استحقاق الانتخابات وأزمة النظام السياسي الفلسطيني .. بقلم : أسامة خليفة ” باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات “

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

– قراءة في كتاب «الانتخابات العامة.. إلى أين؟.» الإصدار «41» من سلسلة «الطريق إلى الاستقلال»، يعرض لجانبين ليس الصراع وحده يعكس تناقضهما، وإن انتسبا إلى موضوع واحد في هذا الكتاب عنوانه «الانتخابات» التي تبين زاويتين متعاكستين، بالنسبة للحالة الإسرائيلية تواتر الانتخابات التشريعية فيها بشكل غير طبيعي – أربع جولات انتخابية للكنيست- في غضون سنتين، ما ينم عن أزمة حقيقية لنظام سياسي بات عاجزاً عن بلورة تيار سياسي مركزي يدير شؤون الدولة.

أما بالنسبة للحالة الفلسطينية فالنظام السياسي يعجز عن إجراء الانتخابات العامة رغم تواتر خمس دعوات إليها منذ وقوع انقسام 2007 كان أخرها تلك التي صدر مرسوم رئاسي بشأنها في 15/1/2021 ليتم الارتداد عنها بعد أقل من أربعة شهور.

إن مواجهة التحديات التي تواجه نضال الشعب الفلسطيني من ـأجل استرداد حقوقه الوطنية، تتطلب استراتيجية فلسطينية يحملها نظام سياسي قادر على النهوض بأعبائها، إن النظرة إلى حال النظام السياسي الفلسطيني لا تزكيه للدور الأرقى، وتكشف عن ثغرات ونواقص في بنيته وحوامله، ولم يعد بعد إعلان رؤية ترامب ملبياً لمتطلبات العمل الوطني، هذه الحقيقة تعيها أوساط ليست قليلة في القيادة الرسمية، وتتملكها رغبة صادقة في فتح ملف إصلاح النظام السياسي، تفعيله وتطويره وتصويب توجهاته غير أن ما تفتقد إليه هذه الأوساط هو الإرادة السياسية الكفيلة بتحويل الوعي والرغبة إلى فعل سياسي ملموس.

يذهب رأي آخر إلى أبعد من الإصلاح ويدعو إلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بجسميه: منظمة التحرير الفلسطينية التي يفترض أن تكون عنوان النظام السياسي بكل مكوناته، والسلطة الفلسطينية والتي يفترض أن تكون إحدى المكونات الأساسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن في الواقع العملي تقدمت السلطة على المنظمة بدورها ومكانتها وصلاحياتها، وانتقلت السلطة من النظام المختلط البرلماني- الرئاسي إلى نظام رئاسي، بتعطيل أعمال المجلس التشريعي، وبتنحية منظمة التحرير الفلسطينية جانباً، وحرمانها من دورها القائم على ائتلاف وطني جبهوي في نظام برلماني تعددي، لصالح الانفراد والتفرد باتخاذ القرار.

ثمة خياران لإحداث تغيير جدي في النظام السياسي الفلسطيني، الأول هو الانتخابات الشاملة، التي تتيح مخرجاتها إعادة صياغة أوضاع الهيئات القيادية ديمقراطياً، والخيار الثاني: التوافق الوطني، الذي لا يسقط الأول بل يستبقيه إلى حين انعقاد شرطه، أي ترتيب انتقالي يساعد على تطوير النظام السياسي من داخله.

إذاً لابديل عن خيار الانتخابات عاجلاً أم أجلاً، يبقى التساؤل متى وأين وكيف؟.

في مسار الحوار الثنائي بين حماس وفتح في استانبول بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر 2020، اتفق الطرفان على إجراء انتخابات عامة تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني، بالتتالي والترابط، خلال ستة أشهر، وطالبتا فصائل العمل الوطني بالمصادقة عليه، باعتباره المدخل إلى إنهاء الانقسام، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية، وتجديد شرعيتها وتكريس وبناء الائتلاف والشراكة الوطنية على أسس ديمقراطية، ثم تباينت مواقفهما مما توصل له اتفاق استانبول، فقد صادقت اللجنة المركزية لحركة فتح على اتفاق استانبول، لكن سرعان ما ارتفعت أصوات من داخل اللجنة المركزية لحركة فتح تطلق نيرانها الإعلامية على حماس وتطعن بجدية التزامها بما تم الاتفاق عليه.

 حركة حماس أصدرت بياناً، باركت فيه الدعوة لانتخابات لكنها رفضت صيغة التتالي والترابط وطالبت بصيغة التزامن، أي أن تتم العملية الانتخابية في محاورها الثلاث في وقت واحد، إصرار حماس على صيغة إجراء الانتخابات واستبدال آلية الترابط بآلية التزامن عطل ما تم الاتفاق عليه، مما دفع باتجاه عقد لقاء بين الطرفين في القاهرة يومي16و17/11/2021 وبقي الخلاف خلافاً، وانفض الاجتماع عن بيان يؤكد حرص الطرفين على استمرار الحوار للتوصل إلى اتفاق، وهي الصيغة التي تستخدم عادة للتمويه على عدم التوصل إلى اتفاق، وهو ما يكشف أن الأمر في وجه من أوجهه، صراع على السلطة، فتح تريد عبر التتالي: التشريعي ثم الرئاسي ثم الوطني، أن تجدد شرعية السلطة الفلسطينية أولاً، وأن تجدد شرعية موقع الرئاسة، نزولاً عند ضغوط أوروبية، أما المجلس الوطني فلا يحتل الأهمية في حسابات السلطة، وتتحسب حركة حماس لاحتمالات مفترضة ألا تستكمل  العملية الانتخابية فتقتصر على محطتي التشريعي والرئاسي أو التشريعي وحده، وهي تتطلع إلى المجلس الوطني ليوفر لها شرعيتها المؤسساتية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية لحمايتها من تداعيات اتهامها بالإرهاب، مما يقيد من قدرتها على الحركة، ويؤثر على علاقاتها مع الدول الخليجية.

 

أما الجبهة الديمقراطية فقد قدمت ما اعتبرته حلاً وسطاً، يقوم على تقصير مدة العملية الانتخابية بمحطاتها الثلاث إلى أبعد حد، وفي الحوار مع فتح، تم التأكيد على الدعوة لحوار وطني يحضره الأمناء العامون، على جدول أعماله مسألة تنظيم الانتخابات، والتوافق بشأنها وإلا فإن الانتخابات قد لا تكون المدخل المضمون لإنهاء الانقسام، فالانتخابات تقوم على مبدأ التنافس، والذاكرة الوطنية تؤكد لنا أن انتخابات التشريعي في دورتيه السابقتين لم تكونا مدخلاً لإنهاء الانقسام السياسي، بل إن انتخابات 2006 قادت إلى ما هو أبعد من الانقسام السياسي إلى الانقسام المؤسسي والجغرافي، من هنا التأكيد على ضرورة التوقيع على ميثاق الشرف من الجميع، يجري التعهد فيه بضمان سلامة سير الانتخابات، والاعتراف بنتائجها بما يمكن من إتمام الحلقات الأخرى من العملية الانتخابية بسلامة.      

 قبل إصدار مرسوم الانتخابات الذي يحدد تواريخها جرى تعديلات على قانون الانتخابات، جاءت متوافقة مع عناصر التوافق الوطني التي تم التوصل إليها من قبل الكل الفلسطيني فيما عدا نقطتين رئيسيتين:

الأولى: تتعلق بنسبة تمثيل المرأة، تضمنت التعديلات تمثيلاً للمرأة لا يزيد عن 25-26%، خلافاً للقرارات التي اتخذها المجلس الوطني بتحديد نسبة تمثيل للمرأة 30% على الأقل في جميع المؤسسات الوطنية، وهو ما اعترضت عليه الجبهة وطالبت بتصويبه.

أما النقطة الثانية: المطالبة بإزالة الالتباس حول ما ورد في البيان الختامي لحوار الفصائل في القاهرة النص على انتخاب «رئيس السلطة الفلسطينية» وليس انتخاب «رئيس دولة فلسطين»، وهذا يخالف ما ورد في المرسوم الرئاسي رقم 3 لسنة 2021 بشأن الدعوة لإجراء انتخابات تشريعي ورئاسي ومجلس وطني فلسطيني، استناداً للنظام الأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية، وللقانون الأساسي المعدل لسنة 2003م وتعديلاته، الذي دعا لانتخاب «رئيس دولة فلسطين»، وذلك يوم السبت الموافق 31/7/2021م. إن استعادة الصيغة القديمة بانتخاب «رئيس السلطة» هي مسالة سياسية من الطراز الأول، وليست مجرد استبدال تعبير بآخر، فالحديث عن «رئيس السلطة» يبقي الموضوع في سياق مواصلة الالتزام باتفاق أوسلو بما فيه مرحلته الانتقالية، وكانت الجبهة منذ العام 1998 تطالب بإعلان بسط سيادة «دولة فلسطين» على الأراضي الفلسطينية في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة، باعتبار ذلك أحد الروافع للتحرر من اتفاق أوسلو، وأعادت «ج.د.ت.ف.» تجديد هذا المطلب بعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 19/67 -2012 الذي اعتمد «دولة فلسطين» عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، الجبهة لا تدعو إلى العودة للوراء بإلغاء هذا التعديل بل هي تدعو إلى التقدم إلى الأمام بالتطبيق الجاد، والمنسجم مع ذاته لشعار «الانتقال من السلطة إلى الدولة» من خلال اعتماد صيغة دستورية مؤقتة تضمن تأكيد حق دولة فلسطين في السيادة على أرضها، وإعادة صياغة المؤسسات القائمة بما ينسجم مع تجسيد هذا الحق، عملاً بقرار الجمعية العامة رقم 19/67، هذه الصيغة بحاجة إلى إجماع وطني، لذلك دعت الجبهة الديمقراطية إلى طرح هذه المسألة على جدول الحوار الوطني، وينبغي أن يصار إلى إقرار هذه الصيغة مؤقتاً من قبل المجلس المركزي وبمشاركة الكل الوطني ممثلاً بالأمناء العامين، وتؤكد الجبهة إن هذه الصيغة يجب أن تخضع للتدقيق والإقرار من قبل المجلس التشريعي المنتخب بصفته المخول بتعديل القانون الأساسي، وكذلك من قبل المجلس الوطني الجديد عند اكتمال تشكيله، بصفته الهيئة البرلمانية العليا لدولة فلسطين.

في جولة الحوار الوطني في القاهرة 8-9/2/2021 قدم الطرفان فتح وحماس تفاهمات استانبول على أنها تعبر عن مخرجات اجتماع الأمناء العامين 3/9/ 2020 وجعلا منها أولوية بديلاً للأولويات الفرعية التي أقرها الاجتماع، أي تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، وتكليف لجنة من الشخصيات الوطنية الوازنة لصياغة استراتيجية وطنية لإنهاء الانقسام ومواجهة خطط الضم، تقدم إلى دورة يعقدها المجلس المركزي يحضرها الأمناء العامون، أي دورة بمشاركة الكل الوطني، تندرج في سياق استكمال أعمال اجتماع رام الله-بيروت.

كما قدما تفاهمات استانبول على أنها المدخل لإنهاء الانقسام عبر الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، لتشكيل مجلس تشريعي تنبثق عنه حكومة وحدة وطنية تتولى إعادة توحيد المؤسسات بين الضفة والقطاع، وبذلك يكون الطرفان قد تجاوزا الأولويات التي أقرها اجتماع الأمناء العامين، وأحلا الانتخابات مكانها في ظل الانقسام، بديلاً للوثيقة التي كان يفترض أن تنجزها لجنة الشخصيات الوطنية لتقدم إلى المجلس المركزي بمشاركة الكل الوطني.

لقد اختار الطرفان فتح وحماس المدخل الأكثر صعوبة لإنهاء الانقسام، ووضع على المحك بشكل فج ومباشر مسألة من يمسك بالسلطة، ويدل على ذلك عدم موافقة المكتب السياسي لحماس على صيغة تفاهمات استانبول والدعوة إلى صيغة تزامن المحطات الانتخابية بديلاً للتتالي والترابط.

 

أما الحوار الذي أجراه وفد فتح في دمشق مع الفصائل الخمسة ( د. +ش. +ق.ع. + ص.+ ج.) فقد أبرز حجم الخلافات والتباين في الرؤى بين القوى، بين من يشترط مرجعية سياسية للانتخابات تتجاوز اتفاق أوسلو، وبين الدعوة لصيغة تكون الأولوية فيها إعادة بناء «م.ت.ف.» وإصلاح مؤسساتها عبر انتخاب مجلس وطني جديد يشكل الأساس السياسي لكل العمليات الانتخابية، خلافات أكدت ضرورة عقد حوار وطني يكون هو الميدان الفعلي لتبادل وجهات النظر، والوصول إلى توافقات على القواسم المشتركة.

 لقد كان من المفترض أن يعقد الحوار في القاهرة في منتصف 10/2020 على أن يصدر في سياقه أو قبله مرسوم الدعوة للانتخابات، غير أن تراجع قيادة حماس عن تفاهمات استانبول أخّر عقد اللقاء إلى أن قدمت حماس شروطها الجديدة، فوجد الحوار طريقه للانعقاد في القاهرة، 8-9/2/2021.

في كلمته الافتتاحية للحوار أكد الراعي المصري حرص القيادة المصرية على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني لاستقبال الاستحقاقات المقبلة على المنطقة وعلى القضية الفلسطينية، وأكد طرفا الانقسام فتح وحماس الرغبة في الوصول إلى تفاهم وتوافق على إجراء انتخابات خاصة في حلقتها الأولى (المجلس التشريعي) دون أن يعني ذلك تراجع اهتمام حماس بضرورة الوصول إلى الحلقة الثالثة من الانتخابات (المجلس الوطني)، هدفت حماس إلى إسباغ الشرعية على سلطتها في قطاع غزة خلاصاً من واقعها الحالي كسلطة أمر واقع، بينما هدفت فتح إلى تجديد شرعية السلطة الفلسطينية وأبرزها المجلس التشريعي نزولاً عند نصائح ومواقف عربية وإقليمية ودولية، من هنا لم يتوغل الطرفان في مناقشة مسألة الانقسام وكيفية معالجته وآليات توحيد المؤسسات، وأحالا الأمر برمته إلى لجنة تكون مهمتها معالجة ما أفرزه هذا الانقسام من قضايا وملفات.

وافقت الجبهة الديمقراطية على العملية الانتخابية في صيغتها التي تعطي الأسبقية لانتخابات التشريعي على الرئاسي وعلى المجلس الوطني، من باب الحرص على صون وحدة الموقف الفلسطيني، وستشارك في خوضها من موقع الإحساس بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية نحو أبناء شعبنا في مناطق السلطة الفلسطينية، ومن أجل إعادة بناء النظام السياسي بعدما أصابته تشوهات كبرى، وأكدت أن ذلك لا يعبر عن أولوية التشريعي أو محوريته في النظام السياسي الفلسطيني، بل إن المجلس الوطني هو الأولوية وهو الذي يحتل الموقع المحوري ليصبح جامعاً للكل الفلسطيني، وأن الشتات لن يقبل بالتجاوز على كامل حقوقه لجهة التمثيل الديمقراطي في المؤسسة الوطنية الجامعة وسائر المؤسسات، وسيكون له موقف سياسي وعملي وحاسم في حال استشعاره عدم جدية القيادة الرسمية في الإقدام على خطوات ملموسة لملاقاة هذا الاستحقاق الوطني الذي طال انتظاره.

استغرق نقاش انتخابات المجلس التشريعي المساحة الأوسع من الحوار وبقيت على جدول الأعمال مسألتان لم تتم مناقشتهما أو الوصول إلى نتائج بشأنهما، هما:

–  المرجعية السياسية لعموم الحالة الفلسطينية، أي الاستراتيجية الوطنية للمرحلة المقبلة. وهي النقطة التي وردت في مخرجات اجتماع الأمناء العامين، على أن يكون قرارات الدورة الأخيرة للمجلس الوطني 2018 هي المرجعية السياسية التي تقود بالتنفيذ العملي إلى الخروج الآمن من اتفاق أوسلو والتزاماته، بما فيها وقف العمل بالمرحلة الانتقالية، علماً أن فتح وحماس توافقتا على تجاوز هذه النقطة! مما يفسح المجال لتفسيرات شتى.

–  إعادة بناء مؤسسات «م.ت.ف.» لتكون جامعاً للكل الفلسطيني، بعدما باتت موضع اعتراف كل الأطراف ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، دون أن يعني ذلك المصادقة على أوضاعها الحالية، وعلى الواقع المتدهور لمؤسساتها، وتغييب لجنتها التنفيذية.

ولأهمية هاتين النقطتين تقرر الدعوة لجولة حوار ثانية في القاهرة استكمالاً لجولة الحوار الأولى فانعقدت في 16و17/3/2021 وقد أعلنت الأطراف مواقفها من انتخابات التشريعي وأصبح الطريق إلى إنجاز العملية الانتخابية سالكة، دون إسقاط بعض المحاذير من الحسابات، والتي برزت بعد هذه الجولة من الحوار، ومنها: الأحاديث المتكررة والمتناقضة عن احتمال تشكيل لائحة مشتركة بين حماس وفتح تلتحق بهما أطراف أخرى، ما يوضح أن الحوارات الثنائية بين الطرفين مازالت على حيويتها في إطار رغبة الطرفين في ضبط السقف السياسي لجولة الحوار، بحيث لا تخرج عن السياق السياسي الذي يخدمهما رغم تباين الرؤى بينهما، والذي فرض جدول أعمال لا يدرج المرجعية السياسية الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية كبند أول، لإغراق الحوار بالقضايا الإجرائية على حساب القضايا الجوهرية، فأدى اعتماد جدول الأعمال بالتسلسل الذي توافقت عليه فتح وحماس إلى الاستغراق في مناقشة قضايا إجرائية لانتخابات التشريعي استهلكت معظم الوقت، مما حال دون الدخول في مناقشة القضايا الجوهرية، وتأجيلها إلى 22/5/2021 أي بعد الانتخابات التشريعية، ما يمكن أن يفسر أن حركة فتح ترهن التعاطي مع قضية المجلس الوطني بنتائج انتخابات التشريعي، بل إن البعض يبشر أن لا إمكانية لانتخابات في الخارج وأن انتخاب المجلس التشريعي هو الحلقة الأولى والأخيرة في عملية انتخاب المجلس الوطني، والخطوة التالية هي استكمال عضوية المجلس المركزي بالتوافق، والسؤال الذي يطرح: هل تعتبر انتخابات المجلس التشريعي خطوة كافية فيما يخص الداخل الفلسطيني لتمثيل القوى السياسية كافة ؟. واستتباعاً في المجلس الوطني؟. مثل حركة الجهاد الإسلامي ومعها الصاعقة والقيادة العامة وفصائل أخرى لن تشارك في انتخابات التشريعي؟. هل تُحرم من حقها في عضوية المجلس الوطني؟. فضلاً أن الانتخابات لا تضمن أن كل من يرشح نفسه سيفوز في التشريعي، هل يحرم هذا الطرف أو ذاك من عضوية الداخل في المجلس الوطني؟.

هذا يطرح نقطة جوهرية: ما هو مبدأ تشكيل المجلس التشريعي؟. وما هو مبدأ تشكيل المجلس المركزي؟. التشريعي مؤسسة تشريعية لسلطة الحكم الذاتي لشعبنا تحت الاحتلال تقوم انتخاباته على المغالبة في ظل موازين قوى انتخابية سلطوية ليس بالضرورة أن تشكل الوجه الحقيقي للوزن السياسي لهذا الفصيل أو ذاك، فالانتخابات تفتقر إلى التكافؤ، ولا تعكس بالضرورة العدالة والمساواة في شروط خوضها لأنها محكومة بسلسلة من المعادلات السلطوية، لا تتوفر إلا لسلطتي غزة ورام الله من مال وإعلام وأدوات ممارسة النفوذ السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لذلك النتائج العددية للانتخابات لا تعتبر معياراً للنفوذ السياسي في الحالة الفلسطينية، وتبتعد عن قيم وتقاليد الائتلاف والشراكة الوطنية التي تتحلى بها الحركات الوطنية في مرحلة التحرر الوطني، هذه القيم صاغتها تجربة الحركة الوطنية الفلسطينية قبل قيام السلطة في ظل اتفاق أوسلو، التي أسهم قيامها في إفقاد العلاقات الوطنية توازنها، كما ساهم الانقسام في تعميق هذه الظاهرة ومفاقمة نزعات الاحتكار والاستفراد بالسلطة في الضفة وفي القطاع، وإجحاف بحق فصائل المقاومة الفلسطينية التي تحملت المسؤوليات الكبرى في إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969 وفي بلورة برنامجها الوطني.

رداً على ذلك اقترحت بعض الأطراف، زيادة عدد أعضاء المجلس الوطني من 350 إلى 450 عضواً، يكون للخارج 250، وللداخل 200 عضواً موزعين على 132 عضواً منتخباً في التشريعي يضاف لها 68 عضواً يتم التوافق على تسميتهم من الأطراف التي لم تشارك في الانتخابات، أو التي لم يحالفها الحظ في النجاح، أو تلك التي أسهم عدم تكافؤ الفرص في حرمانها مما تستحقه.

رئاسة المجلس الوطني التي تحمل وجهة نظر الجهة صاحبة القرار في إدارة شؤون المؤسسة والمتمثلة في القيادة المتنفذة في «م.ت.ف.»، قدمت اقتراحاً بخصوص آلية تشكيل المجلس الوطني الجديد، باعتماد صيغة القيادة الفلسطينية التي تضم جميع الاتجاهات الفاعلة في الحركة الفلسطينية، والمستوحاة من تقليد متبع في العمل الوطني تعود جذوره إلى العام 1970، وعلى هذا انبثقت لجنة تحضيرية معنية بتشكيل المجلس الوطني الجديد، أطلق عليها تسمية (هيئة تطوير وتفعيل «م.ت.ف.»)، تتألف من رئيس المجلس الوطني وأعضاء اللجنة التنفيذية والأمناء العامين لجميع الفصائل الفلسطينية وشخصيات وطنية مستقلة، عقدت اجتماع لها في بيروت 10و11/1/2017

واجتماع لها في القاهرة بناء على دعوة من الرئيس أبو مازن، هذا يقود إلى الأسئلة التالية:

ما قيمة إعادة تشكيل المجلس الوطني بمعزل عن إصلاح النظام السياسي الفلسطيني؟.

هل يكون إعادة تشكيل المجلس الوطني هو المدخل لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني باعتباره المؤسسة التشريعية ذات المكانة وصاحبة الصلاحيات الأشمل في رسم ملامح النظام السياسي الفلسطيني؟.

هل المطلوب هو إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني؟. أم استعادة القديم مع إضافة ممثلين عن باقي الفصائل التي ما زالت خارجه ؟.

هل إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني تحت سقف مشروع أوسلو؟. أم بالتزام المشروع الوطني؟.

 هل آليات التمثيل بواسطة التعيين وإعادة إنتاج القديم تحت غطاء التوافق الوطني، قابل للتطبيق في ظل متغيرات الحاضر باختلاف التوازنات وعلاقات القوى، وبارتفاع مستوى الوعي وثقة الجماهير بنفسها وبقدراتها؟.

إن التمثيل الحقيقي والصادق للحالة الفلسطينية لا يمكن أن يكون إلا من خلال أشكال واضحة من الممارسة الديمقراطية القاعدية، ما يعني أن الانتخابات هي الخيار الأول للتمثيل، لا يمكن الاستثناء فيه إلا بنتيجة الظرف الموضوعي القاهر، وليس الاستنساب الفوقي، الذي يعكس مصالح شريحة بيروقراطية فقدت أهليتها لمواصلة احتكارها لقيادة المسيرة الوطنية، وباتت عاجزة عن أن تضطلع بهذا الدور.

إن النظام السياسي الفلسطيني على مفترق طرق، إما طريق الخروج من أزمة استفحلت، تعود إلى عوامل متعددة أبرزها الانقسام المؤسسي والجغرافي، أو طريق مواصلة الاستغراق المديد في وحول أزمة متعددة الأوجه، تتعمق وتزداد رسوخاً كلما امتد الزمن، ويتحول الاحتكار البيروقراطي للسلطة إلى سمة ملازمة لأسلوب إدارته للأوضاع عموماً تحت سقف سياسي نازع إلى الهبوط، ما جعل الجمود على هذا الحال أحد الأوجه الرئيسية المفاقمة لأزمته، بعد فشل عملية التسوية السياسية وجمودها لما يقارب ثلاثة عقود، فشلت خلالها القيادة الرسمية الفلسطينية في كسر قيود اتفاق أوسلو والتزاماته ، وأبقاها خلف جدران الحكم الإداري الذاتي على السكان في الضفة والقطاع، عاجزة عن التحرر من املاءاتها، وسط هجمة إسرائيلية متعاظمة توحشا ًباستهدافها الأرض ومن عليها، وسائر الحقوق الوطنية، في ظل وضع إقليمي غارق في همومه الداخلية وعالق في مشاكله.

إزاء ذلك لا خيار أمام النظام السياسي القائم على خط جانبي الانقسام إلا الإقدام على خطوات تجعله يتجاوز حال الاحتكار البيروقراطي للسلطة، وأبرز هذه الخطوات انفتاح المؤسسات على المشاركة، مع تجنب الوقوع في المحاصصة، حتى لو توفر حد أدنى من استعادة الوحدة الداخلية على أساس حد أدنى برنامجي ومؤسسي، يفتح أمام الحركة الوطنية الفلسطينية سبل إعادة بناء نظامها السياسي وانتشاله من أزمته المستدامة.

إن التراجع عن الانتخابات سيؤدي إلى استفحال الخلافات الداخلية، وستواجه القيادة الرسمية وضعاً لا تحسد عليه في المزيد من اهتراء شرعيتها، وستضعها في مواجهة الجماهير الفلسطينية المتمسكة بخيار التغيير الديمقراطي، وعليه ستكون القيادة الرسمية مضطرة على تقديم تعويض مقنع عن إلغاء استحقاق الانتخابات باستعادة أسلوب الوفاق الوطني وتفعيل أدواته من أجل شراكة وطنية تعددية في التمثيل دون الوقوع في شرك المحاصصة، هذا بالطبع لا يناظر التغيير الديمقراطي المنشود بالانتخابات ولا يقود إلى استعادة الوحدة الداخلية الموطدة بالبرنامج المشترك، سياسياً (استراتيجية العمل)، وتنظيمياً(إصلاح المؤسسات) لكنه يؤسس انتقالياً لإصلاحات لاحقة، أكثر عمقاً وشمولاً لأوضاع النظام السياسي الفلسطيني، تؤهله من خلال تنقية علاقاته الداخلية لمواجهة أكثر جدوى للاستحقاقات الصعبة المقبلة.

ربط الرئيس محمود عباس بين إجراء الانتخابات وبين ضرورة تنظيمها في القدس، ورهن إصدار المرسوم بتحديد موعد للانتخابات بموافقة الجانب الإسرائيلي على إجرائها في المدينة المقدسة، رافضاً أن تجري عبر مراكز البريد كما حصل في الانتخابات السابقة، وأكد على ضرورة أن تجري في مراكز الاقتراع يدلي فيها المقدسيون بأصواتهم، كما رفض أن تجري في إحدى البلدات المجاورة للقدس، وأصر أن تكون في قلب مدينة القدس.

تفاوتت مواقف الفلسطينية بشأن انتخابات القدس فمنهم من أرادها كاملة دون نقصان، يتاح فيها للفلسطينيين الحرية التامة لأنشطة الترشيح والدعاية والاقتراع، ومنهم من دعا إلى صيغة تتلاءم وخصوصية القدس، في الظروف المستجدة مقارنة بالانتخابات التشريعية لعام 2006، إذ شهدت مدينة القدس تطورات شديدة الأهمية في مقدمتها اعتراف الولايات المتحدة ودول أخرى بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفاراتها إليها، مما شكل دعماَ غير مشروط لسلطات الاحتلال فضاعفت أنشطتها الاستيطانية والتهويدية للمدينة وطمس معالمها الوطنية، وتفننت في محاصرة المقدسيين.

من جهتها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أكدت على إجراء الانتخابات في القدس باعتبارها عاصمة دولة فلسطين، ودعت إلى خوض معركة القدس في المحافل الدولية، لكنها في الوقت نفسه دعت لإصدار مرسوم الانتخابات باعتباره يشكل دليلاً على إصرار السلطة على تنظيم الانتخابات، وبحيث يشكل المرسوم أداة ضغط على المجتمع الدولي لإزاحة الفيتو الإسرائيلي وعراقيل سلطة الاحتلال.

في إدراك تام من الجميع أن الانتخابات في القدس إنما تتطلب معركة مع سلطات الاحتلال، طالبت القوى الوطنية الفلسطينية بإصدار مرسوم الانتخابات حتى لا تشكل القدس لاحقاً ذريعة يتم عبرها التخلي عن تنظيم الانتخابات، خاصة وأن السلطة الفلسطينية اكتفت بتقديم طلب رسمي إلى اسرائيل بطلب السماح لسكان القدس الشرقية المشاركة في الانتخابات ترشحاً وانتخاباً، وأجلت السلطة إصدار المرسوم انتظاراً للموقف الإسرائيلي من الانتخابات، وهو رد لم يأتِ، وبقيت اسرائيل على موقفها في رفض إجراء الانتخابات في القدس باعتبارها موحدة و«العاصمة الأبدية لدولة اسرائيل»، وعملت سلطات الاحتلال على عرقلة الانتخابات في الضفة الفلسطينية وتعطيلها في القدس، فاعتقلت المرشحين للانتخابات ولجان الدعاية لقوائم المرشحين، ولم تقدم السلطة الفلسطينية على أي خطوات عملية لحماية المرشحين وصون حقهم في الدعاية في الضفة، وبدلاً من مواجهة السياسات الإسرائيلية المعطلة برد فاعل ومؤثر بخطوات استراتيجية، جعلت السلطة منها ذريعة لإلغاء الانتخابات، في موقف انهزامي دون النضال لأجل صياغة موقف فلسطيني يجعل من القدس أم المعارك في النضال اليومي نخوضها بكل الأساليب وبالحركة الشعبية الضاغطة بكل الأشكال، وأن نوفر لها شروط المعركة وأدواتها، وإلا فالتراجع عنها يعني أن تبقى القدس رهينة الاحتلال، عاجزة عن إعادة ترتيب بيتها الداخلي عبر الانتخابات، و تعني تشويه النظام السياسي الفلسطيني، وإضعاف قدرته على مقاومة الهجمة الأمريكية-الإسرائيلية الأمر الذي بات مطلوباً فيه البحث عن بدائل تفتح الأفق لإصلاح أوضاع المؤسسة الوطنية في السلطة، وفي«م.ت.ف.»، في ظل أوضاع تؤكد أن القضية الوطنية دخلت مرحلة الحسم ما يتطلب الخروج من دائرة المراوحة في المكان، والتخلي عن السياسة الانتظارية والالتفات بجدية إلى ترتيب البيت الفلسطيني باعتبار ذلك أحد أهم الروط لمواجهة صفقة القرن بتداعياتها.