في الوقت المتأخر من الندم .. بقلم : لؤي طه

#وكالة_إيران_اليوم_الإخبارية

 

 

 

 

– يحدث وكثيراً أننا نأتي في الوقت المتأخر من الندم، نطرق أبواب من تصدّعت قلوبهم من مسامير الألم التي دققناها في جدران نبضهم لنعلق عليها صور الجروح الكبيرة.
ننتظر طويلاً لكن لا أحد يفتح لنا الباب، ولا نسمع لأنفاسهم وقع الخطى التي كانت تدبُّ على بلاط الروح. البيت مهجورٌ إلا من الصمت. أخيراً وبعد أن فقدنا الأمل وأتعبنا الجلوس عند عتبة قلوبهم. يأتي من خلف السكون صوتٌ يقول: لقد رحلوا ولملموا أثاث الحبّ القديم، وجمعوا حقائب الذكريات لقد جئتم بالوقت المتأخر، عذراً منكم فقد فات الأوان!

بقصدٍ أو بدون قصد نجرح من هم معنا نؤلم كل ما فيهم دونما رحمة. نصبُّ عليهم جام الغرور وعشق الذات، ونحرقهم بحطب اللامبالاة. نبتعد عنهم كثيراً ننشغل عن عواطفهم، نسافر مع وجوه أخرى نغامر مع قلوب أخرى ونتركهم للفراغ يحومون حول محراب الذاكرة. نعتني بجمال أنفسنا ندلل أرواحنا بالسفر. نعيش كل أنواع الترف، نأتي إليهم فقط حين نحتاج أن أخذ من الخزائن ملابس الزيف والأشياء التي تهمنا وتكمّل لنا المتعة ونمضي دون أن ندري كم من مرة ماتوا وكم من ليل جاعت قلوبهم ولم يجدوا ولوكسرة حب صغيرة. نتأقلم على بُعدهم ويتأقلمون على غيابنا. نعتاد على أن ننساهم، ويعتادوا على نسياننا لهم.

بعد أن نخسر على طاولات القمار العاطفي ونخسر كل ما لدينا من رصيد ونستدين من الحياة إلى أن تتراكم علينا الديون وسندات الأمانة التي يلاحقنا بها الزمن ويستردها من أعمارنا وصحتنا وبعد أن نفلس ونتشرد في شوارع الإهمال ممن أنفقنا عليهم كل ما لدينا من جمال الكلمات ورقة المعاملة، يغادرون عنا إلى قلوب يافعة أكثر وإلى وجوه مدهشة أكثر. حينها نتذكر أن لنا أحبّة تركناهم ونحن على يقين بأن قلوبهم كبيرة وسوف يغفرون لنا الخطايا والذنوب العظيمة بمجرد أن نعود ونرتمي بأحضانهم.

لكن هيهات، هيهات بعد أن تراكمت فوق قلوبهم المكسورة الأوجاع ونهشت الوحدة من لحمهم؛ فقرروا الرحيل عنا بعد أن منحونا كل أسباب الغفران والمسامحة ولم يعد في قلوبهم محط قدم لمغفرة أخرى..

بعد أن لملموا آخر ما بقيّ لهم من كبرياء وكرامة وتركوا بيت الحب بارد يلفه الصقيع، وراحوا يبحثون لهم عن قلوب تحتويهم وتشعر بجراحهم؛ لأننا لم نحسن في حبهم ولم نعتنِ بمشاعرهم.

فنجلس على أرصفة الندم، نتسول من الذاكرة فتات الذكريات التي كم توهما بأنها ستدوم، وبأن القلوب التي عشقتنا بإخلاص وامتنان، ستظل لنا مهما فعلنا بها.

نحن لا نعرف قيمة الأشخاص إلا بعد أن نفقدهم ، ولا نرى جمال القلوب الوفية إلا عندما نتلقى من القلوب القاسية صفعة قوية؛ لتصحو قلوبنا من غفلة النكران للجميل، وندرك بأن الصحوة قد جاءت في الوقت المتأخر من الندم، بعد أن فاتنا أغلى الأحبّة وفاتنا قطار الغفران.