#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– على الرغم من كثرة تعريفات علم السياسة وتعددها؛ من تعريف تقليدي يرى أنها فن الكذب والخداع إلى أنها فن حكم المجتمعات إلا أن عالماً ألمانياً معاصراً يدعى فريدريتش راتزل؛ -وهو أبو الجيوبولتيك المعاصر- ألف كتاباً عنوانه: الجغرافيا السياسية؛ يعرف فيه السياسة بقوله: إن السياسة هي التوقع، فرجل السياسة مدعو لأن يهتم بالمعطيات التي بين يديه والأحداث الموضوعية، ولكنه مدعو أيضاً لأن يحسن تحليل واستثمار هذه المعطيات والأحداث لصياغة رؤية مستقبلية يكون فيها المبادر في صناعة وتوجيه التاريخ بحيث لا يكون ضحية له.
– إن الأحداث التي بدأت تعصف بدول العالم كثيرة ومتشابكة، وربما كان بعضها خارج سياق أي توقع، ولكن تحليل المعطيات الدولية والإقليمية وحتى المحلية يمكّن الباحث من استبصار المستقبل والتعرف على شكل الأحداث وسيرورتها وصيرورتها؛ من خلال وضعها في مخبر التحليل فمن الجهل بمكان عدم معرفة أن الأحداث ستجتاح المنطقة العربية عبر ما سمي “الربيع العربي”، وكذلك من الجهل السياسي أن لا يتم توقع قيام الكيان الصهيوني في فلسطين عبر معطيات موضوعية وكذلك انهيار الدولة العثمانية وتقاسم المنطقة العربية؛ فثمة معطيات حقيقية سبقت ذلك كانت تشي وتنبئ بحصول ما حدث. أما في المنطقة العربية وما شهدته خلال العشرية المنصرمة فلا يخفى على أحد أن المطبخ السياسي الغربي – والأميركي على وجه التحديد- كان يتحدث بشكل واضح ومنذ ولاية الرئيس “بوش” الابن عن الفوضى الخلاقة والشرق أوسط الكبير وتم تبني ذلك ودمجه في السياسة الأميركية واستراتيجيات المستقبل وجرت نقاشات ودراسات في مراكز الأبحاث المتعددة حول ذلك. ومع أن الكثير من الساسة العرب وبعض الكتاب والباحثين والمحللين الاستراتيجيين قد تحدثوا مراراً وتكراراً عن الفوضى الخلاقة والشرق أوسط الكبير مع تشخيص دقيق للمخاطر المحدقة بالمنطقة وشعوبها ودولها -وهذا شيئ جيد – إلا أن المسألة بقيت في إطار التحليل والتحذير دونما صياغة لآليات مواجهة لتلك التحديات واتخاذ كل ما يجب ويستلزم من خطوات وآليات وطنية أو قومية أو إقليمية لمواجهة تلك المخاطر وإفشالها أو إحباطها وإنقاذ بلدان وشعوب المنطقة من شرورها؛ ما جعل المنطقة العربية على وجه التحديد دون غيرها تدفع تكاليف باهضة وفاتورة عالية جراء وقوع كل ما جرى التحذير والتنبيه من حدوثه.
– إن عدم توقع هكذا أحداث خطيرة والاحتساب لها هو من الأخطاء السياسية القاتلة التي تتحمل المنظومات السياسية مسؤولية وقوعها وعدم الاحتراز منها أو أخذها بعين الجد وتهيئة كل الظروف لمواجهتها وإفشالها ما يوجب على النخب السياسية وأصحاب القرار على مستوى الدولة الوطنية العربية والمنظومات القومية ضرورة الإصغاء لكل ما يتم التحذير منه وما تنتهي إليه مراكز البحوث والدراسات العربية -على قلتها- من رؤى وتحليلات ودراسات تتعلق بالأمن القومي العربي وأمن الدولة الوطنية وضرورة تبنيها ووضعها موضع التطبيق بوصفها استراتيجيات ومشاريع عمل تتبناها الحكومات المعنية وكذلك على المستوى القومي العربي.
– إن الفهم المتأخر للأحداث يعكس غباءً وجهلاً سياسياً لا يمكن تسويغه فالشعوب والأوطان ليست حقول للتجارب ولا يمكن قبول أو تبرير التقصير في عدم الاحتساب لذلك بفكرة المؤامرة، فتاريخ السياسات في العالم -أساساً- يقوم على فكرة المؤامرة ومن هنا تأتي أهمية قراءة الواقع المحلي والإقليمي والدولي قراءة صحيحة وموضوعية، وتحسين وتحصين الوطن والمواطن ليكون خط الدفاع الحصين والمحصن في مواجة أي تحد راهني أو مستقبلي.