مفاهيم التسامح الإسلامي وتأثيرها على المجتمع .. بقلم : الشيخ أحمد الساعدي

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ  الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .

قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} ويقول تعالى أيضا {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} . يبين من هذه الآيات الكريمات ان ثقافة التسامح فضيلة إنسانية إسلامية حث عليها الدين الإسلامي وغرسها في نفوس وضمائر البشر من أجل التخلي عن المشاكل الاجتماعية والنفسية والثقافية والدينية كالكراهية والحقد والضرب والعنف والقلق التي تترك اثاراً هامه في حياة الافراد داخل المجتمع. ليس صعباً على من تدبّر في ماهيّة مفهوم التسامح أن يُدرك كيف جُمعَت فيه غُرر من مكارم الأخلاق، فالأصلُ فيه مِن الحلم وفَرعُه من العفو وذُروته من الصفح والغفران وسنامه من الإحسان. وما بين ذلك من كَظْم الغيظ ما يحبّه الله لعباده ويرضاه. وستأتي في هذه البُرهة من الزمن الكثير من الشواهد الدالّة على ذلك.

التسامح هو خلق من أفضل الأخلاق وأطيبها، به تسمو الأرواح، وترتفع قدراً عند الخالق، فالتسامح هو التساهل في الحق دون إجبار، والتهاون في رد الأذى مع المقدرة، واللين في التعامل مع الآخرين، والحلم عن المسيء والصفح عنه، والتسامح من أعظم الصفات التي حث عليها الله في كتابه، حيث قال (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).فالإسلام دين التسامح الذي حث عليه في جميع أحكامه وتعاليمه.

ان ثقافة التسامح فضيلة إنسانية إسلامية حث عليها الدين الإسلامي وغرسها في نفوس وضمائر البشر من أجل التخلي عن المشاكل الاجتماعية والنفسية والثقافية والدينية كالكراهية والحقد والضرب والعنف والقلق التي تترك اثاراً هامه في حياة الافراد داخل المجتمع.

ان ما تعرض له مجتمعنا من هزات وحروب وكوارث طبيعة وبشرية، كالاحتلال الأجنبي وشيوع الجريمة والفساد والقتل والنزاعات العشائرية، تركت بصمة خطيرة على حياة المواطن العراقي فإثارة في نفس الفرد العراقي نار الحقد والعنف والتطرف الذي زاد من المعاناة الإنسانية غير أخلاقية واجتماعية، فضلا عن اهدارها لكافة الحقوق الإنسانية والدينية وعلى راسها الحق في الحياة والتسامح بين الأفراد.

وبرغم هذا المشاكل بقي مجتمعنا محافظاً على قيمه الثقافية والدينية وعلى راسها قيم التآزر والمحبة والتعاون والتفاعل والتسامح بين فئاته الاخرى. فثقافة التسامح هذه يمكن ترسيخها في نفوس الافراد من خلال التنشئة الاسرية والمدرسية والتي يقع عليهما مسؤولية تربية وتوجيه وإرشاده وترسيخ المحبة والتفاعل بين الافراد فمن جهة التنشئة الاسرية التي تعد اول خلية اجتماعية ثقافية نفسية تعمل على تنمية وتربية الفرد منذ النشأ الى سن المراهقة، فضلا عن تعرضها لتلك الكوارث الا انها كان لها دور مهما في ترسيخ وتنمية القيم المحبة والتسامح بين افردها ومن صور التسامح لدى الإمام الحسين (عليه السلام) قبول العذر تجاه من أخطأ بحقه، فينقل الإمام زين العابدين عن أبيه الإمام الحسين عليهما السلام، يقول: «لَو شَتَمَني رَجُلٌ في هذِهِ الاذُنِ- وأومَأَ إلَى اليُمنى‏- وَاعتَذَرَ لي فِي الاخرى‏، لَقَبِلتُ ذلِكَ مِنهُ». فالبعض عندما يخطئ أحد بحقه لا يسامحه ولا يقبل عذره بل تحدث القطيعة والعداوة والشحناء والبغضاء معه، ولربما حدث ما هو أكثر من ذلك من شتم وسب وضرب وعنف، في حين أن الإمام الحسين يدعو إلى التسامح مع المخطئ وقبول العذر من الآخرين. فالإمام الحسين (عليه السلام) كان كثير العفو والصفح عن المسيئين إليه، فيروى أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان عنده غلام وقد ارتكب جناية استحق عليها العقاب فأمر الإمام الحسين (عليه السلام) أن يؤدب، فقال الغلام: يا مولاي ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾. قال: خلوا عنه. فقال: يا مولاي ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾. قال: قد عفوت عنك. قال: يا مولاي ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾. قال: أنت حر لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك. فالإمام الحسين (عليه السلام) لم يكتفِ بكظم الغيظ والعفو عن الغلام المسيء الذي يستحق العقوبة بل أعتقه وأكرمه وضاعف له العطاء وأحسن إليه.

فكيف بنا الحال إن أخطأ أحد من عائلتك أو أقربائك أو أصدقائك أو من حولك تجاهك؟

فلابد من التمسك بقيم التسامح في جميع الأحوال والأوقات وفي كل شؤون الحياة، وخصوصاً مع الأهل والأقارب والأرحام والجيران والأصدقاء والزملاء

أكد العلماء والدراسات أن الأشخاص الذين لهم القدرة علي التسامح لديهم أدمغة أكبر حجما وأكثر فاعلية لأن ذلك يخفف من موت الخلايا العصبية كما أن التسامح والمغفرة تزيد من مناعة الجسم للأمراض .

إن الله جعل العفو هو نوع من أنواع الصدقات ! يقول تعالي  {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} وأمرنا بالتآمل في فوائده العديدة حيث نهي الحق الآية بقوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).العفو هو صفة من صفات الله تعالى وهو إسم من أسماء الله عز وجل حيث قال في كتابه يقول تعالى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} ومن أسس التربية الحديثة التي أكتشفها علماء البرمجة العصبية هو التسامح حيث أن كل موقف يمر به الطفل والتسامح الذي تقدمه له يكون بمثابة رسالة إيجابية تجعله هو أيضا متسامح وبذلك نقدم للمجتمع نبتة صالحة تزهر فيه ونبعد ظاهرة الانتقام الشائعة بين الشباب والمدمرة للمجتمع .

وواجب على  كل مسلم آمن بالله وكتابه وسنته أن يأخذ العفو منهجا له في حياته للاستزادة من الحسنات والبعد عن المعاصي حيث أنه من أوامر الله عز وجل  {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد خاتم النبيّين وعلى آله الطيّبين الطاهرين

الشيخ احمد الساعدي/كتابات في الميزان