلامه التي سيطرت على الفضاء الكوني لعقود عديدة وما زالت.
– لقد عمل الفكر الاستشراقي على تشويه صورة شعوب الشرق بكل مكوناته وتشييئه لجهة تشكيل صورة انطباعية سلبية عنه لدى شعوب الغرب إذ تمر سياساته الاستعمارية وجرائمه برضاً أو روح شعبية داعمة لذلك بحكم سياسة تخصيب الكراهية والحقن والتحشيد عن طريق الصورة الانطباعية التي استقرت في الوجدان العام والوعي الجمعي لشعوب الغرب -وأقصد هنا الغرب الاستعماري بضفتيه- ما جعل جرائمه بحق تلك الشعوب ونهبه لثرواتها وإدخالها في دائرة الفقر والجهل والتخلف تمر دون أي حس أو شعور بالمسؤولية الأخلاقية جراء تلك الأفعال المشينة واللاإنسانية، وهي التي أشارت إلى جانب منها قبل عدة أشهر رئيسة وزراء إيطاليا الحالية عند حديثها عن دور فرنسا في نهب ثروات القارة الإفريقية من المعادن الثمينة والثروات الطبيعية وغيرها وترك شعوب تلك الدول فريسة للفقر والجهل والتخلف، ومن ثم الدخول القسري في دائرة الإرهاب أو الهجرة من الجنوب إلى الشمال بحثاً عن حياة كريمة، وما يحمله ذلك من مخاطر على ملايين الهاربين من محرقة الموت والفقر والحرمان.
– ولكي يبقي الغرب الاستعماري هذا الفارق والفجوة الهائلة بين مستواه التقاني والمعرفي والاقتصادي والحضاري ومستوى تلك الشعوب عمل بكل الوسائل على توسيع ذلك البون وعدم السماح بجسره وتقليصه من خلال السعي لإبقاء تلك الشعوب على مسافة بعيدة من تقدمه في مجالات الحياة بكافة صورها وألا توطن وترسمل أسباب الحياة الحديثة المنتمية إلى العصر الحالي وجعلها عاجزة عن اللحاق بركب الحضارة والمعرفة والانتساب إلى العصر بمفرداته ولغته وأدواته وأن تبقى في دائرة الاستهلاك الحضاري لا الإنتاج الحضاري وسوق تصريف لمنتجاته لا جهة إنتاج وشراكة.
– ومع تشكل وعي لدى عديد دول العالم وشعوبه لهكذا سياسات استعمارية عنصرية مقيتة وانتهاجها لسياسات وطنية تقوم على الاستثمار التعليم والتنمية البشرية وتوطين معطيات العصر العلمية والعقل المنتج لا المنتج واتباع سياسات حكيمة وواعدة تعتمد على الاستثمار في الرأسمال العقلي والاجتماعي والكتلة الحيوية في المجتمع والانفتاح على عصر العلم والتكنولوجيا والأخذ بأسبابه استطاعت العديد من الدول جسر الهوية المعرفية والتقانية والاقتصادية والحضارية مع الغرب بل ومنافستها في امتلاك عناصر القوة المتعاظمة، والتفوق عليها، وفي مقدمة تلك الدول جمهورية الصين الشعبية والهند وبعض دول الجنوب بحيث باتت تشكل منافساً حقيقياً لها في المجالات كافة، ولاسيما الاقتصادية والتقانية والفضاء الكوني وريادته متسلحة برصيد حضاري وإنساني هائل يحمل ملامح رسالة الشرق رسالة المحبة والتعاون والشراكة في المنافع واحترام كرامة الإنسان وسيادة الدول وحق الشعوب في التعبير عن هويتها الحضارية.
– لقد استطاعت جمهورية الصين الشعبية وفي أقل من عقدين من الزمن بعد انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح التي اتبعها الحزب الشيوعي الصيني تحت عنوان صيننة الاشتراكية أن تصبح ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية حيث يبلغ ناتجها المحلي أكثر من 17 تريليون دولار وتطمح للوصول إلى 30 تريليوناً خلال السنوات العشر القادمة ما يمكنها من تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الأميركي الذي يبلغ حالياً حوالي 23 تريليون دولار مع الفارق في حجم التصدير والسوق التي تصبح في مصلحة جمهورية الصين الشعبية حيث تتجاوز نسبة النمو في الناتج المحلي حوالي 5،5% سنوياً وأكثر إلى جانب تزايد القوة العسكرية الصينية بشكل كبير وتفوقها في المجال البحري حيث يتكون الإسطول الأميركي من 484وحدة بحرية بينما تمتلك الصين 777 وحدة بحرية كما تشهد تنامي برنامجها بارتياد الفضاء وصولاً لسطح القمر.
– وبحسب الخطاب السياسي الأميركي تشكل الصين اليوم المنافس الأول إن لم يكن العدو الأول للولايات المتحدة الأميركية مع الاختلاف في النظر لطبيعة العلاقات الدولية، حيث تتبع أميركا سياسة الفوضى الخلاقة وعسكرة العلاقات الدولية بينما تتبنى الصين الشعبية سياسة الاستقرار البناء والتنمية وبناء قواعد اقتصادية في دول العالم بدل القواعد العسكرية وفق المفهوم الأميركي إلى جانب تمسك الصين بسياسة السلم والأمن الدوليين، واحترام ميثاق الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي، واحترام سيادة الدول، وهو ما يعاكس النهج السياسي الأميركي ما جعل الصين تحظى بتأييد دولي كبير ومساند لسياساتها السلمية ونهجها في التعامل مع دول العالم وشعوبه في حين يطرح الساسة الأميركيون وبعض نخبهم الثقافية .
– سؤال بمواجهة شعوب العالم لماذا يكرهوننا ..؟
– وإلى جانب كل ما تقدم طرحت القيادة الصينية وعلى رأسها الرئيس شي جين بينغ منذ 10 سنوات مشروع الحزام والطريق؛ وهو مشروع يسعى لربط الصين بدول العالم بعلاقات اقتصادية وتجارية وتنموية عن طريق مسارين (بري وبحري) وتعد سورية بموقعها الجيواستراتيجي ودورها في المنطقة إحدى قواعده وحوامله الأساسية، ما يفسر تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ في القمة التي جمعته مع السيد الرئيس بشار الأسد عن ارتقاء العلاقة مع سورية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية للصين لتكون رابع دولة في العالم ترتبط مع الصين بشراكة بهذا المستوى بعد روسيا وبلاروسيا والباكستان ما يعكس الوزن السياسي والدولي لسورية في حسابات القيادة الصينية لمستقبل العلاقات الدولية في ظل تحولات بنيوية يشهدها العالم تشكل إرهاصات أولى لنظام دولي جديد يقوم على الشراكة في المنافع وتعدد الأقطاب وصولاً لنظام اقتصادي ومالي دولي ينهي هيمنة الدولار الأميركي على السوق العالمية والنقد الدولي بوصفه أداة وسلاح هيمنة، ولعل ما جرى الاتفاق عليه في قمة بريكس بشأن الاتفاق على العملات القابلة للتبديل خارج دائرة الدولار يشكل خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
– إن القراءة الموضوعية التحليلية للمشهد الدولي تشير بشكل واضح أن نظاماً دولياً جديداً بدأ يتشكل وأن عصر الهيمنة الأميركية الغربية على المشهد العالمي بدأت تتراجع لصالح عالم الشرق والجنوب، ولعل تجمع بريكس وإعادة إحياء مجموعة الـ77 التي أُسّست قبل 60 عاماً لتضم دول الجنوب والتي توسعت اليوم لتصبح 144 دولة وتضامنها مع بريكس يشير بصورة قاطعة إلى أن العالم يمضي بشكل متسارع نحو فضاء سياسي دولي يؤبن بل وينعي هيمنة الغرب على المسرح الدولي ليبشر برسالة الشرق رسالة والمحبة والتسامح وسعادة الإنسان التي تحمل رايتها اليوم الصين وبعض شركائها بمن فيهم أمتنا العربية بكل ما تمثله من قيم حضارية وانسانية ورسالة خالدة.
– بقلم : الدكتور خلف المفتاح .
– المدير العام لمؤسسة القدس الدولية ( سورية ) .