علة الفساد الممنهج في لبنان تناتش الطوائف .. بقلم : السيد صادق الموسوي

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– لم يبق أحد في لبنان وفي الخارج إلاّ وهو يقرّ بتعشش الفساد في جميع مفاصل الدولة اللبنانية، ولا يتردد أحد في الإقرار بأن هذا الفساد هو سبب انهيار لبنان في اقتصاده وارتهانه في سياسته وتراجعه الكبير في دوره الثقافي والإعلامي الذي كان عليه في سالف الزمان.

– إن واجب كل طبيب قبل البحث عن العلاج ووصف الدواء هو معرفة موضع الوجع، ثم كشف الداء، ثم يأتي دور التفتيش عن نوع الدواء لمعالجة ذلك المرض، وقبل الإطلاع على المكان الذي ينطلق منه الألم الشديد لا يمكن لأي طبيب مهما كان حاذقاً أن يصل إلى تشخيص الداء، وليس كل طبيب وصل إلى اكتشاف الداء ينجح في وصف الدواء الناجع والعلاج الشافي للمريض المتألم، بل إن كل مرحلة من المراحل السالفة تتطلب حذاقة في التشخيص ليبلغ الدواء مقصده ويشفى المريض من دائه.

– إن موضع الألم في لبنان يعرفه الجميع حيث قد وصل السكين إلى عظام الجميع من دون استثناء، فلا خبز إلاّ بالذلّ على أبواب الأفران، ولا غاز إلاّ بالتوسل و ” البرطيل “، ولا كهرباء إلاّ عبر المولّدات التي يتحكم أصحابها برقاب الناس، أما سعر صرف الليرة فحدث ولا حرج، حيث يتقلب في الدقيقة الوحدة ولا يعرف أحد هل ينزل السعر بعشرات الألوف بعد دقيقة من لحظة التصريف أم سيحلق في السماء نتيجة توتر في العلاقات بين هذا المسؤول وذاك ..؟.

– أما كشف الداء فالجميع يُقرّ أيضا بأن إمساك الطغمة الحاكمة بمقدرات لبنان هو السبب في تهاوي الوضع الإقتصادي، وبلوغ الأوضاع حد الإفلاس الكامل، ووصول لبنان إلى قعر جهنم، وبالنتيجة تحكم القوى الخارجية بمصير البلد، وفرض هذه الدولة الثرية قرارها على لبنان بكل فظاظة، وإملاء هذه الدولة القوية سياستها على لبنان بكل وقاحة، بل وصل الأمر إلى حد مطالبة البعض باحتلال فرنسا للبنان من جديد وتقديم عريضة بهذا الشأن إلى رئيس فرنسا أثناء إحدى زياراته للعاصمة اللبنانية، وهذا البعض نفسه هو الذي ينادي بالويل والثبور إذا قدمت إيران مساعدة للبنانيين في عزّ الشتاء ليكون لدى الناس الفقراء مادة لمواجهة البرد القارص، وعدّ هذا البعض الخطوة انتقاصاً للسيادة وتحدياً للدولة، ويرفض هذا البعض عرض الجمهورية الإسلامية تزويد لبنان بمعامل توليد الطاقة مفضِّلاً أن تسود العتمة ليل لبنان باستثاء الذي يملك المال الكافي ليقدمه إلى أصحاب المولّدات المتحررين من القيود والمتفلتين من الضوابط سواء في الأسعار أو في ساعات التغذية، ويفضّل هؤلاء موت المرضى بسبب عدم وجود الدواء على استقدام الأدوية الناجعة من إيران، بل ويرضى القوم بتحكم المصارف بأموال المودعين بالتواطؤ مع حاكم مصرف لبنان لكنه يعارض الحفاظ على مدخرات الفقراء في صندوق القرض الحسن بعيداً عن سلطة السارقين.

– وقد بلغت الحقارة حدها الأقصى إذ يدين هذا البعض قدرة المقاومة على تحدي ” إسرائيل ” في الجو، وبلوغ المسيّرات مقصدها، ونقل المعلومات السرية والخطيرة للعدو إلى غرفة العمليات، ويرى في ذلك تحدياً للسيادة الوطنية وتفرداً في اتخاذ القرار، وهو يرى بعينيه ويسمع بأذنيه تجوال الطائرات الصهيونية في سماء لبنان ليلاً ونهاراً وشمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً بل تعبر أجواء لبنان للإغارة على مدن في سوريا ومناطق في العراق، لكننا لا نسمع للسياديين هؤلاء صوتاً ولا تصدر منهم أية إدانة.

– إن شعور مجموعة معينة أن بيدها وحدها قرار لبنان، فإذا قررت الإستعانة بسوريا يكون ذلك أمراً جيداً وليس فيه انتهاك للسيادة، لكن عندما تستغني عن الإستقواء بها يكون ذلك احتلالاً بغيضاً تجب المطالبة بخروجه بأي ثمن، ولما تقرّ هذه العصابة التواطؤ مع الكيان الصهيوني لاحتلال لبنان وبلوغ عاصمته عند ذاك يكون ذلك عملاً مشروعاً لكن مقاومة هذا العدو المحتل من قبل الشباب الغيارى على سيادة وحرية وطنهم تكون السبب في خراب لبنان، وعندما يستدعي هذا الفريق القوات والأساطيل الأمريكية والفرنسية والإيطالية إلى لبنان فإن هذا لا يُعدّ خرقاً للسيادة الوطنية أما إذا قرر مجاهدون اقتحام قواعد المحتلين الأجانب والتضحية بأرواحهم لكي يُجبروهم على الإندحار فذلك يكون عملاً مُداناً.

– والفضاحة تبدو جلية جداً لما نرى أن هذا البعض إذا رأى رئيس الجمهورية مخالفاً لأهوائه فإنه يكون منبوذاً ويجوز توجيه أقبح الشتائم والسُباب إليه والتعرض له بكل حرية ودون حدود، ولا يشكل ذلك انتقاصاً للهيبة ولا انتهاكاً لحرمة مقام الرئاسة، أما إذا كان سلوك الرئيس مطابقاً لأهواء هذه الشلّة عند ذلك يكون أي اعتراض له تعدياً على صلاحيات رئيس الجمهورية، وأي نقد يُوجّه إليه يكون تطاولاً على مقام الرئاسة، ويجب على الجميع احترام رئيس البلاد ورمز الدولة.

– إذن فإن سبب الفساد في لبنان هو استئثار فئة واحدة بقرار لبنان في سياسته واقتصاده وشعور هذه الفئة القليلة أنها صاحبة البلد والأخرين طارئين يمكن إخراجهم في أي وقت وإعادتهم إلى مواطنهم الأصلية، علماً بأن هذه الفئة هي التي قدم قسم كبير منها مع المحتل الأجنبي وتوطن في لبنان على أن يكون في خدمة الغزاة، في وقت كان المسلمون يقطنون هذه البلاد ولهم في ربوع لبنان حضوراً وسلطة، بل وإن إرهاب هذه الفئة أجبر قسماً من المسلمين في بعض المناطق أن يتظاهروا بالإرتداد عن دينهم والإنتماء إلى المسيحية دفعاً للشر، لكن المدارس التبشيرية المدعومة من دول الإحتلال الأجنبي حوّلت الأجيال المقبلة إلى معتنقين، فيما أغلب هؤلاء المسيحيين لا يزالون يحنّون إلى ماضيهم ويفتخرون بأصولهم الإسلامية.

– إن إمساك هذه الفئة القليلة بنواصي قرارات البلد وفرض سيادتها على مقدرات لبنان يجعلان الآخرين متسابقين في الحصول على ما أمكن من الفتات، ولاهثين وراء كسب ما أمكن من مغانم لطوائفهم، ويكون المشاركون من باقي الطوائف مقتنعين بحصة الأسد لتلك الفئة القليلة، ويبقى التهافت على ما يتركه الأسد لهم بعد أن يكون قد شبع من أكل فريسته.

– إن حماية أعضاء الطغمة الحاكمة لأعضائها، وتواطؤها لإفشال كل حركة مطلبية، وتنفيس كل حالة غضب لدى المواطنين، بل وإجهاض كل ثورة شعبية بالقمع الرسمي من خلال الجيش وقوى الأمن الداخلي تارة وعبر مجموعات المرتزقة الخاضعة لهذا لزعيم وذاك ولهذا الحزب ولذاك تارة أخرى ؛ وعند إثبات من وراء هذه المجموعات قدرتهم على قهر الفقراء الثائرين والبؤساء المنتفضين وحماية الزعماء الفاسدين يتفضل أصحاب السيادة بإعطاء قادة تلك المجموعات حصة محدودة من الكعكة وإشراكهم في شيء قليل من قرارات النظام، لكن بشرط أن يكون الأمر في الأساس لتلك الفئة القليلة ، والآخرون يكونون متبعين لإستراتيجياتها، فهم يدعون في كل مناسبة إلى إعادة بناء الدولة برئاسة تلك الفئة نفسها ومن دون المسّ بأساسيات الكيان القائم من قبل المستعمر الفرنسي بدعوى أن تغيير هذا النظام سيؤدي إلى الفوضى ، وأن الإطاحة بالفاسدين الذين يشكلون دعائم هذه الدولة ستُفضي إلى حرب أهلية، وأن تأسيس كيان قائم على العدالة ومساواة المواطنين سيرفضه الفرنسيون، وأن لون لبنان الحالي المسيحي عموماً والماروني على وجه الخصوص هو المطلوب والمفضل عند الذين لا يجرؤون أبداً على إغضاب ” الأم الحنون “، الذي رضعوا من حليبها ولا المخاطرة برضى ” العم سام ” الذي يجلسون على سفرته ويتنعمون بخيراته، لكن الله سبحانه قد ضمن للذين يسيرون على هدى دينه دوماً النصر بقوله: { إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم } ، وكفل أيضاً لهم الغلبة بقوله : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم } صدق الله العلي العظيم.

– السيد صادق الموسوي