#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية
– القليلونَ فقط – من المحلّلينَ والمتابعينَ – مَنْ يتذكّر اليوم، ما حدثَ في الماضي القريب ، عندما شَهِدَ العالمُ ما يمكنُ تسميتهُ بـ(اللّحظةِ السّوفيتيّةِ عام 1989-1990) آنذاك كانَ الرئيسُ السّوفياتيّ بوريس يلتسين يترنّحُ من السّكرِ في اللّقاءاتِ الرسميّة، ومعه كانَ الاتّحادُ السّوفياتيّ يترنّحُ دونَ سكرٍ،و كان يلتسن زعيماً كحوليّاً وفاسداً ومُثيراً للسخريةِ، والعالم كلّهُ آنذاك سَخِرَ منهَ ومن بلاده، ومثل عملاقٍ بقدمين من طين، انهارَ الاتّحادُ السوفياتيّ العظيم فجأةً في لحظةٍ ماجنةٍ، حينَ وقعَ انقلابٌ عسكريٌّ انتهى بتفكّكه. ترنّحَ العملاقُ وسقطَ فجأةً وسطَ ذهولِ العالم. اليوم، تبدو الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ، وكأنّها دخلت (اللّحظةَ السّوفيتيّة) ذاتها، فثمّة زعيمٌ يترنح، وبلدٌ عملاقٌ يتصدّعُ بطريقةٍ مفضوحةٍ. ترامب الأمريكيّ من هذا المنظور يُكرّرُ صورةَ يلتسن السّوفياتيّ، ولكنْ بدلاً من أنْ يبدوَ ترامب سكّيراً، سيبدوُ مُهرِّجاً.. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا ببساطة، أنَّ العالمَ دخلَ من جديد في حالةِ سيولة سبقَ وأنْ دخلَها مع انهيارِ الاتّحادِ السّوفياتيّ، بيد أنَّ العالمَ مع ذلكَ يُعيدُ تشكيلَ نفسهِ كمادّةٍ صلبةٍ من جديد، لأنّهُ يُغادرُ عصراً ويدخلُ عصراً جديداً. بكلامٍ موازٍ؛ دونالد ترامب الأمريكيّ هو بوريس يلتسن السّوفياتيّ، وهما معاً منْ يصنعا اللّحظة ذاتها. كِلاهما جاءَ للقيامِ بالواجبِ المطلوبِ منه. تفكيكُ البلد القديم ببنائِهِ المُتهالِكِ وجدرانِهِ المُتصدّعة. أحدهما اختارَ شخصيّة (السكّير) والآخر اختارَ شخصيّةَ (المهرّج)، إنّها حفلةُ إعادةِ بناءِ العالمِ من جديد، وعلى القادةِ أنْ يتقنّعوا/ يتنكرّوا في هيئةٍ مُحددّةٍ.
في عام 1987 نشر المستقبليّ الأمريكيّ آليفين توفلر ثلاثةُ كتبٍ هي الأشهرُ بين كتبه (الموجةُ الثالثةُ Third wave، وخرائطُ العالمِ World maps، وتوزيع/ تشظّي السُّلطة Power distribution)، ففي الكتاب الأوّل تنبأَ توفلر بانهيارِ الاتّحادِ السوفياتيّ في غضونِ بضعِ سنوات، وهذا ما تحقّقَ بشكلٍ مُذهل، فبعدَ بضعِ سنواتٍ بالفعلِ من صدورِ الكتابِ سقطَ العملاقُ ذو القدمين الطّينيتّين. في هذا الوقتِ، وحين صدرَ كتاب توفلر، كنتُ أعيشُ مع أُسرتي في بلغرد (يوغسلافيا)، وصادفَ أنّني ومجموعةٌ من الشّبابِ الفلسطينيّينَ قرّرنا القيام برحلةٍ سريعةٍ لرومانيا المجاورة، في بوخارست – رومانيا، تحدثتُ مع الملحقِ الثّقافيّ في السّفارةِ الفلسطينيّة، فقال لي إنّهُ عَلِمَ من أصدقاءَ لهُ في قيادةِ الحزبِ الشّيوعيّ الرومانيّ أنَّ الرئيسَ شاوشيسكو طلبَ ترجمة كتابِ توفلر، ثمّ وزّعَ بنفسِهِ عشر نسخٍ منه فقط على أعضاءِ في المكتبِ السياسيّ للحزبِ الشّيوعيّ الرّومانيّ، وكان شاوشيسكو مرعوباً ممّا يجري في العالم، وأيقنَ أنَّ هذه النبوءةَ ليست مجرّدَ نبوءة.
حينَ عدتُ إلى بلغراد دعوتُ إلى منزلي رفاقاً لي من الحزبِ الشّيوعيّ اليوغسلافيّ، كنّا نسهرُ معاً باستمرار، فجاءَ ثلاثةٌ منهم فقط مع زوجاتِهم، وكنتُ أُلاحظُ أنَّ زوجاتِ رفاقي اليوغسلاف كُنَّ حزيناتٍ وهنَّ يُحدثنَ زوجتي عن (تنظيفِ البنادق). انتبهتُ إلى سياقِ الحديثِ لكنّني لمْ أفهم النقاشَ بدقّةٍ، ولذا بادرتُ إلى طرحِ السّؤالِ الآتي الذي كان يلحُ عليّ: “هل بدأتم حقاً بتنظيفِ (البواريد)؟ هذا يعني أنَّ يوغسلافيا تتّجهُ نحو الحربِ؟”، ثم سألتهم: “والآن قولوا لي ما الذي جاءَ من أجلهِ غورباتشوف اليوم، لقد رأيتُ في التلفزيون أنّهُ جاءَ لزيارةِ الرئيسِ اليوغسلافيّ (الشهيد) ميلوسوفيتش، لكنّه غادرَ بعدَ ساعةٍ واحدةٍ فقط، وكان مُتجهِماً وبدا عليهِ الانزعاجُ، ما الذي يحدث؟” فقال لي أحدهم: اسمع يارفيق، جاءَ غورباتشوف اليوم برسالةٍ من الأمريكيّينَ مفادُها الآتي: سيّد سلوبودان ميلوسوفيتش فكّكَ يوغسلافيا بهدوءٍ أو سنأتي لتفكيكِها بالقوّة، وأذكرُ أنّني في اليوم التالي، كنتُ ضمن المتظاهرينَ في شارعِ تيتو -في قلبِ بغراد- حينَ ذهينا إلى البرلمانِ نُحيّي الرئيسَ (الشهيد) سلوبودان ميلوسوفيتش الذي قالَ وهو يُخاطبُنا: سأموتُ دِفعاً عن يوغسلافيا موحّدة، سأقاتلُ إلى النهاية. كان الأمريكيونَ يريدونَ منه تفكيكَ يوغسلافيا إلى (فيدراليّات) وليس تحويلَ يوغسلافيا إلى دولةٍ فيدراليّة؛ أي كانوا يخطّطونَ لتمزيقِها، وكان رسولُهم غورباتشوف هو الدّمية التي تحكّمَ بها السكّير بوريس يلتسن.
في هذهِ اللّحظة، وحين كانَ غورباتشوف يقومُ بتفكيكِ الاتّحادِ السوفياتيّ، تمّ تدبيرُ (الثورةِ الأمريكيّة) ضدّ شاوشيسكو التي انتهت بقتلِهِ بطريقةٍ بَشِعةٍ، وفي يومِ مصرعِ الرئيسِ الشّهيد شاوشيسكو الذي يُوصَفُ ظلماً بالمجرمِ والقاتل –وياللمفارقة- كانت بوخارست تعلنُ رسميّاً أنّها بلدٌ (دون ديونٍ خارجيّة)؛ أي صفر ديون. في هذه اللّحظةِ السوفيتيّة المأسويّة، كانَ صدّام حسين يدخلُ الكويتَ، وكثيرونَ يعتقدونَ حتّى اليوم أنَّ الرجلَ الأحمقَ تصرّفَ بحماقةٍ وحسب، وبرأييّ؛ الأمرُ كان مُختلفاً، فكان العراقُ يُدركُ أنَّ خرائطَ العالم التي تَنبّأَ بها توفلر وُضِعَت قيد التطبيق، ولذا حاولَ صدّام حسين العبثَ بالخرائطِ، وكان أوّل ما فعلهُ أنْ جعلَ الكويتَ (محافظةً عراقيّةً)، وكانت المعادلةُ بالنسبةِ لبلدٍ طرفيٍّ صغير من بلدانِ العالمِ الثّالث، وهو يراقبُ تفكّك الإمبراطوريّاتِ والدولِ على النحو الآتي: ما دامَ الأمريكيّونَ سيعبثونَ بخرائطِ العالم، فعلى العالمِ أنْ يعبثَ بخرائطِ أمريكا. لمْ يكن صدّام حسين مجرّد أحمقٍ وحسب، هذه صورةٌ نمطيّةٌ مُزعِجةٌ ولا قيمةَ لها في أيّ تحليلٍ علميّ، وفي النهايةِ هو رئيسُ دولةٍ إقليميّةٍ مهمّةٍ كانَ لديها ما يكفي من المعطياتِ عمّا يجري في العالم، ومهما يكن، وأيّاً يكن (ما إذا كانَ غزو الكويت حماقةً أمْ لا) فليسَ هذا الأمرُ المهمُّ في هذا التحليل، المهمُّ أنْ نلاحظَ هذا الجو الدوليّ الذي بدأَ بالتشكّل.
وهكذا، وقُبيلَ احتلالِ العراقِ (مارس/ آذار 2003) بثلاثةِ أشهرٍ تقريباً، وحينَ مضى أكثرُ من عقدٍ من الزّمنِ على انهيارِ العالمِ القديم، وحينَ كنتُ أعيشُ مع أُسرتي في هولندا، ذهبتُ إلى بغدادَ بدعوةٍ من وزيرِ الخارجيِةِ المرحوم طارق عزيز، بالنسبةِ لي كانَ الأُستاذ طارق عزيز -رحمه الله- صديقاً، وكنتُ أعرفهُ منذُ وقتٍ طويل، وفي بغداد التي عُدتُ إليها من المنفى بعد نحو 30 عاماً -كمعارضٍ- التقيتُ السيّدَ عزة الدوري (عزة إبراهيم نائبُ الرئيسِ صدّام حسين). وسالتُه خلالَ لقاءٍ استمرَّ لساعاتٍ، (ما أرويه –هنا- هو تاريخٌ، وللجميعِ الحقّ في اتّخاذِ أيّ موقف، لكن يجبُ احترامُ الواقعةِ التي أرويها لأنّني أكتبُ بموضوعيّةٍ وللتاريخ). مالذي يريدهُ الأمريكيّونَ منكم، أعني ما الذي طلبوهُ منكم بالضبط؟ لماذا هذا الإلحاحُ على إسقاطِ النظامِ في بغدادَ، رجاء قلْ لي ماذا طلبَ الأمريكيّونَ منكم؟ فقالَ لي حرفيّاً ما يأتي (وباللّهجةِ العراقية):
– يا رفيق.. طلبوا منّا شيئاً قُلنا لهم لا نقدر عليه. خذوهُ بالقوّة.
فقلتُ لهُ على الفور:
– شكراً لكَ.. فَهِمت ما طلبوهُ منكم، لقد طلبوا منكم ما طلبوهُ من بلغراد.
في الواقعِ طلبَ الأمريكيّونَ من صدّام حسين عام 1990 ما طلبوهُ من سلوبودان ميلوسوفيتش عام 1987 (ثلاث سنوات فقط) : تفكيك يوغسلافيا/ تفكيك العراق. بعدَ عشرِ سنواتٍ من العِنادِ والحصارِ الرهيبِ جاءَ الأمريكيّونَ بأنفسِهم لتفيككِ العراق.
ما دامَ سلوبودان ميلوسوفيتش لم يُفككّ يوغسلافيا بهدوء، فقدَ جاءَ الأمريكيّونَ بأنفسِهم وقاموا بتفكيكِها، تماماً كما حذّرَ غورباغتشوف، وحين امتنعَ صدّام حسين عن تنفيذِ ما طلبهُ الأمريكيّونَ جاؤوا بأنفسِهم، وكانت هناك (خرائط العالم) الجديدةِ التي تنبّأ بها آلفين توفلر. الأمريكيّونَ كانوا يعرفونَ أنّهم سوفَ يتفكّكونَ كبلدٍ عملاق، بعدَ عقودٍ ثلاثةٍ أو أكثرَ قليلاً من تفكّكِ الاتّحادِ السّوفياتيّ، لكنّهم قرّروا أنّهم يجبُ أنْ يُفكّكوا العالمَ كلّه خلال 30 عاماً.
سأُلخّصُ الفكرةَ الجوهريّةَ في كتبِ آلفين توفلر الثلاثة ولمن لا يعرف؛ فإن المؤلّفُ كانَ عاملاً في مصانعِ سيّاراتٍ من أصولٍ تروتسكية، لكنّهُ درسَ وأصبحَ أستاذاً جامعيّاً، ثمَّ انضمّ إلى فريقِ المستقبليّين، وهو فريقٌ متخصّصٌ مهمّته التنبؤ بالمستقبلِ. توفلر قالَ وداعاً للشيوعيّةِ وأصبحَ مُوالياً للرأسماليّةِ.
ببساطة، مرّت البشريّةُ -برأي توفلر- بثلاثِ موجاتٍ كُبرى، الزراعيّة قبلَ 10 آلاف عامٍ، ثمَّ الموجةُ الصناعيّةُ قبلَ بضعةِ قرون، والآن، يدخلُ العالمُ عصرَ الموجةِ الثالثة (ما بعدَ العصرِ الصناعيّ: عصرُ السّلعةِ النّاعمةِ، أي الـ Software). برأي توفلر، إنَّ العصرَ الصناعيّ انتهى واختفى ولمْ يَعُد لهُ وجود، حتى تعبير (لندن مدينةُ الضبابِ) اختفى؛ لأنَّ لندن لمْ تَعُد كما كانت في القرنِ التاسعِ عشر تستخدمُ الفحمَ في التدفئةِ، وبحيث تتشكّلُ سحابةٌ من الضبابِ في سمائِها، لقد اختفى عصرُ المداخنِ والمحتشداتِ العمّاليّة، والأيديولوجيّاتِ الثوريّة (الشّيوعيّة واليساريّةِ وثورات اللّاهوت الثوريّ في أمريكا اللّاتينيّة)، وفي هذا السّياق وكما اختفت النّازيّةُ، فسوفَ تختفي الصّهيونيّةُ بما هي نتاجُ هذا العصرِ، وكما تزولُ المصانعُ والمحتشدات ويتلاشى الدُّخانُ، ويحلُّ محلّها نمطٌ جديدٌ من إنتاجِ (السّلعِ الناعمةِ) فسوفَ تذهبُ هذه الأيديولوجيّاتِ هباءً مع الدُّخان، والعالمُ سينتقلُ بالفعلِ إلى عصرِ السّلعةِ الناعمةِ؛ أي أنّه سوفَ يتحوّلُ إلى وادي سيلكون.
ولذا، اختفى الاتّحادُ السّوفياتيّ من الوجود.
لكنَّ آلفين توفلر أضافَ ما يأتي: انتبهوا، بعدَ خمسة وثلاثينَ أو أربعينَ عاماً سوفَ تختفي الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّة أيضاً، فقط لأنَّ العصرَ الذي وُلِدَت فيه ووُلد فيه الاتّحاد السوفياتي قد تلاشى وجاءَ عصرٌ جديدٌ، سوفَ يتمزّقُ المجتمعُ الأمريكيّ بثوراتِ السّودِ/ الزنوجِ وطموحِ الولاياتِ الغنيّة، وفي هذا الكتابِ أيضاً، تنبّأ توفلر بـ(أيديولوجيّاتٍ جديدةٍ) سوفَ تحلُّ محلَّ إيديولوجيّاتِ العصرِ الصناعيّ، وفي خرائطِ العالمِ تنبّأ بأوروبا أُخرى غير التي نعرفها، سوف تختفي أوروبا الغربيّة التي نعرفها، هذه التي قالَ عنها وزيرُ الدّفاعِ الأمريكيّ رامسفيلد بعدَ أسبوعٍ فقط من احتلالِ العراقِ ومن العاصمةِ بغداد: “وداعاً أوروبا العجوز”. كثيرونَ لمْ يصدّقوا ما قالهُ وليد المعلّم أعظمُ وزيرِ خارجيّةٍ لسورية المُعاصرة، حين خاطبَ الصّحفيّينَ في مكتبةِ الأسد قبلَ أعوام: انسوا أوروبا، لقد شطبناها من الخريطةِ، هناك أوروبا جديدةٌ تولدُ هي أوروبا الشّرقيّة (الأرثوذكسيّة من بلغاريا حتّى اليونان). ولذا يحاولُ الناتو نشرَ أسلحتهُ في أراضيها بيأس، إنّها أوروبا الجديدة التي سوفَ تُلاقي روسيا الجديدة وأمريكا الجديدة (بعدَ عشرِ سنوات)، ولأنَّ الولاياتِ المتّحدةَ الأمريكيّةَ هي اليوم في اللّحظةِ السوفيتيّة، فهذا يعني أنَّ العالمَ دخلَ عصرَ (توريعِ السّلطةِ) أو تشظّي السُّلطة.
في قلبِ هذه اللّحظةِ التاريخيّةِ أصبحت سورية مطبخَ العالمِ الجديد -ويا للأسف-؛ أيّ المكان الذي سوفَ تتقرّرُ فيه حصصُ وأحجامُ الدولِ. إنّها المكانُ الذي سوفَ يتمكّنُ فيه العالمُ من الانتقالِ النهائيّ من (حالةِ السيولةِ) إلى (حالةِ الصَّلابةِ).
لقد لَعِبَ بوريس يلتسن دورَهُ كسكّيرٍ ثمَّ سلّمَ الأمانةَ لبوتين، وترامب اليوم يلعبُ دورَهُ كمهرّجٍ قبلَ أنْ يُسلّمَ الأمانةَ لـ(بوتين أمريكيّ) يُعيدُ بناءَ أمريكا المُتهالِكة. في مزحةٍ عابرةٍ قال بوتين تعليقاً على قراراتِ ترامب “إنّهُ ينفّذُ ما تطلبهُ الآلة”. نعم، هناك (آلةٌ) تأمرُ الرئيسَ أنْ يبدوَ سكّيراً أو مُهرِّجاً، ولكن شرطَ أنْ ينفذَ، ليس مهمّاً ما هي هيئتهُ، سكّيراً يكونُ أو مهرّجاً، ليخترَ ما يشاء. المهمُ أنْ ينفّذَ. في نبوءةِ توفل نقرأ الآتي: الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ على طريقِ الاتّحادِ السوفياتيّ سوف تختفي وتتفككّ، لكنّها سوفَ تَعودُ في شكلٍ آخرَ. عاملُ السيّاراتِ التروتسكي الذي أصبحَ من أنبياءِ أمريكا، لا ينطقُ عن هَوى، (إنْ هو إلّا وحيٌ يُوحى) كما في القرآن الكريم. إنّهُ مُتنبئ وليسَ نبيّاً، أي كاهنٌ في المؤسّسةِ الرأسماليّةِ التي تقبضُ على عنقِ العالمِ وقد خرجَ إلى الأسواِق ليتنبأَ مُحذِّراً أنَّ أمريكا دخلت اللّحظة السوفيتيّة، وسوفَ تنهارُ كما انهارَ الاتّحادِ السّوفياتيّ، وأنَّ المهرّجَ الأمريكيّ مثل السكّيرِ السّوفياتيّ يمكنُ أنْ يسقطَ في أيّ لحظةٍ وفجأةً. القوى العظمى كما قالَ ماو تسي تونغ ذاتَ يوم: عملاقٌ بقدمينِ من طين، وحين يترنّحُ العملاقُ في لحظةِ سكرٍ أو تهريجٍ لا فرقَ؛ فإنَّ القدمينِ الطّينيّين سوفَ تتداعيانِ وتتلاشى (المادّةُ الصمغيّة) اللّاصقةُ فيهما.
في مقالةٍ قادمةٍ سوفَ أروي لكم ما سمعتهُ من الرئيسِ بشار الأسد حين التقيتهُ مرتين وأهديتهُ نسخة من مؤلّفي الضّخم (فلسطين المُتخيّلة).
الحربُ على سوريّةَ جرت على خلفيّةِ الطّلبِ نفسه: فكّك بهدوءٍ أو نأتي لتفكيكِ سورية. الأسد حين يتجوّلُ في الغوطةِ مع بدايةِ ربيعِ سورية؛ فإنّهُ يرسلُ رسالةً بليغةً: أنا لا أترنّح.