#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– كانت مدة ربع قرن بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي كافية لتفردها بالقيادة والهيمنة على العالم ولإنتقالها نحو فتح باب السرداب الكبير وشن هجومها العسكري على أعدائها وأصدقائها , وكانت شرارة البداية بأن صفعت نفسها فيما تسمى أحداث أيلول الشهيرة 2001 , وانطلقت بكامل القسوة والغطرسة لتفتح الباب تلو الباب وتتقدم داخل سرداب المخطط الجهنمي للدولة الأمريكية العميقة وأصحاب المشروع الصهيوني الكبير.
– فمن الهجوم على أفغانستان وتنظيم القاعدة إلى الهجوم على الإسلام بإعتراف الرئيس جورج بوش الأب , وزحفها نحو أوروبا وأمريكا اللاتينية وغزوها اليميني , فيما اتجهت نحو العالم العربي والشرق الأوسط , ودخلت العراق واسقطت قيادته ونظامه السياسي وجيشه الوطني وبناه التحتية في 2003, وتابعت تقدمها في السرداب نحو أبواب “الربيع العربي” , ومن الباب المصري إلى التونسي إلى الليبي واللبناني وصولاً إلى الباب السوري , لم تكن تنقصها الأدوات فمصانعها لم تتوقف عن إنتاج النسخ الإرهابية الجديدة “داعش والنصرة” وإعادة إنعاش القديمة منها “الإخوان المسلمين” , وكافة المجاميع الإرهابية التي تدور في فلكهم تحت عشرات التسميات …. وبدأ التسخين والبحث عن حصاد النتائج الأولية .. الأنظمة تتغير .
– فقد تم دحر نظام الرئيس حسني مبارك , وتمت سرقة ثورة المصريين , وجاءت حكومة الرئيس السيسي بلا حول ولا قوة , وقُتل الرئيس القذافي في ليبيا واستباح تنظيم “داعش” البلاد , وبدأت الفوضى والإنقسام الداخلي والإقليمي والدولي , فيما طار الرئيس التونسي في طائرة ليترك البلاد تواجه المجهول , وواجه لبنان عاصفةً إسرائيلية في عدوان حرب تموز 2006 , لكن مقاومته حولت العدوان إلى مناسبة للإنتصار التاريخي , فيما حاول الرئيس السوري إنقاذ بلاده وشعبه وتفادي الطوفان , واضطر لحمل بندقيته في 2012 بعدما قرر المواجهة والصمود وعدم الإستسلام .
– فيما تاهت الأنظمة الخليجية ما بين تمويل وتسليح المجاميع الإرهابية التي تقاتل في جميع الساحات والجبهات خصوصاً في سوريا , لإرضاء الوحش الأمريكي , وللحفاظ على عروشها , فكان القمع السعودي لثورة الشعب البحريني , والهيمنة على القرار المصري , والتدخل في العراق , والعدوان العسكري على اليمن , والإنقسام الخليجي ما بين المحورين الوهابي والإخواني , ومقتل الخاشقجي وحصار قطر , والعداء لإيران …. إلخ.
– لم يتوقف العبور الأمريكي داخل السرداب , واستمر فتح الأبواب للوصول إلى موسكو وبكين وبيونغ يانغ وطهران وكاراكاس , بوصفها دول قررت الصمود والمواجهة ومقاومة المشروع الصهيو- أمريكي.
– من المؤكد أن صمود الرئيس بشار الأسد والجيش والشعب العربي السوري ولأربع سنوات وحدهم في مواجهة عشرات الاّلاف من الإرهابيين , ساعد موسكو والصين والكثيرين على قراءة المخطط والخطر الكبير , وشجعهم على إتخاذ قرار المواجهة .
– واعتقدت واشنطن بأن شيئاً لن يوقفها , لكن المفاجئات بإنتصارالمقاومة اللبنانية , وصلابة بعض الفصائل الفلسطينية في غزة , وما أظهرته المقاومة العراقية في الحشد الشعبي وكافة فصائل المقاومة هناك , بالإضافة لمواقف طهران ودعمها اللامحدود لوقف المد الصهيوني والأمريكي عبر سراديب الموت , بالإضافة إلى الدعم الروسي والصيني لسوريا , دفع واشنطن إلى المزيد من المراهنة على قوتها العسكرية وجحافل إرهابييها , لكنها أدركت استحالة المواجهة العسكرية , فما أظهرته موسكو من علو كعب قدراتها العسكرية وكذلك طهران وبيونغ يانغ وبكين , فكان لابد لها أن تعيد التفكير في سلوكها واستراتيجيتها. وقررت تحويل حروبها العسكرية إلى حروب إقتصادية تجارية , بالتوازي مع العقوبات التي تفرضها يمنة ويسرة .
– الأمر الذي اقتضى مع رحيل باراك أوباما , الإتيان بدونالد ترامب – رجل الصفقات , لكنه نكس العهود وتراجع عن عشرات الصفقات والمعاهدات , إذ تراجع عن الإتفاق النووي الإيراني وإتفاقية المناخ وإتفاقية ستارت3 مع موسكو ….إلخ.
– تابع الرئيس ترامب شق طريقه داخل السرداب رغم الصعوبات , فتنظيم داعش ينهار على يد السوريين والعراقيين , وكاد ترامب نفسه يعلن الإنتصار عليه وإغلاق صفحته .. فيما هزمت وتفككت عشرات المجاميع الإرهابية التابعة للمحور الوهابي , وبدأ زعيم جبهة النصرة الإرهابي محمد الجولاني التفكير بالتحول إلى صفوف المعارضة السياسية , ولم يعد لهم أي أفق للإستمرار … حتى ميليشيات “قسد” الإرهابية بدأت تتحسس أبخرة الغضب الشعبي السوري تتصاعد في وجهها , ولم يعد بإمكان واشنطن حمايتها أو تغطية جرائمها , وأصبحت على مقربة من النهاية .
– كان لا بد لترامب أن يرحل كي تتمكن دولته العميقة من السيطرة على إنزلاقها وضعفها على كافة الجبهات الساخنة , فقد منيت بهزائم عسكرية كبرى , وما تعرضت له من ذل في قاعدة عين الأسد في العراق خير دليل , في حين فقد التحالف الخليجي مواده اللاحمة , وبدأت السعودية تأن تحت ضربات المقاومة اليمنية , ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على دعمها وحمايتها , وحماية نفسها وجنودها وقواعدها في المنطقة , بدءاً من سوريا وصولاً إلى اليمن .
– في الوقت الذي قرأت فيه واشنطن عدم جدوى حروبها الإقتصادية , على الرغم من الأذى الذي ألحقته بالإقتصاد السوري واليمني والليبي واللبناني والعراقي والإيراني والروسي والصيني والفنزويلي .
– إلاّ أن تلك الدول وعبر تكاتفها وصمود قادتها وحكوماتها وشعوبها , استطاعت إبتكار بعض الحلول والبدائل , وبدأت هذه الحروب تفرض وطأتها على الولايات المتحدة نفسها مع ضعف وتراجع إقتصادها .
– فكان لا بد لها من تغيير سلوكها واستراتيجيتها ثانيةً … وكان لا بد لترامب أن يرحل , والإتجاه مع جو بايدن نحو الخداع من بوابة نسف سياسة ترامب , فالدولة العميقة لا تقبل الهزيمة والتراجع وفق خطٍ معاكس لسيرها داخل السرداب .
– ومع مجيء الرئيس بايدن والوزير بلينكن , أعلنت واشنطن إمكانية العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني , وإلى إتفاقية ستارت 3 مع روسيا والمناخ مع أوروبا , ووقف الحرب على اليمن , وبحثها عن الحلول السياسية لإنهاء الحرب في سوريا , وأنها تتخلى عن حماية لصوص الموارد النفطية في شمال شرق سوريا , والإلتزام بمكافحة تنظيم داعش الإرهابي فقط .
– وتبدو قريبة من إعلان تخليها عن تنظيم “قسد” الإرهابي الإنفصالي , إذ يقول ويليام روباك المبعوث الأميركي السابق: ” قدمنا مساعدات عسكرية لتعزيز دور” قسد “ ضد ” داعش “ وليس للسيطرة على شمال شرقي سوريا” , بالإضافة إلى انسحاب القوات الأمريكية بالأمس وبشكل كامل من صوامع تل علو في اليعربية بريف الحسكة الشرقي. يخطئ من يعتقد بأنها ستنحو منحى السلام , وبأنها ستغادر السرداب وتتراجع تباعاً من الباب الأخير إلى الذي قبله وقبله .
– ونراها على العكس تحاول التقدم أكثر فأكثر , عبر محاولة جني قطاف حروبها العسكرية والتجارية الإقتصادية , والإمساك بدفاتر العقوبات , والتقدم نحو حروبٍ جديدة هي حروب التفاوض والولوج إلى داخل الأنظمة “العنيدة” التي صمدت ولم تنهار, وتعتقد بأنها قادرة على التوصل إلى إتفاقٍ نووي جديد مع طهران , واستغلال العقوبات والمعارضات الداخلية في روسيا والصين وفنزويلا واليمن والعراق ولبنان وليبيا, والولوج إلى داخل بنية “الحل السياسي” في سوريا , بالإضافة إلى تمسكها بتجميد الحلول العسكرية عبر تجميد الجبهات بحسب الخرائط العسكرية والسياسية والإقتصادية الحالية .
– إن سعيها لدعم ما تسمى بـ “المعارضات” داخل دول أعدائها , وتصريحاتها حول ” تجديد البحث عن حلول سياسية “, لهو دليل قاطع على إنتقالها إلى حروب الحلول السياسية المزعومة , ودليل إضافي على استمرارها بالسير داخل عمق السرداب وليس للخروج منه , في محاولة لإعادة التموضع وليس لإحلال السلام .