نحو عالم جديد أكثر أماناً وعدلاً .. بقلم : نبيل فوزات نوفل

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية_رئيس قسم الدراسات_نبيل فوزات نوفل

 

 

 

– نعيش اليوم عصراً تزداد فيه الصراعات بين الدول ، فشهدنا مئات الحروب في القرن العشرين ومطلع القرن الحالي ، بسبب سياسات الدول الغربية الاستعمارية عامة والولايات المتحدة الأميركية  خاصة ، حيث خسرت البشرية عشرات الملايين من البشر وكان في مقدمة الأسلحة المستخدمة الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والتقانات الذكية .

– حيث تحول الإعلام في العصر الحديث عصر الصورة وتطور التكنولوجيا، ليكون أحد أهم الأسلحة والجيوش ، بهدف السيطرة على العقول واحتلالها واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي  والفضائيات لبث سمومها، وقد امتلكت الولايات المتحدة الأمريكية واللوبي اليهودي شركات عدة أسسها مؤيدون للكيان الصهيوني، منهم روبرت ميردوخ ، وجيف بيزوس، وبريان ريبورتس ، وجيرفي بيكس ، وروبيرت إيجر، ولاري بيج،بهدف استخدام الإعلام الكاذب المزيف كسلاح من أسلحة الحرب النفسية ، وتطوير جيوش إعلامية كقوة لا مادية ناعمة لتشويه الحقائق وصناعة الحدث والتحكم في تطوره ومنعكساته والتداعيات عليه لإعادة صياغة الوعي و تسطيح العقول وإخضاعها .

– وهذا ما أوضحه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه “السيطرة على الإعلام”، حيث ذكر الكثير من الأمثلة التي تُبيِّن حجم الأكاذيب والخدع والتضليل الذي يُمارَس على الشعوب، وخلص إلى نتيجة رئيسة، وهي أن صورة العالم التي تُقدَّم للعامة أبعد ما تكون عن الحقيقة، وحقيقة الأمر عادةً ما يتم دفنها تحت طبقة وراء طبقة من الأكاذيب ، بحسب وصفه ، وتشويه المفاهيم والمصطلحات (الشهيد، المعارضة، الثورة، الجهاد، الانتماء، الحرية، الديمقراطية، الإرهاب…..) .

– وبخطاب تحريضي فتنوي، واعتماد ظاهرة شهود العيان وصناعة أبطال ودينكوشوتات منهم في أغلب الأحيان غير متواجدين في موقع الحدث، أو هم من يصنعون الحدث ويعملون على إخراجه وإنتاجه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتزويدهم في بداية الحرب على وفي سورية بهواتف الثريا التي تعتمد على الاتصال عبر الأقمار الصناعية،لقد استخدم الغرب الإمبريالي ومرتزقته الكذب في الحرب على سورية مثل اتهام الجيش العربي السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية،وشيطنة رموز المقاومة وقادتها ، وترافق ذلك مع إعلام درامي خليجي ممنهج يروج للاسرائيليات ، والروايات التلمودية التي تظهر أحقية العدو الصهيوني ببناء كيانه على أرض فلسطين المحتلة، وبما يبرر خطوات تطبيع  مع العدو الصهيوني , يترافق ذلك مع تطور هائل في التكنولوجيا والتقانة التي باتت تهدد البشرية إن لم يحسنوا استخدامها .

– حيث يتمثل الخطر في قدرة أنظمة المعلومات الذكية على جمع معلومات عن أي شخص في العالم ،بحيث يتمكن القراصنة من التلاعب بأفكار ومشاعر الناس ، ويمكن أن يستفيد من هذه القرصنة ، القوى التي تسعى للهيمنة على المجتمعات البشرية واختراع الإنسان المسلوب الإرادة ، ومن المتوقع أن تتمكن التقانة الحيوية بموأزرة أنظمة الذكاء الصنعي من إعادة هندسة النظام البيولوجي للإنسان .

– حيث سيجري استخدام التقانة الحيوية في تعديل النظام البيولوجي للإنسان، وكذلك سيتم إدخال عناصر غير طبيعية مثل الدارات الإلكترونية أو الحيوية في جسم الإنسان ، ،التي ستفقد الإنسان الجديد لأبعاد إنسانية مهمة مثل التعاطف ، والتواصل الاجتماعي ،والذوق الجمالي،والأبعاد الروحانية .

أمام  هذا الواقع يطرح سؤال أما من سبيل لمواجهة هذه الأخطار التي تفجر المجتمعات البشرية وتسير بها نحو الهاوية ..؟

– لقد تعددت النظريات حول ما هو الأفضل للحد من الحروب والصراعات ، وتعددت أسباب الصراعات ، فيرى بعضهم ، أن ” التقدم التكنولوجي يساهم في توطيد السلام ، وتطور الأسلحة ، ودقتها “ ، ستخفض من الخسائر البشرية،وخاصة الحروب الالكترونية التي تشن على وسائل اتصال الخصم ، عن بعد ، وتسمح أسلحة الليزر بإحداث إغماء مؤقت للمقاتل وتحيده ولكن التقدم التكنولوجي لا يمكنه وقف الحرب فهو لا يستطيع حل المشكلات السياسية .إن مشكلة الحرب والسلام،هي أحد المشكلات الأساسية الأشد ، والحل التكنولوجي،ليس الجواب أو الرد الإيجابي بحد ذاته ، ويرى البعض أن الديمقراطية تحد من الحروب ، وكما هو معلوم فإن الديكتاتورين يحاولون خداع الشعب بوجود عدو يهددهم ، للضغط على شعوبهم .

– ولكن  الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني يعدان حسب التصنيف الأوروبي  نظامان ديمقراطيان، لكن ممارستاهما هي قمة العداء للديمقراطية ، وهما أكثر الأنظمة  التي تشن الحروب والإرهاب في العالم.وهذا الواقع يتطلب العمل من قبل أبناء المجتمعات الإنسانية جمعاء على تحقيق الأمن الإنساني ، الذي يضم ستة عناصر متميزة وهي :

الأمن الاقتصادي ، والغذائي ، والصحي ، والبيئي ، والشخصي ، و الجماعي والسياسي .

– ولكن هذه الأمور يستحيل تنفيذها في ظل العولمة المتوحشة ونظام القطب الواحد ، إذاً السلام ليس قابلاً للحياة مع وجود العولمة المتوحشة وإمبراطوريات  استكبارية، ونظام اقتصادي غير عادل ، والعولمة التي ترغبها  أمريكا تساعد في تفشي هذه الظواهر المساعدة على التحريض على الحروب  .

 – إن البشرية اليوم تخوض مخاضاً عسيراً سيؤدي لولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ،يقضي على كل الأعمال الشريرة والقوى الشيطانية المستغلة والإرهابية ويؤسس لولادة عالم جديد ، وهذا العالم الجديد يحتاج لإنسان جديد ، يكون كبيراً في عقله وقلبه ورؤيته لوجوده ، والتحلي بالتفكير الكبير الذي يتميز بطموحات كبيرة ونبيلة ، وبرؤية شاملة ،وتفكير عقلاني تحليلي ، والتمتع بالتفكير الكبير الذي يبدأ بالاعتقاد بأنك كبير من خلال امتلاك عقلاً راجحاً ،ووعياً عميقاً،ويتميز بقلبه الكبير اذي تملؤه المحبة ، والتمتع بفكر منفتح شمولي والقدرة على التجاوب والتفاعل مع المحيط ،وأن يجعل الإنسان تفكيره متناسبا مع حجمه واستخدام التفكير الايجابي والتعابير الايجابية ، والتمتع بأكبر عدد ممكن من الحلول ، يفكر فيما لم يحدث ، ولا يدع الأشياء الصغيرة والسخيفة تقف في مسيرة الانجازات المهمة ، وإبداء المحبة والتعاطف والتسامح والشعور بالسرور والسعادة ،لأن المحبة هي نوع من أنواع الجمال في داخل الإنسان، وحالة الحب لا تحتاج لمساعدة أحد ، وأي شيء تحبه يصبح جزءاً منك ، وهذه المحبة تؤدي إلى جعل الإنسان سعيداً ومنفتحاً فكرياً ونفسياً على العالم ومتسامحاً مع الآخرين. وأن يعي  الإنسان قيمة وجوده في هذه الحياة مما يمنحه السلام الداخلي والسعادة الدائمة وللاستمتاع بالحياة ، وعدم التفريق بين الناس ، وأن يحيا بوعي، ويدرك واقعه كما هو على حقيقته ، ويتعلم كيف يسمو فوق الواقع ، ويتجاوز الهويات المحدودة ، والتحلي بالوعي لتلك الواجبات والأدوار والمتعة بمساعدة الآخرين ،والتخلص من الاسهال الفكري ، ويتعلم العيش في الحاضر ، والتحلي بالوعي العالي والحكمة ، لأن الحياة في لحظاتها كلها هي رحلة ، ويجب أن نستمتع بكل لحظة فيها ، ورؤية المواضيع فكرياً بشكل شامل على أكثر من مستوى ، ومن أكثر من وجهة نظر ، والابتعاد عن التفكير الجزئي، والأخذ بالاعتبار الأمور المتداخلة والمتكاملة بين الاختصاصات العلمية المختلفة ، مع مراعاة قول فولتير: ” الشك ليس وضعاً مستساغاً ،لكن اليقين حماقة “ ،والبحث عن الحقيقة أينما كانت ، وتطوير الإنسان نفسه من خلال رفع مستوى وعيه ، وتعظيم قدراته الذهنية والنفسية والصحية،لأن الوعي هو أحد الركائز الأساسية التي تميز الإنسان عن الحيوان ، وهو يفتح لنا أبواباً جديدة تتيح الدخول إلى فضاءات واسعة ، والوعي العالي هو بمثابة المنارة التي تدلنا على المسار المناسب لتفادي الاصطدام بالعوائق ومواجهة الظروف الصعبة ، والتكيف مع المتغيرات السريعة  التي تطرأ في حياتنا ، فالوعي كالمصباح الذي ينير في الليل، وكلما ارتفعت درجة الوعي اتسعت مساحة الدائرة المضاءة ، أو حجم الفضاء المضاء ،وبالتالي اتسعت مساحة الاستيعاب والإدراك العميق للظروف والأفكار والمشاعر، وامتلاك الثقافة العالية لأنها تؤدي دوراً مهماً للغاية في توسيع دائرة الوعي لكونها توسع المنطقة المضاءة في فكرنا ، وتزيد من قدراتنا على فهم الأمور بعمق ورؤية ، وأن أخطر مظاهر الجهل عند الناس هو غياب الوعي لحقيقة وجودهم وطبيعة العالم الذي يعيشون فيه ، وكما نعلم أن من العوامل الرئيسة لفقدان الوعي بالحقيقة الكاملة للحياة هو أن الناس يعيشون في خضمها ويتأثرون وينهمكون بما يجري في محيطهم الضيق،وبالتالي يمكننا الحد من العقل الغريزي، والنزاع مع الآخرين،لأن السعادة الداخلية للإنسان الواعي لا تعتمد على الظروف والآخرين بقدر ما تعتمد على فن مقارنة الظروف والأشخاص، فنحن عندما لا نعرف قيمة شيء ما نهدره بلا مبالاة ،وهذا ما عبر عنه خير تعبير ” ديلي لاما “ المرجع البوذي الأول عندما سئل عن ماذا يفاجئه في الحياة فقال: الإنسان، لأنه يضحي بصحته من أجل المال،ثم يضحي بالمال من أجل صحته ، وهو يفكر ويقلق بشأن المستقبل بحيث  إنه لا يعيش اللحظة الحالية وفي النهاية هو لا يعيش في الحاضر، ولا في المستقبل، إن الإنسان يعيش وكأنه لن يموت ، لكنه يموت دون أن يكون قد عاش فعلاً ، ” وكما يقول  سارتر لقد عرفنا كل شيء عن الحياة إلا كيف نعيشها “ .