” الإنسحاب الأمريكي .. أفغانستان من الحرب الأبدية إلى الحرب الهجينة ” بقلم : المهندس ميشيل كلاغاصي ” الكاتب السياسي والخبير الاستراتيجي “

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

 

– على الرغم من المخاوف الأمريكية المسبقة من النجاحات التي يمكن أن تحققها طالبان مع بدء الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان , ومع تأكيد السفيرة غرينفيلد على أن ” العالم لن يقبل سيطرة طالبان على كابول والحكومة ، أو إقامة أي حكومة في أفغانستان يتم فرضها بالقوة “ , وأنه لا بد من ” تسوية سياسية شاملة تفاوضية تستند إلى عملية يقودها ويملكها الأفغان “ .

– ويبقى السؤال : مالذي يدفع الرئيس بايدن والقادة العسكريون في الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الحليفة ، لقبول الهزيمة أمام طالبان ؟ وبتنفيذ إنسحاب مذل , بعد عشرين عاماً لتواجدٍ عسكري لم يقض على الإرهاب ولم ينتج سلاماً أو إتفاقاً سياسياً , ولم يحقق الإستقرار .

– فالحرب الأفغانية التي وُصفت بـ ” الحرب الأبدية “, وبحسب المصادر الإعلامية الأمريكية , كلفت وزارة الخزانة الأمريكية أكثر من تريلوني دولار , وخسارة حوالي 2500 جندياً أمريكياً , و1150 من جنود حلفائها ، وأمام سرعة الإنسحاب والمفاجئة بسرعة تمدد طالبان وسيطرتها على غالبية المدن والمناطق وعلى الحدود مع إيران وطاجكستان , فما هو الهدف الحقيقي لإنسحاب واشنطن ومن يدور في فلك هيمنتها.

– سلوك أمريكي مشين وأكاذيب استمرت عشرون عاماً للغزو الأمريكي الوحشي , ولتدمير الإقتصاد الأفغاني ومقدرات الدولة ولإفقار الشعب الأفغاني , ولإغراق البلاد والعالم بتجارة المخدرات , ولجعل الحياة هناك تبدو مستحيلة , ويعود السؤال إلى المربع الأول , ما هي أسباب الغزو الأمريكي قبل السؤال لماذا هو الإنسحاب الأمريكي .

– بات من المؤكد أن واشنطن تدفع أفغانستان للسقوط في براثن طالبان مرتين , وسبق للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي قوله : دخلت أمريكا إلى أفغانستان “لمحاربة التطرف ولتحقيق الاستقرار , وتتركها بعد عشرين وقد ” فشلت في كلتا المحاولتين “ , وأكد أيضاً قبيل بدء الإنسحاب في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس : أن التطرف اليوم في ” أعلى مستوياته “ ، وأن القوات المنسحبة تترك ورائها ” عار وكارثة “ وأمة مزقتها الحرب.

– فعلى غرار انسحاب الولايات المتحدة ، وعلى اختلاف حجوم تواجدها العسكري انسحبت بريطانيا وجميع قوات الـناتو , بصمت وبهدوء وسرعة ومن دون مكاسب وحتى من دون مراسم .

– وحدها تركيا تخطط لإنتشارٍ كبير , ولمهمة حماية مطار حامد كرزاي الدولي في كابول بحسب ” وزير الدفاع التركي خلوصي أكار “ , ولإقحام نفسها في الصراع .

– أهو التكليف الأمريكي ..؟ .. أم أطماع أنقرة ببسط نفوذها في اّسيا الوسطى ..؟

– ففي 14 حزيران وعلى خلفية اجتماعات G7 , التقى الرئيسان التركي والأمريكي في بريطانيا , وأكد أردوغان أن ” الأيام المقبلة ستشهد تعاوناً وفيراً ومثمراً “ , في الوقت الذي كان الوزير بلينكن يؤكد في اللقاء الصحفي مع نظيره الإيطالي , أنه بات من الضروري إيجاد ” الحل “ لعودة المقاتلين الأجانب في سوريا إلى دولهم , فهل تم الإتفاق على إرسالهم إلى أفغانستان , وبذلك يمكن تفسير التقارب الأوروبي مع تركيا , والرضا الأمريكي , بتكليف تركيا لرعاية وصول الإرهابيين من سوريا وغير مكان إلى أفغانستان , من خلال ” صفقة أمريكية – أطلسية – أوروبية “ , وهذا بدوره يفسر التحضير التركي لإرسال الدفعة الأولى لحوالي ألفي إرهابي يعملون تحت أمرتها في شمال وغرب سوريا إلى أفغانستان مقابل ثلاثة اّلاف دولار شهرياً .

– إن التماهي ولعب الأدوار ما بين قطر وتركيا في خدمة المشاريع الأمريكية , تكفل بإشراف قطر على المحادثات الأفغانية مع طالبان , فيما ستتكفل تركيا بالإشراف الميداني مع طالبان .

– ومع ذلك يبدو أردوغان يقامر بكل ما يستطيع لتجنب الغضب الأمريكي في عهد بايدن … وسيكون العالم ممتناً لتركيا إذا ما نجحت في إحلال السلام والاستقرار هناك .. ولكن كيف لها أن تكون عامل استقرار بدون حشودٍ عسكرية كبيرة وتمويل كبير .

– من سيدفع تكاليفها وإرهابييها ..؟ 

– أم ستترك لها فرصة الإعتماد على أموال الغاز في تركمانستان ونفط كازاخستان ..؟

– أم ستضطر إلى سرقة معامل كابول ونفطها وثرواتها وابتزاز ملف اللاجئين الأفغان ..؟ 

– على غرار ما فعلته في سوريا , وفي جميع الأحوال لن تكون مهمة تركيا سهلة في منطقة آسيا الوسطى ، فتوسيع رقعة السلطنة , وبعد الجنود ومراكز السلطة عن الباب العالي , كانت من أهم أسباب ضعف وإنهيار الإمبراطورية العثمانية , ناهيك عن نظرة طالبان للأتراك على أنهم مرتدون وترتدي نسائهم لباس البحر كالأوروبيين , ويعترفون بالمثليين , فيما تسعى طالبان لإعلان دولة إسلامية متشددة تجمع داعش وطالبان , وعليه ما تعتبره تركيا من ” مزاياها ” و ” إيجابياتها “ سيكون غير كافٍ هناك .

– إن الإنسحاب الأمريكي الهادئ أمام أعين طالبان يشير إلى عدم اهتمامها بمحاربة القوات الأمريكية ، وتركيزها على مواجهة قوات الحكومة الأفغانية , وقد تتمكن طالبان من فرض سيطرتها على كامل البلاد قبل نهاية العام , فإستعدادتهم للتمدد والتمركز والقتال , تفضح نواياهم وتطلعاتهم لإعلان إمارة إسلامية معمرة .. ” كما يبدو مخططاً ومنتفق عليه مع واشنطن “ , لإستقدام وتخزين تنظيم داعش والقاعدة لوقت الحاجة اليها خارج الحدود .

– لا يملك الرئيس بايدن بعد عشرون عاماً في أفغانستان جواباً وضمانات يقدمها للأوروبيين , وبات عليهم التفكير بكيفية ضمان أمن سفاراتهم وموظفيهم ومستشاريهم ، وسلامة الطريق نحو مطار كابول , هذا إن لم يسقط خلال وقت قصير,  ويبدو كلام جوزيب بوريل ساذجاً , بالحديث عن مناقشات بروكسل والناتو وواشنطن , لكيفية حماية وضمان استمرار وجودهم الدبلوماسي .

– على الرغم من حديث طالبان عن إلتزامها بمفاوضات السلام , إلاّ أنها في السابق , لم توقف العنف والتصعيد العسكري في جميع أنحاء البلاد , أثناء المحادثات مع مسؤولي الحكومة الأفغانية في قطر , وعليه تتجه الدعوات اليوم لحث طالبان للبحث عن الحلول والتفاوض مع السلطات الأفغانية بعيداً عن ساحة المعركة .

– وجاء الرد عبر المتحدث بإسم طالبان ” ذبيح الله مجاهد “ لوكالة رويترز ، في مطلع الإسبوع :” نحن جادون , وسيتم تسريع محادثات السلام , والتوصل إلى خطة مكتوبة للسلام , على الرغم من يدنا العليا في ساحة المعركة “ .

– يبدو الإنسحاب الأمريكي , يشي بحربٍ من نوع اّخر , لن تكون فيه القوات الأمريكية على الأرض , وستبقى طائراتها المسيرة وقاذفاتها تضمن سير مصالحها على الأرض , ويبدو أنها تبحث عن مرحلةٍ جديدة على أرض أفغانستان حيث تلتقي فيها مصالح جميع الدول المتنافسة والمتصارعة حول العالم تقريباً .

– يبدو أن الولايات المتحدة تحاول جاهدة استبدال ” الحرب الأبدية “ في أفغانستان بحربٍ هجينة قد تمتد شظاياها الجيوسياسية إلى روسيا والصين وإيران , وباكستان وكافة دول آسيا الوسطى , وتسعى في الوقت الذي تنسحب فيه من أفغانستان إلى إعادة تمركز بعض قواتها في أوزبكستان وطاجيكستان ، بدعم من بعض النخب في الحكومة الأفغانية , بحجة التدخل ضد طالبان إن دعت الحاجة , الأمر الذي تعارضه روسيا والصين , وعليه يبدو أن ما يراه البعض نهاية مرحلةٍ أمريكية , لا يعدو أكثر من بدايةٍ لمرحلة أخرى بنفس الهدف والمضمون .

 

المهندس : ميشيل كلاغاصي

10/7/2021