#وكالة إيران اليوم الإخبارية
– في البدء يكون المُشرّع للناس هو الله الخالق العليم الخبير بمصالح عباده، ويكون الأنبياء والرُسُل هم واسطة هداية الناس إلى ما يُشرّع الله فيكون العباد مؤمنين إن أطاعوا الرُسّل وكفاراً إن عصوا الهداة إلى الصراط المستقيم صراط الله سبحانه، والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وفي مقدمهم خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله، لا ينطفون عن أهوائهم بأي حال لصريح قوله تعالى؛ { ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى } ، بل إن خير خلق الله الذي علّمه { شديد القوى } لما بلغ { الأفق الأعلى } .. { فكان قاب قوسين أو أدنى } من عرش الله العلي الأعلى مأمور هو أيضاً باتباع الوحي بالكامل وعدم الإستعجال في قراءة ما يوحى إليه من ربه : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه } ، وفي آية أخرى يقول الله عزّ وجلّ مخاطباً رسوله صلى الله عليه واله : { إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه } ، ونتيجة للعصمة عن الخطأ والزلل لدى الأنبياء صار لزاماً على العباد إطاعة الله من خلال إطاعة الرسول وذلك بصريح قول الله : { ومن يُطع الرسول فقد أطاع الله } ، وإنه أكد أن التفريق بين الله والرسول أمر غير ممكن وهو يعني الكفر بعينه وذلك في قوله: { إن الذين يكفرون بالله ورُسُله ويريدون أن يُفرّقوا بين الله ورُسُله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً } ، بل إن إطاعة الرسول شرط لصحة الإيمان بالله لقوله : { وما أرسلنا من رسول إلاّ ليُطاع بإذن الله } .
– لكن مع ختم النبوة بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه واله، ولأن الشريعة الإسلامية الغراء هي آخر الشرائع السماوية، وهي منهج حياة للبشرية حتى قيام الساعة، ولأن الموت قد كُتب على الخلائق كلهم وفيهم رسل الله والأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه واله بصريح قول الله عزّ وجلّ : { إنك ميّت وإنهم ميتون } ، فكان لزاماً أن يحمل أمناء صادقون وأوصياء مختارون الراية من بعده لكي تتم الحجة على الأمم القادمة والبشرية جمعاء، لكن هؤلاء أيضاً مكلفون بالالتزام الكامل بما أوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه واله، وعدم التخطي عنه قيد شعرة، وأداء ما استُودعوه كلٌ طوال فترة تحمله إمامة الأمة .
– ولكون النص الوارد في الحديث النبوي المتفق عليه لدى كافة فِرَق المسلمين أن الأئمة المنصوص عليهم من بعد النبي صلى الله عليه واله لا بتعدون الإثني عشر، وبعد انتهاء فترة الغيبة الصغرى للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كان لزاماً على النواب العامّين عن الإمام المنتظر ممن بلغوا المراحل العليا من الفقاهة، أي أنهم أصبحوا وبشهادة أهل الإختصاص قادرين على استنباط الأحكام الشرعية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وروايات أهل البيت عليهم السلام، والذين أصبحت لديهم ملكة صيانة النفس ومخالفة الهوى، قيادة الأمة وبيان أحكام الشريعة الغراء لهم، وصار يليق بهؤلاء وحدهم إصدار الفتاوى وبيان أحكام الحلال والحرام للناس.
– لقد درج في سيرة علمائنا الأجلاء السابقين أنهم كانوا يتحاشون إصدار الفتاوى بقدر الإمكان خوفاً من تحمل المسؤولية الشرعية عن الناس يوم القيامة، ونراهم في أغلب النصوص التي وردت عنهم أنهم كانوا يذيّلون الفتوى بجملة ” والله أعلم “ أو ” والله العالم “، لكن المؤسف أن حالة الخوف التي كانت تملك قلوب فقهائنا السابقين رضوان الله عليهم من تحمل مسؤلية إصدار الأحكام الشرعية وبيان الحلال والحرام أمام الله سبحانه قد انقلبت في عصرنا الحاضر، حيث صار كل من حضر سنوات معدودة في إحدى الحوزات المغمورة في بعض القرى هنا وهناك، والذاهب إلى الحوزة العلمية في قم المقدسة أو النجف الأشرف لفترة جدّ قصيرة، والعاجز حتى عن قراءة متون الكتب الدراسية المتعارف عليها في الحوزات الدينية بصورة صحيحة ناهيك عن فهم دقائق معانيها، نرى نماذج من هؤلاء الأشخاص يُصدرون الفتاوى ويُحرمون ويُحلّون تزلفاً لهذا الطرف الحزبي أو ذاك الزعيم السياسي، وطبقاً لمزاج هذا الفريق التنظيمي أو ذاك الثري صاحب الأموال الطائلة، وينقلب هؤلاء المفتون بين عشية وضحاها في فتاواهم بانقلاب تعليمات التنظيمات والزعامات، فيكون الأمر حراماً في الصباح ويتحول تكليفاً شرعياً في المساء، من دون أن يُبقوا للإنسان المكلف فسحة من حرية الإختيار، أو على الأقل تذليل الفتوى بعبارة ” والله أعلم “ أو ” والله العالم “ تأسياً بالسلف الصالح من كبار الفقهاء الوَرِعين رضوان الله عليهم أجمعين.
– إن الواقع السياسي الراهن في لبنان جعل بكل أسف القرار الديني للطوائف في لبنان في أيدي صغار طلاب الحوزات العلمية والذين تشرّبوا الثقافة الحزبية قبل أن يتوجهوا نحو الدراسة الدينية، وهم قد أُرسلوا إلى الحوزات بناء على قرار تنظيمي ليعودوا بعد فترة قصيرة من هناك مرتدين العمائم والجُبَب فيكونوا هم الغطاء الشرعي لهذا التنظيم وتلك الفئة، وتُسخّر وسائل الإعلام التابعة لكلٍّ من الجهتين بتسليط الأضواء على ” أصحاب السماحة والفضيلة “ هؤلاء فيصبحون بعد فترة قصيرة من رموز المذهب وأصحاب المناصب العليا بصورة رسمية بعد نيلهم رضى وثقة أصحاب النفوذ في الدولة اللبنانية.
– إن انتخاب الناس لممثليهم في السلطة التشريعية في أي بلد يجب أن يكون نتيجة قناعة ذاتية ومعرفة شخصية لمن يتم توكليهم ليقوموا بأمر إصدار القوانين وسنّ التشريعات.
– فكيف يمكن لمن عرفهم الناس عاجزين عن قيامهم بأبسط الأدوار الموكلة إليهم طوال عدة دورات نيابية أن يختاروهم من جديد، ويثقوا بصدق وعودهم هذه المرة بعد أن رأوا عدم وفائهم بعهودهم السابقة ..؟.
– وهل يجوز لمن ساند المنظومة الفاسدة الحاكمة طوال الفترة السابقة أن يكون الوكيل المعتمد والنائب الموثوق به لمواجهة الفاسدين والمفسدين في المرحلة القادمة ..؟.
– وكيف يمكن لصاحب ورع وتقوى أن يوجب شرعاً التصويت لهؤلاء أنفسهم والذين تفوح منهم رائحة المشاركة في فساد منظومة النظام اللبناني الذي نهب ثروات البلد وسرق أموال الفقراء ..؟!
– إنني لا أدّعي منزلة في العلم أمام فطاحل العلماء الأجلاء ولا رتبة في الفقه في حضرة جهابذة الحوزات العلمية .. لكن لكوني وُلدت في بيت المرجعية، وترعرعت في كنف الحوزة العلمية، وعاشرت أساطين الفقه وكبار مراجع الدين، فقد تعلمت منهم قليلاً الأصول المعتمدة لدى مراجعنا العظام، والضوابط التي يراعيها الفقهاء الأجلاء في إصدارهم الفتاوى، وحذرهم الشديد في تحمل المسؤولية الشرعية لأفعال المكلفين أمام الله سبحانه وتعالى، وأتألم كثيراً لما أرى تلك الأصول والضوابط يتم تجاهلها بالكامل من قبل الذين لم يبلغوا مرحلة الإجتهاد ” المطلق “ ولا حتى ” المتجزّئ “ في مدارجهم العلمية، فيفتحون بمواقفهم وتصرفاتهم باب الإستخفاف بالأحكام الشرعية وحتى الإستهزاء بالقواعد الدينية من جانب الذين يتحينون الفُرص ليوجهوا الطعنات إلى أساس قواعد الدين الإسلامي الحنيف والتشكيك بصدقية المواقف التي صدرت في السابق تحت إسم ” الفتوى “ من جانب كبار مراجع الدين أمثال الميرزا الشيرازي الكبير صاحب فتوى ” التنباك “ في إيران ، وقادة ثورة العشرين في العراق من كبار المراجع ، وحاملي راية الجهاد ضد الإحتلال الفرنسي والبريطاني في كل من سوريا ولبنان السيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الأمين رضوان الله عليهم جميعاً ، بل والتطاول حتى على مقام أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
– إنني أنصح هؤلاء الجالسين على الكراسي والمتبوّئين المناصب الرسمية والحزبية أن يركزوا قليلا على تزكية نفوسهم ويحاولوا التغلب على أهوائهم ولا يكونوا كما قال الله سبحانه : { فخَلَف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يَلْقون غيّاً } صدق الله العلي العظيم.
– السيد صادق الموسوي