الأبعاد المختلفة لتغطية “العربية” .. بقلم : أحمد أبو زهري ” الكاتب و الباحث السياسي ” غزة

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

– شيئًا فشيئًا تفقد قناة العربية جمهورًا جديدًا وتتسبب بإغلاق مكتبها في غزة كما أغلقت في أماكن وبلدان أخرى لذات السبب؛ وهو عدم الحيادية وافتقار أخبارها لأدنى مقومات المهنية، وهي تظهر كإعلام موجه بيد سلطة سياسية وجهات أمنية وليس كإعلام حر، لتنخفض نسب المشاهدة لنشراتها وبرامجها، وتغامر بسمعتها أيضًا في ظل تبنيها رواية الاحتلال، وتدخلها السافر في الشؤون الداخلية للدول، ومشاركتها في إثارة القلاقل عبر بث الأخبار الملفقة، واعتمادها على المصادر المشبوهة ومنها مصادر الاحتلال.

بثت “العربية” مؤخرًا مواد خاصة سواء في البرامج أو النشرات ما يفيد حسب زعمها بحدوث اختراقات أمنية صادمة في صفوف المقاومة الفلسطينية، مدعية هروب قيادي كبير باتجاه الاحتلال أعقبه اعتقالات في صفوف “القسام” على خلفية التخابر وفق مصادرها الخاصة، فما الذي يدفع قناة داخل العمق الإعلامي العربي والإسلامي لممارسة هذا الدور تجاه المقاومة؟ ومن أين أتت هذه المصادر الخاصة؟ وكيف يمكن تفسير تكرار نشر الخبر رغم نفي الجهات المختصة؟ تساؤلات تحتاج لإجابة منطقية ومعالجة موضوعية للوقوف على أبعاد التغطية.

– البعد السياسي :

لا شك أن استهداف المقاومة الفلسطينية من قناة العربية نابع من محددات وتوجيهات إعلامية رسمية وقرار سياسي معني بشيطنة وتشويه المقاومة ليس فقط في غزة بل في المنطقة، فالقناة ذات الموطن والتمويل السعودي هي إحدى الأدوات التي يستخدمها النظام للمساس بمناهضي مشروع التطبيع، والداعين للمقاومة، وأكثر من ذلك هي كمنبر تطرح نفسها بأنها معتدلة وهذا الاعتدال يميل بعاطفته الإعلامية مع (إسرائيل) ويسوق الأفكار السياسية وغيرها التي تتساوق مع مشروع الاحتلال.

كما أنها منصة تعنى بتفتيت مقدرات الأمة، وإثارة الأفكار الطائفية، من خلال تركيزها على جوانب معينة تقتطع فيها المشهد وتتصرف بانتقائية مقيتة، كمحاولة إظهار الخلاف الشيعي السني، وتحريض الأقليات، وشن هجمات مركزة ضد الجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من الملفات التي يمكن أن تثير جدلًا وتحدث اضطرابًا في الشارع العربي، بل والعالم الإسلامي، فضلًا عن تشويه أنشطة المقاومة باعتبارها أعمالًا إرهابية، وقد بلغ بها الحد لنعت الشهداء الفلسطينيين وغيرهم بـ(القتلى)، وتبهيت التضحيات الوطنية والتشكيك في جدوى الدعوات للتغيير في الوطن العربي، معتبرة أن ما يحدث من تغيير هي من صنع الجماعات المتطرفة التي تسعى لإسقاط الحكومات وإثارة الفوضى.

ولا غرابة في ذلك؛ فالقناة لديها تمويل مناسب لتنتشر وتتوسع في برامجها حتى تحقق الغرض المطلوب من الناحية السياسية، فالمطلوب صياغة الوعي وغسل العقول بمادة مزيفة حتى يبقى هذا العقل بعيد عن أي محاولة لاستنهاضه، فالنظام السياسي القائم على دعم القناة لا يرى في الاحتلال الإسرائيلي مهددًا لوجوده واستقراره، فمشروع التقارب مع الاحتلال من هذه الأنظمة يواجه تحديات كبرى أهمها بروز مشروع مناهض ومقاوم في المنطقة، غزة جزء “أساس” منه، لذلك مطلوب الآن تهشيم هذه الصورة، وتقويض أركانها، وقطع كل الإمدادات عنها، وترسيخ قناعات لدى الرأي العام بأن مشاريع المقاومة هي جزء من الوهم، وانها تفقد وطنيتها ومصداقيتها أمام الجمهور ولا داعي لدعمها والثقة بها، وبالتالي تبني توجهات مختلفة تنسجم مع حالة الانبطاح والهرولة العربية الرامية لبناء شراكة مع الاحتلال على حساب قضايانا الوطنية.

– البعد القانوني :

بث مواد مفبركة ونسبتها لمصادر “مجهلة” دون الإفصاح عن مصادرها الصحيحة، هو تجاوز صريح لمعايير العمل، بل وتخطي غير مشروع للأصول المهنية، وفيه تشويه مقصود للجهات والأشخاص، فكيف تسمح القناة لنفسها بزج إحدى أبرز حركات المقاومة الفلسطينية في تقاريرها المصطنعة، وترسم سيناريو خيالي لإظهار حبكة مناسبة للمادة التي تم اختلاقها على عجل، فهذا جرم ظاهر وفعل جسيم بكل المقاييس، فلو كانت القناة حريصة على نقل الحقيقة لاكتفت ببيان وزارة الداخلية، أو على الأقل حاولت التأكد من صحة معلوماتها، لكنها معنية بما نشرته لإثارة الجمهور والشارع الفلسطيني ضد المقاومة بغرض التحريض على الفوضى.

كما أنها لم تحصل على أي تصريح أو تصوير أو وثيقة يمكن أن تدعم روايتها، هي تنثر الرواية الكاذبة في الفضاء الإعلامي دون توخي الدقة والموضوعية، والادهى من ذلك أنها وبإعلانها اللامسؤول عن أسماء أشخاص تكون بذلك ارتكبت جرائم منها التشهير ضد هؤلاء الأشخاص وألحقت ضررا مباشرا بهم وبعائلاتهم، ربما تخلف أثرا ماديا ومعنويا، وهذا ما يرتب حقوقا لهؤلاء يمكن من خلالها ملاحقة القناة من الناحية الجنائية، والزامها بالتعويض المدني نتيجة الضرر الذي لحق بهم.

– البعد الأمني :

الملف الذي تم تناوله عبر القناة كانت خلفيته أمنية، وهي (قضية تخابر)، فهذا الكم من الضخ الإعلامي للتقارير والتغطيات المستمرة عبر القناة وموقعها والقنوات الرديفة لها يظهر حجم الدور الأمني الكبير، والذي يساهم في صياغة المواد التي تبثها، وخصوصا أن هناك لجان أمنية خاصة تشرف على الأداء الاعلامي ليتوافق مع أهداف المستوى السياسي أو الرسمي السعودي والذي يظهر توجهات معادية للمقاومة في المنطقة، فما نطقت به العربية هو اكمال للأدوار الأمنية والاستخبارية التي تقوم به أجهزة أمنية عربية تقيم علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، وتدور في فلكه الأمني وتسعي لتنفيذ مخططات مشتركة لضمان القضاء على أي مهددات أفرزها مشروع المقاومة خدمة للاحتلال وحماية للأنظمة التبعية المتسلطة.

فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها مهاجمة المقاومة الفلسطينية وبالتحديد كتائب القسام فقد تناولت هذه القناة تقريرا في وقت سابق باسم (عصر إرهاب البيتكوين) حول نشاط الجماعات المسلحة ولجوئها إلى العملات الرقمية المشفرة في الحصول على التمويل والدعم، معتبرة كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس نموذجا لهذا الفعل، مع إلحاق تهما أخرى للقسام بضلوعه في غسيل الأموال، والاتجار بالمخدرات، في تساوق خطير مع الأهداف الأمنية التي يسعى لتحقيقها الاحتلال الإسرائيلي، الامر الذي يؤكد بأن سلوك القناة يطغى عليه التوجيه الأمني بغية تحقيق أهداف مشبوهة تنسجم مع مخططات الاحتلال وتدعم روايته وتساند دوره العدواني على شعبنا .