الإمام السجاد عليه السلام في ذكرى ميلاده العطرة .. بفلم : حسين الصدر

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

– في الخامس من شعبان سنة 38 هـ فتح الإمام علي بن الحسين (ع) عَيْنَيْهِ وبزغت أنوار طلعته البهيّ ، وازدانت به دنيا الرسالة، فهو الكوكبُ الرابع من كواكب الإمامة الساطعة، والمنارُ المشع بِسَنا العِلم والدين والمكارم ، ويكفيه أنْ يُلّقَب بزين العابدين.

وهو كما وصفه الفرزدق حين قال:

ينشقُ ثوبُ الدجى عَنْ نورِ غُرتِهِ
كالشمس تنجاب عن إشْراقِها الظُلَمُ
اللهُ شرّفهُ قِدْمَاً وعظّمهُ
جرى بذاك لهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ

وقد لوّنت الفجائع والمصائب حياتَه بلونٍ قاتم من الأحزان منذ فجر طفولته  وكان لا ينتهي من محنةٍ حتى يُمنى بأصعب منها ،حتى قال الشاعر فيه:

لقد تَحمّل مِنْ أرزائِها مِحَناً
لم يَحْتمِلْها نبيٌّ أو وصيُّ نَبِي

ومنذ مأساة الطفوف التي عاش أحداثها بكل ذرةٍ من ذرات وجوده حتى الإطاحة بكبار الشقاة المجرمين الذين فتكوا بأهل بيته – لم يدخر وسعاً في إثارة عزائم الأحرار للثأر لتلك الدماء الزكية، ولقد نجح في مشروعه وأراه الله خزي الظالمين.

لقد وظّف في تلك المنازلة الكبرى كلّ ما يملك من إمكانات ، وكانت خُطَبُهُ في الكوفة والشام والمدينة، ومواقِفَهُ الداعية للنهوض بوجه الظالمين سجلاً يحمل بصماته المغموسة بالشجن والاثارة من جانب، وبالتوعية والتعريف بحقيقة الاسلام وقادته الميامين من جانب اخر.

جاء في ربيع الابرار للزمخشري انّه: لما أرسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لقتال أهلِ المدينة واستباحَتِها، كفل الامام زين العابدين اربعمائة امرأة مَعَ اولادهن وحشمهن، وضمّهن الى عياله وقام بنفقتهن واطعامهن الى ان خرج جيش بن عقبة من المدينة.

وقد أقسمتْ واحدةٌ منهن انها ما رَأَتْ في دار أبِيها وأُمِها من الراحة والعيش الهني ما رأته في دار علي بن الحسن.

وهنا بيت القصيد: فلقد كان الامام السجاد المثل الأعلى في الحنّو والرعاية للمسلمين عموما وللنساء خصوصا – فهو ملاذُهُم ، ويجدون في كنفه مالم يجدوه في كنف آبائهم وأمهاتهم، وتلك هي الغاية في الإكرام، وهو يكشف بذلك عن خلقه العظيم الموروث من جده المصطفى صاحب الخلق العظيم.

ولقد صدق امير المؤمنين علي (عليه السلام) حين قال: “لا يقاس بآلِ محمدٍ أحد”.

سأل عمر بن عبد العزيز مَنْ كان في مَجْلِسه بعد أنْ انصرفَ الامامُ السجاد عنه وقال لهم: مَنْ أشرف الناس؟ فأجابه المتملقون: أنتم يا امير المؤمنين، فقال “كلا أشرفُ الناس هذا القائم مِنْ عِنْدي آنفا، مَنْ أحبَّ الناسُ أنْ يكونوا منه، ولم يحب ان يكون من أحد”.

جاء في تاريخه: “لقد روى عنه الفقهاء من العلوم ما لا يُحصى كثرةً ، وحُفِظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام ما هو مشهور بين العلماء!!

أقول: قل أنْ تجد كتابا في الفقه أو الاخلاق أو الدعاء أو الموعظة مالم يكن مزدانا بكلماته الخالدة .

ويكفيك انه صاحب (زبور آل محمد) وهي الصحيفة السجادية المشتملة على أدعيَتِه في مختلف المناسبات. وهي تمثّل أسمى صيغ التخاطب مع الله، وهي غنية بالدروس الملهمة في مضمار الطاعة لله والتذلل والخشوع له.

ان الامام زين العابدين بِخُلُقِهِ القرآني قد جسّد عمليا القيم والمثل العظيمة التي اشتمل عليها الكتاب العزيز . قال تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)  آل عمران /134.

وقد جاء في سيرته: انّ ضيوفا طرقوا الامام (ع) فاستعجل خادماً له بشواء كان في التنور، فأقبل به الخادم مسرعاً فسقط السفود منه على رأس طفل له فقتله، فتحيّر الخادم واضطرب ، فلما نظر اليه الامام وهو بتلك الحالةُ قال له: “انك لم تتَعمْدْهُ،  اذهبْ فأنتَ حرُّ لوجه الله”.

إيضاحٍ

السفود: هو العمود الحديدي الذي يوضع عليه اللحم حينما يراد أنْ يُشوى، والإمام هنا لم يكتفِ بالعفو بل توّج العفو بتحرير المسيء من ربقة العبودية.

والسؤال الآن: مَنْ مِنّا يعفو عمن يخدش أصبعاً لابنه فضلاً عن قَتْلِه؟! ومن منّا يحسنُ إلى المسيئين؟

انّ الدكتاتورية البائدة قد عملت على إفساد الأخلاق فأصبحت الإساءة للمحسنين هي الظاهرة الشائعة ولم نعد نشهد من يُذّكُرنا بمثل مواقف الإمام السجاد (عليه السلام) الاّ قليلا .

ولعلَّ أهم ما يجب أنْ تسلط عليه الأضواء في ذكريات الائمة الاطهار هو صدق الانتساب اليهم ولن يكون الانتساب لمدرستهم صادقاً لمن حاد عن نهجهم وخالفهم في أقواله وأعماله.

وجاء في سيرته انه (ع) كان اذا جاءه سائل يقول: “مرحباً بِمَنْ يحملُ زادي ليوم القيامة”. وكانت بيوتٌ في المدينة تعيش على ما يُوصِلُهُ اليها الامام السجاد (ع) ولا تدري من أين تصلهم المعونات.

وهذا نموذج من صدقاته السرية الكاشفة عن عميق اهتمامه بالضعفاء والفقراء والمساكين والأرامل والايتام.

أقول: لنقف وقفه متأملة ندقّق فيها مواقفنا ازاء المحرومين والمظلومين وعموم المستضعفين.

فهل نحن ممن يتعهدهم بالرعاية والاحسان ويفرح بما يسديه اليهم من معونات وينادي مرحباً بمن يحمل زادي الى الآخرة أم اننا في وادٍ آخر ، لا نصيب لاولئك المكروبين فيه؟ انها على كل حال فرصةٌ للتصحيح أتاحتها ذكرى ميلاد الامام السجاد (ع).

ولنختم بما جاء في دعائه؛ قال (ع): “وسَدِدْني لأنْ أعارض من غَشّنِي بالنصح، وأجزى من هجرني بالبِر وأثيب من حَرْمني بالبذل، وأكافئ من قطعني بالصلة، وأخالف مَنْ اغاتبني الى حُسْنِ الذِكْر،  وأنْ أشكر الحسنة، وأغضى عن السيئ”.

– هكذا – أيها الأحبة – أرادنا الامام السجاد (ع) أن نكون، فهل نحن فاعلون ..؟

– حسين الصدر