#وكالة إيران اليوم الإخبارية
– الأمم والشعوب تحتفل بالمناسبات السعيدة الإستثنائية، وتجعل اليوم الذي يصادف ذلك الحدث الخاص يوم عيد، فالدول تحتفل بعيد استقلالها وتحررها من سلطة المستعمر الغاشم مثلاً، والأديان تحتفل بمناسبة ولادة نبيها وكبار قادتها وتتخذها عيداً، فالمسيحيون يحتفلون بميلاد السيد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ، والمسلمون يحتفلون بمولد خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ، لكن أن يجعل المسلمون من يوم خروجهم من شهر الصيام يوم عيد فإنه لا بد أن يكون وراءه سرّ عظيم، خاصة وأن الصوم في يوم الفطر حرام في الإسلام كما أن الصيام في شهر رمضان فريضة.
– إن فريضة الصيام لها ميزة خاصة حيث قال الله سبحانه في الحديث القدسي : ” الصوم لي وأنا أُجزي به ” ، وذلك لأنه يعني الإمتناع عن تناول الطعام والشراب وتجنب العلاقة الزوجية أثناء فترة الصوم وذلك تقرباً إلى الله عزّ وجلّ وإطاعة لأمره، فيما بقية الفرائض الدينية فيها أمر الإقدام على الأفعال، كالصلاة مثلاً حيث تجب إقامتها طبقاً لشرائطها، والزكاة فرضٌ إيتاؤها عند استحقاقها، والحج واجب أداؤها لمن استطاع إليه سبيلاً، فيما الصيام فيه ترك الأفعال من تناول الطعام وشرب الماء والعلاقة الجنسية وتجنب الكذب والتهمة والغيبة وباقي الممارسات القبيحة.
– لكن هذه الفريضة الإلهية العبادية إذا سقطت عن مسلم بسبب مرض أو كهولة سن أو أي عذر مشروع آخر فإن التعويض عنها يكون بإطعام الفقراء والمساكين مُدّاً من الطعام عن كل يوم، وفي حال تعمد الإفطار في شهر رمضان وعدم استطاعته صيام شهرين متتابعين قضاءً عن كل يوم إفطار، فإن الخيار الأول هو عتق رقبة أي بذل المال الكافي لتحرير إنسان يعاني من العبودية، وفي حال لم يجد إنساناً يعاني من الرقّ أو أنه لم يملك المال الكافي لتحريره فالبدل هو إطعام ستين مسكيناً عن كل يوم إفطار.
– إن الحكمة في فريضة الصوم هي كما ورد عن النبي والأئمة المعصومين عليه وعليهم السلام : ” ليستوي الغني والفقير في الشعور بالجوع والعطش ” و ” كي يمسّ الأغنياء الجوع فيرحموا الفقراء ” ، وهناك حضّ كثير على الإنفاق على الفقراء في شهر رمضان خاصة وإفطار الصائمين عموماً، لكن فدية ترك الصوم بعذر وعن عمد تتضمن أيضاً الإنفاق على المساكين، بل تحرير إنسان يعاني من العبودية لإنسان آخر كخيار مفضّل.
– وإن الصائم وبعد التأكد من حلول شهر شوال برؤية الهلال في غروب آخر يوم من شهر رمضان يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطرة عن نفسه ومن يعول ولو كان طفلاً صغيراً لم يكن مكلفاً بالصيام، بل وأيضاً عمن يستضيف المؤمن في بيته باليوم الأخير من شهر رمضان على بعض فتاوى الفقهاء أدام الله ظلهم، وذلك ليُطعم الفقراء والمساكين وذلك قبل أداء صلاة العيد في أفضل الحالات، وهذا يعني أن إشباع بطن جائع له الأولوية في الشريعة الإسلامية على أداء صلاة العيد تقرباً إلى الله سبحانه.
– ثم إن الصلاة جماعة يوم العيد بعد شهر من تنقية النفوس من الأدران والقلوب من البغضاء وغلبة الآهواء والتحكم بالشهوات لها معنى خاص، ومصافحة المصلين بعضهم بعضاً وتبادل التحايا فيما بينهم بحلول العيد، والقيام بزيارات الأقارب والأصدقاء والجيران والمؤمنين، كل هذا يجعل يوم عيد الفطر مناسبة لتطبيق ما تدرب المسلمون عليه طوال فترة الصيام من تنقية النفوس وتصفية القلوب والتغلب على الأهواء، وما اعتادوا عليه من بذل المال وإطعام الفقراء والإعتناء بحال المساكين، إضافة إلى ما في ظهور قسمات السرور على وجوه المؤمنين وبسط مظاهر البهجة في يوم العيد من فوائد دنيوية وأجر أخروي عظيم.
– الخلاصة أن يوم الفطر بزكاته وصلاته يعلمنا أن لا تفرقة بين مدّ الأكف تضرعاً إلى الله سبحانه وبين مدّ الأيدي نحو الفقراء والمساكين لإطعامهم ورفع الجوع عنهم، وهذا النهج الذي كرسه الإسلام الحنيف في تعاليمه ويطبقه المسلمون طوال شهر رمضان المبارك يستحق بحق إن يكون يوم عيد لأن النفوس المتباعدة قد تقاربت، والقلوب المتباغضة قد تحابّت، والأيدي المقبوضة عن فعل الخير قد بُسطت، والأمة الخارجة للتوّ من صيام شهر رمضان والمتبرّكة بضيافة الله سبحانه قد زكّت نفسها وطهرتها من الرذائل وعوّدتها على فعل الخيرات واكتساب الفضائل، وأثبت الصائمون أن بالإرادة يستطيع الإنسان أن يقهر النفس الأمّارة بالسوء، ويغلب وساوس الشيطان الرجيم، ويملك الإرادة لمقاومة الحاجات الأولية لخصوصيته الحيوانية .
– حيث يجوع ويأبى تناول الطعام بإرادته، ويعطش ويرفض شرب الماء بقراره، وتُلحّ الغريزة لكنه يسيطر عليها ويكبحها، ويركز على الدعاء إلى الله سبحانه وتلاوة القرآن الكريم بعد فترة من الغفلة والإنشغال عنهما، وهذه المجموعة بحد ذاتها حدث مهم يتكرر كل عام، فيعود كل مسلم طوال شهر كامل إلى ممارسة السلوك الإنساني بعد شهور من الخضوع للحاجات الجسمانية والغرائز الحيوانية، ويعود مع كل شهر رمضان إلى العمل بالفضائل الأخلاقية بعد الإنجرار أشهراً صوب ممارسة الأفعال الشائنة تحت تأثير الهوى، ونتيجة وساوس إبليس وبفعل إيحاءات قرناء السوء، وهذا يكون معنى التقوى المقصود في قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } صدق الله العلي العظيم.
– السيد صادق الموسوي