#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– بدت “الرواية الأمريكية” التي أطلقتها إدارة بايدن مختلفة عن روايات الإدارات السابقة, التي ادعت “حماية الشعب السوري” و”حماية ثرواته ونفطه”, وتبنّى الوزير أنتوني بلينكن بنفسه مهمة الترويج للرواية الجديدة التي سبق له إعلانها, وبأن بلاده تبحث عن “حل سلمي في سورية”, وأن وجود القوات الأمريكية في سورية هو “لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي”, وسط إدراك العالم بأن الجيش العربي السوري وحلفائه , وحدهم من يواجهون هذا التنظيم الإرهابي وغيره…
روايات امريكية تهالكت أمام وضاعتها وزيفها, وتحولت إلى مسرحية هزلية, أمام السلوك الأمريكي المشين, الذي كشف للعالم تمسك واشنطن بالمؤامرة والحرب على سورية، وبالأدوار التي لا تزال توكلها لجيشها الإحتلالي, وجميع أدواتها سواء كانوا دولاً أو ميليشياتٍ إنفصالية وإرهابية وعملاء, واختبئ الجميع وراء المواقف والأفعال المشينة للإدارة وقوات الإحتلال الأميركيين.
أفعال تخطت الحصار السياسي والعسكري وإصدارالعقوبات , ولجأت إلى إحكام الحصار الإقتصادي عبر ما يسمى “قانون قيصر” الأمريكي, وسيطرت قواتها الإحتلالية على حقول النفط ومحاصيل الزراعية وكافة الثروات السورية, وتحول المشهد نحو فضح الرغبة الأميركية الجامحة لتجميد الخرائط العسكرية الميدانية, واستمرار وجود قواتها وبقائها الاّمن على الأراضي السورية، وسط هواجس حفاظها على هيبتها ومكاسبها وقواعدها وحياة جنودها، واكتفت ظاهرياً بمتابعة أعمال السرقة والنهب وحرق المحاصيل, رغم عدوانها العسكري بين الحين والاّخر على نقاط ومواقع تمركز قوات الجيش العربي السوري, بما يخدم استراتيجتها الخبيثة غير المعلنة.
فقد أثبتت الوقائع, أنها تعتمد استراتيجية كبرى تتخطى مصالحها على الأراضي السورية، وتجعلها قادرة على تحقيق أهدافها في العراق، وتمنحها إمكانية الإقتراب من الحدود الإيرانية، ومنع التواصل الجغرافي والحيوي والتجاري والعسكري, الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق، وصولاً إلى لبنان وفلسطين المحتلة.
لكن ومع تصدع الرواية والمشروع الأميركي، نتيجة الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه والمقاومة اللبنانية والعراقية على طرفي الحدود، وبعد نجاح الدولة السورية باستعادة سيطرتها ونفوذها وتحريرها مساحاتٍ واسعة من الأراضي التي سيطر عليها الغزاة المحتلون وإرهابييهم ، تأكد الأميركيون من استحالة تحقيق أي تقدم أو نجاح في تفكيك الدولة السورية, والإطاحة بحكومتها وقيادتها ونظامها السياسي, وبأنه لا بد من تغيير المشهد الميداني, وتطعيمه بمشهدٍ وحراكٍ شعبي محسوب, يستعجل وصول واشنطن إلى خواتيم أهدافها في تقسيم الجنوب السوري, وإسقاط النظام السياسي للدولة السورية, وأقله إقامة إدارةٍ ذاتية ثانية في جنوب البلاد, تُدخل الطمأنينة لقادة الكيان الإسرائيلي.
وبدأت مؤخراً قوات الاحتلال الأمريكي بتكثيف سرقاتها ونشاطها وتحركاتها العسكرية وضاعفت أعداد جنودها وقواعدها العسكرية, واستجلابها لعشرات قوافل الشاحنات المحملة بالأسلحة, وضاعفت تحصين أهم قواعدها في منطقة التنف, عبر مضاعفة أعداد إرهابييها في محيطها لحمايتها, كذلك ضاعفت من زيارات ولقاءات مسؤوليها العسكريين بأدواتها الإنفصالية والإرهابية على الأرض, واهتمت بمشروع إعادة إحياء “داعش”, وإطلاقه من سجون “قسد”, الذي تكفل بدوره بتنفيذ دوره ومهمته بإلهاء الجيش العربي السوري في سورية, وبتوجيه الضربات الموجعة له, بالتوازي مع تكيثف العدوان الإسرائيلي على سورية ومحيط دمشق, في رسالةٍ واضحة للدولة والمقاومة السورية والحلفاء, على طرفي الحدود السورية – العراقية, للحد من تصعيد المقاومة ضد قواتها وأدواتها, وسط مخاوفها من خروجٍ مذل “تزينه” نعوش جنودها, وحاولت الإيهام والتهويل حول قدراتها العسكرية, وأوحت بعملية جديدة تستهدف قطع الطريق البرية بين سورية والعراق وإغلاق الحدود, لكنها فوجئت بتعرض مواقعها في قاعدتي كونيكو والشدادي خلال 72 ساعة إلى هجومين نفذتهما فصائل المقاومة السورية, ما دفع البنتاغون بالإسراع لإصدار بيان يؤكد أنهم غير معنيين بشن معركة عسكرية لإغلاق الحدود والسيطرة على مدينة البوكمال ومعبر القائم بريف محافظة دير الزور.
لكن ماذا عن استمرار الزيارات المعلنة والسرية والمفاجئة للمسؤولين العسكريين رفيعي المستوى إلى مناطق شمال وشرق سورية ؟ كزيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال الأسبق مارك ميلي لشمال شرقي سورية, بالتوازي مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال شهر اّذار الماضي العراق والأردن وتل أبيب, ناهيك عن عدة زيارات قام بها قائد القيادة المركزية الأمريكية الحالي مايكل كوريلا, الذي يعتبر القائد العسكري الأمريكي الأبرز بين أقرانه الذين زاروا سورية, وقام بثلاث زيارت كانت اّخرها في الإسبوع الماضي, حيث التقى مظلوم عبدي قائد ما تسمى “قوات سورية الديمقراطية” , ناهيك عن الزيارة في 28/اّب , التي قام بها ثلاثة أعضاء في مجلس النواب الأميركي إلى مناطق في شمال سورية، التي تسيطر عليها فصائل إرهابية مسلحة تعمل بإمرة تركيا، ومسلحي”هيئة تحرير الشام” – جبهة النصرة – تنظيم القاعدة ، بالتزامن مع التحركات العسكرية لقوات الإحتلال الأمريكي في منطقة الجزيرة السورية، ومحيط التنف، وشمال غرب العراق، ومع ما تشهده مناطق السويداء ودرعا من تحركات مشبوهة.
لكن , من هو مايكل كوريلا , وما هي أبعاد زياراته المتكررة ..؟
مايكل كوريلا, هو الجنرال العسكري الأمريكي الحاصل على بكالوريوس هندسة الفضاء، ودرجة الماجستير في دراسات الأمن القومي من كلية الحرب الوطنية الأميركية , والذي يملك تاريخاً طويلاً عبرمشاركاته بالعمليات العسكرية الأميركية الخارجية، بالإضافة إلى توليه مسؤوليات عدة في هيئة الأركان العامة للجيش الأميركي، وعدد من المهام العسكرية المختلفة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
حيث ترى فيه المؤسسة العسكرية الأمريكية أنه مقاتل بارع، ومفكر استراتيجي, وصاحب طموحات كبيرة في المناصب العسكرية الرفيعة, وربما السياسية ايضاً, وعلى ما يبدو أنه يحظى بثقة قيادته, التي تمنحه مجالاً لتحركات قواته على الأرض داخل سورية, ونطاقاً واسعاً على مستوى الخرائط الإستراتيجية والجيوسياسية, الممتدة من طهران إلى تركيا وسورية ولبنان وفلسطين المحتلة والأردن والعراق, وهي مهام تتخطى عمله كقائد عسكري فقط, الأمر الذي يضفي على دوره وزياراته المزيد من طابع الخطورة.
واستكمالاً لزيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن التي قام بها مؤخراً إلى تل أبيب والأردن والعراق, قام مايكل كوريلا بزيارة هي الثالثة له هذا العام إلى المناطق التي يحتلها الأمريكيون في سورية, بالتزامن مع زيارته للأردن, ويمكن قراءة هذه الزيارات من خلال التصعيد والضغوطات الميدانية والإقتصادية غير المسبوقة على الحكومة السورية, في الوقت الذي تبدو فيه حقيقة الزيارة, أنها في سياق تفقد التعزيزات الدفاعية الأمريكية عن قواعدها العسكرية غير الشرعية في سورية, وضمان قدرتها على التصدي والصمود أمام أي هجمات جديدة محتملة للمقاومة الشعبية السورية وحلفائها.
وبحسب بعض وسائل الإعلام, التقى كوريلا بقائد “قسد”, وتفقد مخيمي الهول وروج, ونُقل عنه أن: “الولايات المتحدة لن تتخلى عن أي منطقة في سورية وستواصل عملها مع قوات سورية الديمقراطية لتحقيق الاستقرار”, يبدو أن كلامه جاء لطمأنة “قسد” بأن واشنطن ليست بصدد التخلي عنها حالياً, كذلك ما قاله حول “احتفاظ تنظيم داعش بقدراته على قيادة وشن الهجمات”, هو بمثابة تهديد إرهابي جديد, وإعلان يائس ومثير للشفقة, لتأكيد براءة واشنطن من تهمة قيادة التنظيم الإرهابي, وعلى مبدأ أعذر من أنذر.
لكن الولايات المتحدة, تلقت رسالة سورية ومحور المقاومة مجتمعاً, عبر خطاب سماحة السيد حسن نصر الله, عشية ذكرى التحريرالثاني, أكد فيها على قدرة سورية وحلفائها على تحرير شرق الفرات المحتلة من قبل القوات الأميركية, وبأن المعركة هناك “ليست مع قسد والقتال هناك قد يتحول إلى صراع إقليمي ودولي”, وبأنه “إذا أراد الأميركيون أن يقاتلوا بأنفسهم أهلاً وسهلاً وهذه هي المعركة الحقيقية التي ستغير كل المعادلات”.
ولا بد من الإشارة إلى أولى تداعيات زيارة كوريلا, التي تجلت بقتالٍ عنيف بين فصائل ما يسمى “مجلس دير الزور العسكري”, وقوات “قسد”, قد يكون جوهره , المنافسة على إثبات المكانة والأحقية لإعتماد واشنطن على الأكثر “وفاءاً وإلتزاماً”.
وفي خلاصة القول … لم تعد الولايات المتحدة تكتفي بمراقبة وتعزيز التقارب الإقتصادي بين دمشق وبغداد, وباتت ترى فيه تهديداً لكسر الحصار الغربي المفروض على سورية, ويفتح مسارات جديدة , وإحياء وتطوير المشاريع القديمة للتعاون على محور طهران – بغداد – دمشق, كتبنّي الحكومة العراقية إعادة العمل بمشروع إنبوب النفط المار من الأراضي السورية المتوقف منذ 4 عقود, ومشاريع ربط السكك الحديدية, ومشاريع الطاقة الكهربائية وغيرها, وهي أمورٌ بمجملها تنسف أحد أهم أهداف واشنطن لوجودها في التنف, ناهيك عن خشية الولايات المتحدة من تأثير ذلك على علاقات دمشق مع الدول العربية كالأردن ولبنان على سبيل المثال لا الحصر, وهذا بدوره أيضاً سيضعف مواقفها وضغوطها على الدول العربية لوقف عمليات تطبيع علاقاتها مع سوريا بشكلٍ كامل وفوري.
فإهتمت عبر أدواتها الإعلامية وأبواقها, لتويتر الأجواء بين سورية والأردن, عبر تكرار استعمال ذرائع تجارة المخدرات والمسيرات, كذلك بعودة الحديث عن ملف المفقودين والموقوفين اللبنانيين في سورية, عبر فريق التبعية الأمريكية في لبنان, ومرددي تلك الإسطوانة المهترئة, الذين يتجاهلون معالجة وإقفال هذا الملف قبل سنوات بشكل رسمي بين الدولتين, في خطوةٍ تصعيدية أخرى, أساسها الإفتراء ونبش المفلسين, أملاً بربطٍ خارجي وأممي ممنهجين, وضم ملف المفقودين اللبنانيين إلى ملف المفقودين السوريين, لخلق ورقة ضغطٍ خارجيةٍ إضافية على سورية وتشويه سمعتها وشيطنة قيادتها, وتفجير بؤرة توترٍ جديدة في العلاقات السورية – اللبنانية.
من الواضح أن الولايات المتحدة باتت تشر بالخوف وتعيش هواجس تصاعد المقاومة السورية وحلفائها, بعدما تجاهلت عشرات التحذيرات من الدولة السورية, حول ضرورة إنسحاب قواتها من الأراضي السورية, وبات عليها اليوم, قراءة المعادلات الجديدة للمقاومة السورية, فالهجوم والعدوان الإسرائيلي على محيط دمشق ومخازن للأسلحة ومناطق مدنية, قوبل بهجوم على قطعان ومستودعات أدواتها الإرهابية والإنفصالية, والإعتداء على مواقع للجيش العربي السوري وقوافل المبيت جنوبي البلاد, قوبل بالهجوم على قواعدها وجنودها في قواعدها الإحتلالية في كونيكو والشدادي, وبات عليها إدراك أن خروجها من سورية سيكون حتمياً ومذلاً.
لن يتوقّف السوريون ومحور المقاومة مجتمعاً عن توثيق لصوصية قوات الاحتلال الأميركي، وممارساتها وسلوكياتها الإحتلالية اللا أخلاقية , واستمرارها في زعزعة استقرار وأمن الدولة والشعب السوري, ونسف أي محاولة لإيجاد حل سياسي سلمي, وإنهاء الحرب على سورية, الأمر الذي سيفسح المجال أمام محاسبة وإخراج الولايات المتحدة من سورية والمنطقة والإقليم، وسط غياب العدالة الدولية وصمت الأمم المتحدة ومجلس الأمن وما يطلقون عليه زوراً اسم “المجتمع الدولي”.
م. ميشيل كلاغاصي
5/9/2023